قارب انفصال جنوب السودان عن شماله ليعلن عن اضافة دولة جديدة إلي دول حوض النيل ليصبح عدد دول الحوض أحدي عشرة دولة.. ولعل حدث انفصال الجنوب السوداني ليس حدثا وليد الساعة فمشكلة جنوب السودان مشكلة مزمنة بدأت مع انتشار بعثات التبشير في الجنوب مع بداية القرن العشرين واتباع الانجليز سياسة قوامها خلق كيان جنوبي يختلف عن الشمال في اللغة والثقافة والدين وفي عام 2291 صدر قانون المناطق المغلقة لمنع هجرة الجنوبيين إلي الشمال أو الشماليين إلي الجنوب.. وفي عام 5591 أعلنت المجموعة الاستوائية التمرد الذي وصل إلي حد الحرب الأهلية وازدادت شدة الحرب بعد إلغاء اتفاقية أديس أبابا 2791 وإعلان الحركة الشعبية بزعامة جون جارانج التمرد والعصيان والمطالبة بالانفصال. ودعمت القوة الأجنبية هذا المطلب وترتب علي ذلك عقد اتفاق ماشاكوس في 2002 ثم اتفاق نيفاشا في عام 5002 والذي أعطي السودانيين الجنوبيين حق تقرير المصير إما الانفصال أو استمرار الوحدة وبالفعل تغلب الانفصال علي الوحدة نذيرا بمولد دولة السودان الجنوبي وعاصمتها جوبا في التاسع من يناير 1102 أي في غضون أيام. ولما كان انفصال الجنوب عن الشمال هو ايذان بإضافة دولة جديدة لها مصالحها في مياه نهر النيل وكما ذكرنا فإن ثمة تنبيهات بأن الوضع الجديد سوف ينعكس علي مسألة المياه. وقبل ان نتطرق إلي الاجابة علي سؤال المياه نقول ان مصر ومن واقع ادراكها لأهمية السودان شماله وجنوبه فقد بذلت جهودا فائقة في محاولة الحفاظ علي السودان موحدا وتعزيز مبدأ التكامل بين شعبي وادي النيل والتدخل الايجابي في حل الكثير من القضايا التي تقف عقبة في طريق أمن ووحدة واستقرار السودان خاصة في الأزمات التي كانت تنشأ بين ممثلي الشمال والجنوب وبالتوازي كانت مصر حريصة علي تدارك أثر الانفصال علي علاقتها بشمال السودان أو بجنوبه فاحتفظت مصر بتوازن العلاقات وعدم السير في اتجاه معاداة طرف أو مجاملة طرف علي آخر هادفة إلي استقرار مصالحها في المقام الأول سواء اذا ما انتهي الأمر إلي بقاء السودان موحدا أو انفصل الجنوب عن الشمال.. وكان طرح خيار الانفصال مؤديا إلي طرح العديد من الأسئلة وعلامات الاستفهام أهمها: ماذا لو استقل جنوب السودان وتأثير ذلك علي دول القرن الافريقي؟ وما تأثير انفصال جنوب السودان علي اطار التعاون أو الاختلاف بين دول حوض نهر النيل وما موقف الدولة الجديدة الأكثر توافقا مع مواقف دول المنابع؟ وهل ستكون المعاهدات المبرمة بين مصر والسودان بخصوص مياه نهر النيل محل موافقة أو اعتراض؟ وماذا عن مشروع قناة جونجلي الذي تتحكم فيها دولة الجنوب والتي من شأن تنفيذها امداد السودان الشمالي ومصر بنحو 9 مليارات م3 مياه سنويا بعد تنفيذ مرحلتي المشروع؟ كيف ستجد الدولة الجديدة مخرجا بحريا أو بريا لها وهي دولة حبيسة بين الدول المجاورة؟ باختصار فإن جميع الأسئلة تدور حول خريطة التوازنات الاقليمية الجديدة في دول حوض النيل وهل هناك مخاوف علي مصالح مصر من انفصال الجنوب عن الشمال في السودان؟ وللتذكير فالمياه هي القضية الأساسية المطروحة حاليا علي الساحة في منطقة حوض نهر النيل حيث تزامن مع انفصال الجنوب عن الشمال السوداني، كما انه من المعروف أن هناك نزاعا قائما بين دول المنابع (أثيوبيا كينيا أوغندا تنزانيا الكونغو الديمقراطية بوروندي رواندا) من جانب وبين دول المصب والعبور مصر والسودان من جانب آخر وان هناك رفضا من دول المنابع لما تم توقيعه من اتفاقات سابقة بخصوص مياه نهر النيل والمطالبة بإعادة تقسيم المياه بين دول الحوض علي أسس جديدة وللسودان أهمية خاصة في مسألة المياه حيث انها المعبر الرئيسي لمياه نهر النيل اذ يمر بها ما يقارب 57٪ من طول النهر وكل مياهه وهي بذلك جزء من أمن مياه النيل الذي هو أمن مصر .