يبدو أن الرئيس الأمريكي الجديد، دونالد ترامب، مصمم على أن يحذو حذو أسلافه الأمريكيين في نهجهم العدائي تجاه إيران، فمن المرتقب أن يفرض مجموعة من العقوبات الأمريكية على قطاعات إيرانية مختلفة؛ بحجة تجربتها الأخيرة على الصواريخ البالستية، وهي التجربة التي لا تخالف الاتفاق النووي المبرم مع واشنطن نفسها، بالإضافة إلى خمس قوى كبرى أخرى منتصف يوليو 2015. ولمعرفة أسباب الطبيعة العدائية الحالية في علاقة واشنطن تجاه طهران يجب تقسيم العلاقات الإيرانيةالأمريكية إلى قسمين: الأول إيران ما قبل الثورة، والثاني إيران ما بعد الثورة الإسلامية، فحتى نظرة النخب السياسية الإيرانية زمن الشاه لأمريكا باعتبار رضاها نوعًا من الامتياز، فإن نظرة النخب السياسية والدينية لإيران ما بعد الثورة تعتبر أن عدم رضا واشنطن عن طهران يعني أن إيران تسير في الاتجاه الصحيح. بداية العلاقات الإيرانيةالأمريكية بدأت العلاقات بين إيرانوالولاياتالمتحدة، عندما بعث شاه إيران ناصر الدين شاه، أول سفير له، وهو ميرزا أبو الحسن شيرازي، إلى واشنطن في عام 1856، وفي عام 1883 كان صمويل بنجامين أول مبعوث دبلوماسي رسمي للولايات المتحدة في إيران، وتم الإعلان عن العلاقات الدبلوماسية بين البلدين رسميًّا في عام 1944، وكان لظهور النفط في إيران عام 1908م أثره البالغ في زيادة اهتمام الدول الغربية الصناعية كأمريكابإيران. وشهدت العلاقات بين البلدين العديد من حالات المد، وهي فترة تعاون الحكومة الأمريكية مع رضا بهلوي، في مقابل حالات من الجزر فترة الثورة الإسلامية في إيران. إيران ما قبل الثورة "زمن الشاه" في زمن الشاه الإيراني، محمد رضا بهلوي، اتسمت العلاقات السياسية بين الولاياتالمتحدةالأمريكيةوإيران بالكثير من الحميمية، وظلت العلاقة ممتازة مع رجل أمريكا القوي، وشرطي الخليج كما كان يكنى في ذلك الوقت، بعد أن استدعته وثبتت حكمه في إيران 1941؛ ليخلف والده رضا شاه، الذي أقلق واشنطن ودول الحلفاء في الحرب العالمية الثانية بتعاونه مع ألمانيا النازية بقيادة هتلر وتزويدها بالنفط الإيراني. كان لدى محمد رضا بهلوي الابن ولع بالغرب، وحلم بتحويل بلاده لدولة عظمى، فارتمى في أحضان أمريكا، وانتهج سياسات الحفاظ على المصالح الأمريكية خلال السنوات الطويلة، ومنح واشنطن في بلاده امتيازات، وأدخل مستشارين عسكريين أمريكيين؛ لمراقبة الأوضاع في إيران؛ بهدف الحفاظ على مصالح أمريكا، كما كانت أمريكا تتحكم في تعيين نواب البرلمان وتحديد أدوارهم، وفرضت قانون الحصانة القضائية للأجانب «كابيتو لاسيون» الذي يعفى بموجبه الأجانب من التساؤل القانوني على أرض إيران حتى لو ارتكبوا جرائم. وسمح بهلوي أيضًا للولايات المتحدة بأن تقيم قواعد لها في شمال إيران بالقرب من الحدود الروسية؛ للتجسس على السوفييت. وساهمت الولاياتالمتحدة في توطيد أركان حكم بهلوي، حيث قامت واشنطن ولندن بتدبير انقلاب عسكري سنة 1953 ضد رئيس الوزراء الإيراني المنتخب ديمقراطيًّا، محمد مصدق، وهو زعيم علماني سعى إلى تأميم قطاع النفط الإيراني، وأطاحت به، وأعادت شاه بهلوي إلى إيران بعد أن فر منها، وبعد عودته حكم بهلوي على «مصدق» بالسجن ثلاث سنوات بتهمة الخيانة، وبعد انتهاء المدة فرضت الإقامة