وافق يوم 11 فبراير 2019، الذكري الأربعون، لثورة الإسلاميين في إيران، والتي بدأت بمظاهرات في شوارع العاصمة طهران، بدعوة من الإمام الخميني، ضد ما أسماه بالظلم الاجتماعي والفساد، وسقط، علي أثرها، نظام الشاه »محمد رضا بهلوي». وأعُلن تأسيس جمهورية إيران الإسلامية، في الأول من أبريل من عام 1979، علي يد المرشد الأعلي »آية الله الخوميني»، المنتمي للمذهب الشيعي، إعمالاً لمبدأ »ولاية الفقيه»، الذي يعطي الأولوية، في الحكم، لرجال الدين، علي حساب رجال السلطة السياسية. ما أن وصل الخوميني إلي حكم إيران، حتي اندلعت الحروب الأيدولوجية، والسياسية، بينها وبين أمريكا، التي اعتبرتها الشيطان الأكبر، وكذلك بينها وبين إسرائيل، التي أصبحت عدوها الأول في منطقة الشرق الأوسط. وتصاعدت الأحداث بعد اختطاف رهائن أمريكيين من داخل السفارة الأمريكية، في طهران، في نوفمبر 1979، وقطعت الولاياتالمتحدةالأمريكية، علاقاتها الدبلوماسية مع إيران، في أبريل 1980، وحتي عام 2013، بعد محادثة تمت بين الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما، ونظيره الإيراني »حسن روحاني». بوفاة »آية الله الخوميني»، عام 1989، خلفه »آية الله خامنئي»، الذي مازال يشغل منصب المرشد الأعلي في إيران، حتي يومنا هذا، ورغم أنه لا يحظي بنفس القدر من تعاطف الشعب الإيراني معه، وبالرغم من تقلص شعبيته، وتراجع تأثيره السياسي، مقارنة بالإمام الخوميني، إلا أنه مازال يملك كل الصلاحيات العسكرية والسياسية في الدولة. والواقع أن وضع إيران قد تغير جذرياً بعد الثورة الإسلامية، فأصبح كل حلفاء الماضي، أيام حكم الشاه، مثل أمريكا والسعودية وإسرائيل، ألد أعداء الحاضر، وتحول كل أعدائها إلي أصدقاء. ورغم عزلتها عن معظم الدول الغربية، إلا أنها نجحت في إقامة تحالفات مع لبنانوسورياوالعراق وأرمينيا، كما استطاعت مد جسور الصداقة مع الصين والهند وروسيا، وأصبح لإيران ثقل سياسي، في المنطقة، لدرجة أن اجتماعات إسطنبول، المخصصة لحل الأزمة السورية، أصبحت تتم بين تركياوإيرانوروسيا، مما يؤكد تعاظم دورها. إلا أن نظام »ولاية الفقيه»، في إيران، يواجه، حالياً، انتقادات دولية واسعة، نتيجة لما يمارسه من قمع ضد معارضيه من جهة، ولعدم احترام حقوق الانسان، وحرية التعبير، من جهة أخري، فضلاً عن عدم احترام حقوق المرأة، وفرض ارتداء الحجاب »التشادور». يضاف إلي ذلك الاتهامات الموجهة لإيران بدعمها، وتمويلها، لكافة حركات الإرهاب، سواء في سوريا، أو اليمن، أو ليبيا، وتعاونها الصريح، مع حزب الله وحماس. ومما لا شك فيه أن البرنامج النووي السري لإيران، وتطويرها للصواريخ الباليستية، يمثلان أخطر الملفات، المثيرة لقلق الولاياتالمتحدةالأمريكية، وإسرائيل، والدول العربية، والغربية، علي السواء، رغم ادعاءات النظام الإيراني بسلمية أهداف نظامه النووي. عمل »حسن روحاني»، فور انتخابه بدعم من التيار الاصلاحي المعتدل، علي التخفيف من حدة التوتر مع الغرب عامة، والولاياتالمتحدة خاصة، متخذاً من المفاوضات وسيلة لذلك، بعدما وصل الاقتصاد الإيراني، إلي أسوأ معدلاته، في هذا الوقت. وبعد سلسلة من المفاوضات، نجح، في 2015، في توقيع اتفاق لإنهاء العقوبات