باتت المهرجانات السينمائية في حاجة لضخ أموال لشراء حقوق العرض الأول للأفلام العالمية، وإقامة مسابقات تمنح جوائز لدعم صناعها وتشجيعهم علي المشاركة، وإذا تمكن المهرجان من دعم الإنتاج في مرحلة لاحقة سيعود ذلك بالطبع عليه، وسيصبح محط اهتمام من صناع الأفلام، إلا أن الأموال ليست هي كل شيء، ولا تنجح المهرجانات وتستمر بالإنفاق المادي فقط، وإنما بالفكر الذي يقف وراءها أولاً ويملك رؤية واضحة للدفع بها واستمرارها بنفس القوة.. وبالأمس اختتم مهرجان الجونة السينمائي دورته الأولي وسط نجاح يحسب له، بعد ثماني ليال حفلت بعروض الأفلام والمناقشات والندوات والفعاليات المهمة التي لفتت الأنظار إلي هذه البقعة الجميلة من أرض مصر بما تتميز به من مواقع تصوير مفتوحة، ومنتجع يضج بالحياة ويستوعب كل الجنسيات الذين جاءوا للاسترخاء وسط الشمس المشرقة ومياه البحر الأحمر الفيروزية.. والمتابع بدقة لفعاليات دورته الأولي التي حملت شعار »سينما من أجل الانسانية»، يستطيع أن يرصد الحراك الذي أحدثه بقوة من خلال أعمال سينمائية منتقاة، من بينها الفيلم الروسي »أرتيما» لبوريس خلينكوف وأفلام الإنتاج المشترك ومنها فيلم »مابعد الحرب» الذي شاركت في إنتاجه أربع دول هي ايطاليا وفرنسا وبلجيكا وسويسرا، وفيلم الختام »تدفق بشري» للمخرج الصيني المعارض أي واي واي والذي تناول أزمات اللاجئين في بلدان عديدة، كما نجح المهرجان في الارتقاء بمشاركاته العربية التي ترشح بعضها للأوسكار مثل الفيلم اللبناني »القضية رقم 23»، والمغربي»وليلي»، والمصري »الشيخ جاكسون»، بخلاف دعوته لنجوم السينما العربية والعالمية وتكريمه النجم عادل إمام في الافتتاح والنجم الأمريكي فورست ويتكر في الختام، ومحاولته الجادة تمويل مشروعات للسينما العربية من خلال »منصة الجونة»، وهو ما أشار إليه مديره انتشال التميمي بأن »هناك توجها من قبل إدارته للدخول إلي صناعة السينما»، وما أكده نجيب ساويرس مؤسس المهرجان »لدينا رؤية وهدف لتدخل السينما الجونة لتكون نجمة تتلألأ بإبداع الفن السابع».. وقبل ذلك كله كان التنظيم الجيد واحترام الوقت لافتاً في كل فعالياته. نعم كانت هناك بعض الأخطاء الواضحة التي صاحبت هذه الدورة للمهرجان، والتي لابد أن يتجنبها في دوراته المقبلة، لكن من الإنصاف أن نعترف ببدايته القوية وأن نسانده كمهرجان سينمائي مصري أحدث حراكاً سينمائياً وسياحياً منذ انطلاقته الأولي.