الجبرية عليه في منزله بقية حياته، إلى أن توفى عام 1967. بعد الانقلاب استمر شاه إيران في السلطة؛ باعتباره مواليًا لأمريكا، وقدمت واشنطن دعمًا غير محدود للشاه، وتأسس جهاز المخابرات السرية «سافاك» بمساعدة من وكالة المخابرات المركزية "سي آي إيه" والموساد الإسرائيلي في عام 1957، وبحلول عام 1970 أصبح العمود الفقري لإمبراطورية الشاه، حيث استخدمه في تعذيب وقتل الآلاف من معارضيه. إيران ما بعد الثورة في 16 يناير من عام 1979، اضطر الشاه محمد رضا بهلوي، الذي كان يحظى بدعم أمريكي، إلى مغادرة إيران، بعد أن تخلت أمريكا عنه، في أعقاب الثورة الإسلامية وخروج مظاهرات وإضرابات مناهضة لنظام حكمه، وبعد أسبوعين من تلك الأحداث عاد الزعيم الديني الإسلامي آية الله الخوميني من منفاه في فرنسا، وبعد انتصار الثورة الإسلامية في 11 فبراير 1979، تم تنصب الخميني على رأس الدولة، بعد استفتاء في الأول من إبريل، وهنا يكمن مسار التحول السياسي بين طهرانوواشنطن، فأمريكا في نظر الخميني هي العدو الأول للبشرية، وناهبة ثروات العالم وأكبر عدو للإسلام والمسلمين في شتى أرجاء الأرض، كما رفع شعار "الموت لأمريكا" خلال الثورة الإيرانية الإسلامية. وتدهورت العلاقات بين إيرانوأمريكا، بعد أن وافقت الولاياتالمتحدة على استقبال الشاه المخلوع بهلوي للعلاج، حيث غضب طلبة الجامعات الإيرانية، وهاجموا سفارة أمريكا في 4 نوفمبر 1979، واحتجزوا 52 موظفًا في السفارة، ودعوا إلى إعادة الشاه إلى إيران، بعدها قطعت أمريكا علاقاتها الدبلوماسية مع إيران في 7 إبريل 1980، بمبادرة من الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر، وأفرجت إيران عن الرهائن ال52 يوم تنصيب الرئيس الأمريكي رونالد ريجان رئيسًا للولايات المتحدة في 20 يناير 1981. العلاقات الإيرانيةالأمريكية ظلت متوترة حتى الثالث من يوليو 1988، حيث أسقطت الفرقاطة الأمريكية فينسين طائرة تابعة للخطوط الجوية الإيرانية من طراز "إيرباص"، وقتل إثر ذلك 290 من ركابها الإيرانيين، وقتها رفض مسؤولون أمريكان تحمل أية مسؤولية قانونية عن الحادث، ولم يقدموا أي اعتذار رسمي، وأعلن جورج بوش الأب، الذي كان مرشحًا للرئاسة عام 1988، بأنه لن يعتذر. وعلى عكس إيران البهلوية والتي تحالفت مع أمريكا واعترفت بالكيان الصهيوني بعد عامين من تأسيسه في 6 مارس 1950، فإن إيران الثورة قلبت كل هذه الموازين، وأغلقت السفارة الإسرائيلية في طهران، واحتلت السفارة الأمريكية في فبراير 1979، الأمر الذي رسم الخطوط العريضة في سياسة طهران المتبعة مع واشنطن. ولم تختلف سياسة إيران المناهضة لأمريكا بعد وفاة الخميني عام 1989، وتسلم المرشد الحالي آية الله علي الخامنئي. سياسة إيران المناهضة للاستكبار الأمريكي دفعت الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب عام 2002، خلال خطابه حول حالة اتحاد، إدراج إيران في "محور الشر" مع العراق وكوريا الشمالية، وتسبب الخطاب في إثارة غضب إيران. في فترة رئاسة الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي والتي تمتد من (1997-2005) دعا إلى "حوار مع الأمريكيين"، وراجت توقعات بكسر الجمود في العلاقات بين البلدين، لكن لم يحدث أي تقدم يذكر. في عام 