الاقتصادية، المفروضة علي إيران، بشكل تدريجي، وهو الاتفاق المشروط بتخفيض إيران لقدراتها النووية. كان الهدف من هذا الاتفاق، أن تتوقف إيران عن الوصول للقنبلة النووية، وخلال الحملة الانتخابية للرئيس الأمريكي، أعلن دونالد ترامب معارضته للاتفاق النووي الأمريكي-الإيراني، واصفاً إياه بالمعيب والكارثي. وبعد وصوله إلي كرسي الرئاسة في البيت الأبيض، أعلن، في 8 مايو 2018، انسحاب بلاده من الاتفاق النووي الأمريكي-الإيراني، واعتباره أسوأ الاتفاقات التي وقعتها الولاياتالمتحدة في تاريخها. ولم يكتف بذلك، بل قرر فرض عقوبات اقتصادية، جديدة، علي إيران، علي مرحلتين، الأولي في 7 أغسطس، والثانية، والأقوي، في 4 نوفمبر 2018، تم فيها حظر بيع النفط الإيراني، إلا لثمان دول فقط. وتدور، حالياً، حرب كلامية بين إيرانوأمريكا، تهدد، فيها، إيران بإغلاق مضيق »هرمز»، فترد أمريكا بوعيدها. وعلي مستويات أخري، وعلي الرغم من الصعوبات التي تواجهها إيران، إلا أنها تمثل أحد العوامل، المؤثرة، في حل الأزمة السورية، من خلال اجتماعاتها المستمرة مع روسياوتركيا، للوصول إلي اتفاق للحل. وقد زار وزير الخارجية الإيراني، لبنان، مؤخراً، وأسفرت الزيارة عن العديد من المشاكل للحكومة اللبنانية، بعدما أعلن وزير الخارجية الإيراني استعداد بلاده لدعم لبنان عسكرياً، علاوة علي دعم حزب الله. وفي اتجاه العراق، فتعمل إيران، الآن، علي زيادة التقارب مع نظام الحكم في العراق، خاصة أنها تزود العراق بالكهرباء، وأصبحت الحدود مفتوحة لتبادل السلع التجارية. وفيما يخص العلاقات الإيرانية-الروسية، فلقد استغلت إيران اتفاقها النووي مع أمريكا، وما نتج عنه من رفع الحظر عن أموالها المجمدة، لشراء أنظمة الدفاع الجوي الروسي (SS400)، وهو الأمر الذي أزعج إسرائيل بصفة خاصة، والتي كانت تنوي، أيام أوباما، القيام بضربة جوية لمفاعل »بوشهر» الإيراني، إلا أن وجود هذا النظام الصاروخي الجديد في إيران، سوف يضعف القدرة العسكرية الإسرائيلية للقيام بمثل هذا النوع من الضربات المسبقة، والحقيقة أن الولاياتالمتحدة، سواء في عهد أوباما أو ترامب، تعارض تنفيذ إسرائيل لهذه الضربات. ولقد كان قرار ترامب مؤخرا بتطوير قاعدة »عين الأسد» في العراق، بهدف متابعة إيران، سبباً في إثارة العديد من المشاكل في المنطقة، وخاصة العراق، التي أعلنت رفضها استغلال قاعدة علي أراضيها، لعمليات ضد دول الجوار في المنطقة. وفي إطار ضغط الولاياتالمتحدة علي إيران، قامت الولاياتالمتحدة، في الأسبوع الماضي، بتنظيم مؤتمر »وارسو» للشرق الأوسط، بحضور وزراء خارجية أكثر من 60 دولة، بهدف التحالف مع أطراف متعددة للضغط علي إيران، وتعزيز الدعم الإقليمي لإسرائيل. واليوم، وبعد مرور أربعين عاماً علي الثورة، فإنها لم تحقق طموحات الشعب الإيراني، وخاصة أجياله الجديدة؛ فلأول مرة، منذ اندلاع ثورتها الإسلامية، تشهد إيران حالة احتقان، أدت لمظاهرات غاضبة، للتنديد بارتفاع الأسعار، والبطالة، والفساد الحكومي. وبدأت الأصوات تعلو للمناداة بالتوقف عن دعم الحركات الإرهابية في العالم، باستخدام ما هم أحق به من موارد بلادهم، وأيقنوا، بعد 40 عاماً من الثورة، أنها لم تحقق الأهداف، التي طالما حلموا بها.