ليس مطلوبا أن نتمسك بقدسية القيم الإسلامية فحسب بل من الواجب أن نقدم لها بما يجعلها اكثر ملاءمة للاندماج مع روح عصر مختلف ؛ وزدنا علي ذلك بأن المقدس يبقي مقدسا وأن الدنيوي لن يبلغه مقاما ولا طولا. ومع كل ذلك ورغم وجاهته إلا أن الانتباه واجب علينا بشأن ضرورة تخليص حملة المقدس وعلمائه من العقم الذي أصاب عقولهم وجعلها غير قادرة علي توليد الأفكار الجديدة أو حتي طرح القديم في رداء عصري يستجيب لروحه ومقتضياته. والخلاصة ؛ هي أن هناك ضرورة ملحة للعودة بالإسلام إلي روحه ؛ فثمة مسافة زمنية تفصل مابين الإبتداء ةمانحن عليه كافية ومستحقة للتوقف والتقييم لفعالية الوسائل والأدوات عسانا نخرج من الكبوة التي وضعتنا في مصاف لا تليق بنا ولا بديننا الحنيف ؛ ومن هنا يجب التركيز وبحق علي نوعية المناهج والأفكار باعتبارها المعضلة الكبري وليست نوعية الوسائل ..فالحكاية في النهاية ياسادة حكاية مناهج وأفكار لا مسائل وأدوات ؛ فعلينا وضع رؤية أولا ثم نبحث في وسائل فعاليتها ؛ فنحن - بكل أسف - نتوقف دوما عند حد الرغبة وفلسفة الرغبة دون الولوج للقدرة وأمتلاك الإرادة ؛ والخطيئة هنا أننا نتحرك بما نريد لا بقدرة الاستطاعة ؛ ولا نستثمر جديدا لأننا نعجز عن إيجاده ولا حتي نتعلم من تجارب الآخرين ولم نستعن بأدواتهم ولا بوسائلهم ؛ إنما بالتي تقع منها تحت أيدينا بالفعل أو المنقولة عن سابقين ؛ ولقد تحركت الكثير من الأمم بأموال ذات وزن متواضع ولكنها تمكنت من بلوغ كل أحلامها لأنها أدركت بأن رأس مالها من أفكار أهم من الأموال ؛ ولدينا تجارب عدة شرقا وغربا بعد الحرب العالمية الثانية مع الأخذ في الاعتبار أن بيئة مجتمعنا الإسلامي مختلف كثيرا عن ظروف وبيئة مجتمع قامت أفكاره علي فكر آدم سميث وديكنز وماركس وغيرهم ؛ فلنقرأونستخلص العبر وهذا ليس عيبا ولا يعكس نقصا أو تفاهة ؛ فقد فعلوا هم ذلك معنا واستفادوا منا واستثمروا ما نقلوه عنا أيما استفادة.. والآن وبعد تقديم رؤية كاشفة - علي مدار مقالين سابقين - حاولت من خلالها تحديد المرض متجاوزا العرض للذي نحن بصدده " قضية الإرهاب " بكل أنواعه ومستوياته وجغرافيا انتشاره ؛ وهي قضية تمثل أزمة استشرت بآثارها وبشكل مركب ومعقد ؛ فقد أصابت مفاصل البنية الهيكلية للشخصية المسلمة والتي تعد هي المقوم الأساسي الدائم والداعم للمجتمع الإسلامي بأكمله ؛ وقد توصلنا إلي أن جوهر الأزمة لدينا يتمثل في تأزم الفكر وجموده لدين حي وحيوي.. ولاشك أن هناك حركة تتم في مجتمعنا تحاول الاستجابة لطلب متكرر من السيد الرئيس بضرورة تغيير أو تطوير الخطاب الديني ؛ ولكن في تقديري أنها لن تؤتي أكلها كما نتمني أو يتمني سيادته إن استمرت علي ماهي عليه من افتقاد القدرة علي الإبداع والخروج علي المألوف الخاطيء في جوهره فالقائمون علي أمر الملف هم في الحقيقة من صنعوا هذه الأزمة ؛ ومن غير المنطقي أن يوكل لصناع الأزمة والمسئولين عنها بمفردهم أن يديرها في اتجاه التصحيح أو الخروج ؛ ففيهم - كما نعلم - من يتسم بالجمود قلبا وقالبا ؛ وهناك من يستثمر معطيات الأزمة وطبيعة المرحلة ؛ وكلاهما علي مايبدو يفتقد للحد الأدني من متطلبات التغيير.. فالأمر أمسي في غاية الخطورة ؛ ويستدعي قراراً أكثر جرأة من أولي الأمر سواء في مؤسسة الرئاسة أو باقي المؤسسات المنوط بها تقديم حلول وأفكار لهذه الأزمة العاصفة - عملا بلا مقدس لدنيوي خاصة الأشخاص- والتي وضعتنا أمام فوهة مدافع الذين ظلوا يتربصون بنا وبإسلامنا علي مدار تاريخه.. ومن الجدير بالذكر لأن نلفت إلي أنه علي الرغم من كل ماذكرناه عن مسئوليتنا إلا أن هناك مايجب التركيز عليه وكشف دوره علي الجانب الآخر ؛ فقد استثمر الغرب جمودنا وجهل بعضنا وغياب الوعي عن معظمنا في فترة من الزمن وأنشأ مصانع من نوع عجيب مهمتها يتلخص في استدراج شبابنا المسلم بكل الوسائل الممكنة والاغراءات الملائمة من مال وامل بالتغيير الثوري وقد تمكن علي مدار العقود الماضية من الإسهام بفعالية في خلق الكثير من التنظيمات تحت شعارات ملؤها الأمل في الظاهر وباطنها التدمير للذات والإرهاب لمجتمعاتها.. وهانحن ذا نري اليوم الغرب - وقد ردت إليه بضاعته - كل الغرب وبلا إستثناء يعاني ويدفع الثمن المستحق قهرا لما اقترفه بأجهزته وبأمواله وبخبثه الشديد ؛ ولكنهم تحركوا بسرعة وبوعي وبتكريس لكافة الإمكانيات للتخلص من خطيئة صنعوها بأنفسهم، وعلينا أن نتجاوب مع انتفاضتهم هذه - بصرف النظر عن مواقفهم السابقة. خاصة أن هناك إدارة أمريكية جديدة وجادة علي مايبدو ؛ أعلنت أنها بصدد تصميم استراتيجية عالمية للقضاء علي التنظيمات الإرهابية !!!..فالتعاون مع هذه الاستراتيجية سوف تسهم بلا شك في تصحيح الصورة الذهنية السيئة التي ترسخت عن الإسلام والمسلمين خلال العقود الأخيرة ؛ وهناك فرصة سانحة للسيد الرئيس لتحقيق الشراكة في الهدف الكبير خاصة أن هناك زيارة مرتقبة لسيادته إلي واشنطن ؛ ويفترض ان قضية الإرهاب قد احتلت مكانة متقدمة علي أجندة لقاء السيسي - ترامب ويشجع علي ذلك مايعلنه الرئيس الأمريكي بشكل متكرر ومن قبل أن يصبح رئيسا للولايات المتحدةالأمريكية من إعجابه بشخصية الرئيس السيسي وجرأته وقوته في محاربة الإرهاب بالمنطقة. والخلاصة ؛ أن تطوير الفكر الإسلامي خطوة كبيرة ومهمة ومعقدة ومكلفة ولكنها مطلوبة بإلحاح لبداية مسيرة إصلاح شامل جيل جديد أكثر فهما ووعيا بسماحة دينهم الإسلامي وأيضا ضمان إيقاف الغرب لحملته المسعورة والمسيئة للإسلام ذاته.. المسئولية عظيمة وثقيلة وتستحق الدعم ؛ وأعتقد أن كافة اجهزة الدولة وكل من لديه أمل في غد أفضل منوط به الإضطلاع بمسئولية أخلاقية فريدة لنتمكن جميعا من درء خطر شديد علينا وعلي ديننا ؛ والأمر المهم الآن هو : " هل لدينا القدرة علي صناعة القرار المطلوب - قرار تطوير الفكر وتطهيره ؟!! وهل نمتلك جرأة إصداره والإبتعاد عن مساحات الرغبة المترهلة ؟!! ..أعتقد أن هذا هو السؤال الصعب الذي يجب أن نمتلك شجاعة مواجهة انفسنا به فورا.