2002 اتهمت أمريكاإيران بتطوير برنامج أسلحة نووية سرًّا، وتلا ذلك عشر سنوات من تعاون إيراني متقطع مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة ونشاط دبلوماسي، بعدها صدقت الأممالمتحدة على أربع دفعات من العقوبات على إيران بين عامي 2006 و2010 بشأن القضية النووية، وفرضت الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات على إيران، وعززت إجراءات في عام 2012 طالت القطاع المالي. في فترة تولي الرئيس الإيراني، أحمدي نجاد (2005-2013)، اتسمت العلاقات بأقصى حالات التوتر بعد اتهام نجاد للحكومة الأمريكية بأنها متورطة في أحداث 11 سبتمبر، كما شككك في محرقة الهولوكوست اليهودية. فيما اتسمت فترة الرئيس حسن روحاني، والتي بدأت 2013، ببعض التطورات في العلاقة، حيث أجرى روحاني اتصالًا هاتفيًّا مع الرئيس الأمريكي السابق، باراك أباما، وهو الاتصال الهاتفي الأول بين رئيسي الولاياتالمتحدةوإيران منذ 34 عامًا، وقتها أعرب الرئيسان عن عزمهما على تسوية النزاع الدائر منذ فترة طويلة بشأن البرنامج النووي الإيراني، وبعد مشاورات ومفاوضات شاقة تم التوصل إلى الاتفاق النووي الإيراني في يوليو 2015. العلاقات الإيرانية بعد الاتفاق النووي تشير المعطيات إلى أن العلاقات الإيرانيةالأمريكية لم تتسم بالانفراج حتى بعد الاتفاق، حيث حذر خامنئي في رسالة وجهها إلى الرئيس الإيراني الحالي من أن «بعض» القوى الكبرى لا يمكن الوثوق بها في تطبيق الاتفاق النووي الإيراني، وحثه على التيقظ لأي خرق. تحذير المرشد لاقى مصداقيات على أرض الواقع، فبعد توقيع الاتفاق النووي، لم ترفع الولاياتالمتحدة العقوبات المصرفية على طهران، وخلال هذه الفترة وفي مطلع 2016، قامت إيران باحتجاز بحارة أمريكيين كانوا على متن زورقين في المياه الإقليمية الإيرانية، وأطلقت سراحهم فيما بعد. وكان أوباما قد أعلن قبل رحيله أنه اتخذ قرارًا بتمديد عمل العقوبات الأمريكية الأحادية الجانب ضد إيران لمدة سنة واحدة، وقال جو بايدن، نائب أوباما، إن الاتفاق حول البرنامج النووي الإيراني لا يلغي احتمالية استخدام بلاده القوة ضد طهران، وهي النظرة الديمقراطية التي لا تختلف عن نظرة ترامب الجمهورية لإيران، ففي الوقت الذي من المتوقع أن تفرض الولاياتالمتحدة عقوبات جديدة على إيران، ستشمل 25 كيانًا إيرانيًّا، ضمن قائمتين منفصلتين وهما: 8 كيانات إيرانية بسبب "أنشطة تتعلق بالإرهاب"، و17 كيانًا بسبب أنشطة متعلقة بالصواريخ البالستية، أعلن ترامب أنه "لا يستبعد أي خيار من على الطاولة" في التعامل مع طهران؛ ردًّا على التجربة الصاروخية. ويبدو أن المناورات الأمريكية الأخيرة في الخليج العربي تعطي رسائل بأن ترامب ما زال يلوح بالخيار العسكري الأجوف. ولا يبدو أن معيار واشنطن في التعاطي مع طهران مبني على استعداء البعد المذهبي لإيران ما بعد الثورة، فالشاه كان يعتنق المذهب الشيعي أيضًا، ولكن معيار قرب أو ابتعاد واشنطن من طهران محكوم بمدى تطبيع علاقة طهران بتل أبيب، فالشاه كان حليفًا لإسرائيل؛ لذلك دعمته أمريكا، بينما طهران ما بعد الثورة تدعم أحزابًا فلسطينية ولبنانية كحماس وحزب الله، والتي تناهض الاحتلال الإسرائيلي في المنطقة، لذلك لا يمكن أن تحظى بقبول واشنطن.