وكأن التزوير والزيف صار قدرا لنا لا فكاك منه! قبل ثورة 52 يناير كان يقال لنا ان الكفن ليس له جيوب، رغم اننا كنا نشم رائحة الفساد في كل ارجاء البلاد.. ثم اكتشفنا ان الكفن بات كله جيوب، وان هذه الجيوب مملوءة بمليارات الجنيهات والدولارات بل ومساحات شاسعة من الاراضي فضلا عن القصور الفارهة! انفتحت السدود أمام سيول من كتابات وتعليقات وأحاديث صحفية شتي، والسباق علي أشده دائر بين الصحف مع المزايدات علي معايير الاثارة والهجوم وكشف المستور بالحق وبالباطل، بالتهويل أوالمبالغة، لكن ما يثيرغضب الدماء في العروق هي معاول الهدم يرفعها موتورون وفاشلون من ذوي الأغراض والعلل الدفينة، محاولين تدمير صروح عالية قامت بجهد ودأب مواطنين نابهين وشرفاء ، و شارك باذكاء الروح فيها آلاف المتفردين من النخب المصرية ..واثني في هذا المقام مكتبة الاسكندرية اذ يندر بين مثقفي ونخب مصر من لم يعرف طريقه اليها أو لم يدع لها أو يزرها ويشارك في اوجه النشاط لهذا الصرح الشامخ الذي يمثل احد أهم مفاخر نتيه بها بين العالمين .. كفي لمركز الاشعاع هذا الذي بلا نظير أنه ما أخرج مصر والعالم العربي ايضا من مجال المحلية والاقليمية الي أفق العالمية ولهذا ولأكثر منه حماها شباب ثورة 25 يناير باجسادهم ، حفاظا عليها وحماية لها من هجوم الدهماء والغوغاء خشية تخريبها، وقد كرروها اكثر من مرة حتي ان محطة سي ان ان الامريكية استطاعت تسجيل المشهد البليغ وقدمته نموذجا لوعي وتحضر شباب الثورة المصرية. انما ان كان عالما رائدا في علم المكتبات - حسب تقديمه للقاريء - يري ان مكتبة الاسكندرية قد خرجت عن دورها المحدد لها وهو دور تحدده رؤيته أن تكون "في خدمة شمال مصر أي الدلتا" لانها تحولت الي، حسب قوله الي "لونابارك" ومزار سياحي ليس لا .. فيسأله الزميل الصحفي بماذا يفسر اذن (ما كنا نسمعه) عن عالمية هذه المكتبة وما تصورك لمستقبلها بعدما تحولت الي لونابارك ؟ فيجيبه العلامة جهبذ المكتبات قائلا : مرة اخري كلام كبير وفعل صغيركما يحدث كثيرا في مصر، يجب أن تتخلص من المظاهر وتعود لوظيفتها الحقيقية مكتبة في خدمة الباحثين لأن 90٪ مما تقدمه مظاهر . . هذا مضمون حديث صحفي طويل عريض استغرق صفحة ونصف علي متسع ثماني أعمدة من الصحيفة اليومية الكبري، كله تهجم وتجن علي مكان شغل ركنا من أركان حياتنا الثقافية الاجتماعية الفكرية علي مدي السنوات الماضية ... انفلات اللسان يكشف عن المكنون وراء هذا التجني المعيب الذي يدل علي غياب تام عما يجري في صرح شامخ يسئل فيه من تردد عليه أو شارك بمؤتمراته أو المنتديات والمناسبات الشتي .. انما يتبين من فلتة اللسان ان الرائد الكبير كان مرشحا لعمادة كلية تدرس علم المكتبات ضمن مشروعات المكتبة لكن لم يحدث، فانهم حسب تعبيره لايستعينون بالكفاءات ولهذا انكفأت المكتبة علي نفسها وأصبحت علي ما هي عليه. واضح ان رائد علماء المكتبات هذا والزميل المحترم لم يسبق لهما التعارف بهذه المنارة الثقافية الكبري، فلا كانوا يوما بين المليون وأربعمائة ألف زائر لها سنويا ولا هما من مستخدمي موقعها الالكتروني الذي يستقبل نحو 8 ملايين زائر شهريا، بل ورائد علماء المكتبات هذا غالبا لا يعرف وربما لم يسمع أصلا بالعلماء الثلاثة الذين زاروا المكتبة - اقصد اللونابارك - تباعا في العام الماضي وهم من استطاعوا باختراعاتهم تغيير وجه العالم : بن سيرف .. وبوب ماكين، مخترعا الانترنت وأما ثالثهم فهو " تيم برنرزلي " مخترع العنوان الاشهرالذي ينقر يوميا باطراف الأصابع مليارات المرات www. ... اسماعيل سراج الدين اتفق مع بن سيرف أن تشارك مكتبة الاسكندرية في مشروع ( سوبر كورس ) ويقوم علي اتاحة المحاضرات العلمية القيمة لتكون في متناول أي باحث في العلوم مع سرعة الحصول عليها دون حاجة للتنقيب بين المراجع والكتب وانفاق الوقت والجهد كما كان يحدث قبل الثورة الرقمية التي قلبت وسائل البحث العلمي والمعرفة رأسا علي عقب ... فالمكتبات السوبر الآن ما عادت تحمل كتبا ورقية، بل يكتفي طوليا بصف واحد من مكتبة ليسع مائة مليون كتاب ! ومكتبة الاسكندرية حظيت بنسخة من ارشيف الانترنت الذي يشمل الذاكرة الانسانية المحفوظة ، مليارات الصفحات تضم كل ما تم تسجيله من معارف عبر العصور و الصفحات مصورة بالروبوت. هذا غير سوبر كومبيوتر كما الحجرة الصغيرة شهدناه ودخلنا اليه ولا مثيل له في المنطقة كلها وخدماته لا حصر لها في مجالات البحث العلمي وبسرعة فائقة بلا أدني احتمال للخطأ (ساهمت في شرائه عائلة ساويرس) والذي لا يعرفه بكل تأكيد هذا العالم العلامة رائد علم المكتبات أن مؤسسات ثقافية كبري ومكتبات جامعات هارفارد وكامبردج واوكسفورد وبرنستون والمكتبة الوطنية لفرنسا و.. مكتبة الاسكندرية يشاركون حاليا في مشروع " موسوعة الحياة " يضم دراسات عن جميع الكائنات الحية 900 ألف كائن حي ... مجرد نماذج قليلة ما تسعه الذاكرة عن مؤسسة ثقافية علمية كبري أقيمت بادارة مصرية وبجهد ودأب ألفي موظف 72٪ منهم شباب تحت سن 35 سنة. مديرها وعقلها المدبر د. اسماعيل سراج الذي قلما يمر عام بدون تكريم دولي له، يكرم في مايو من الاكاديمية القومية للعلوم بواشنطون بجائزتها لهذا العام، لأول مرة تختار شخصية غير امريكية ... كوليج دو فرانس أيضا وهذه من أهم صروح الثقافة في فرنسا اختارته ليلقي محاضرات بها كأول عربي أفريقي شرق أوسطي ينال هذا الشرف العلمي الرفيع.