مع التطور التكنولوجي الكبير الذي شهده العالم في السنوات الأخيرة تغير معه مفهوم الجريمة.. والحقائق تؤكد أن مصر تخوض حربا إلكترونية شرسة ضد أفراد وجماعات وعصابات لم تتسع الأرض كمسرح للجريمة فصعدت إلي الفضاء الإلكتروني الذي أفرز جرائم تحمل صفة الجرائم المعلوماتية في عالم مفتوح يسكنه بلطجية من نوع آخر. كما تحولت مواقع التواصل الاجتماعي إلي منصة لجرائم الإرهاب والنصب الإلكتروني والقرصنة واختراق الشبكات وسرقة أرقام البطاقات الائتمانية والتجسس وبث مواقع إباحية وازدراء الأديان وإطلاق الشائعات والتحريض علي القتل والحرق والتدمير، وكلها جرائم تكشف الاختلاف الكبير بين الجرائم العادية والجرائم الإلكترونية في طبيعتها وأسلوبها، فمسرح الجريمة الإلكترونية هو العالم كله، ولا يشترط وجود الجاني والمجني عليه في مكان واحد ومن هنا تكمن خطورة هذه النوعية من الجرائم التي تجد معها الجهات الأمنية صعوبات بالغة في ضبط المتهمين. بدأت مصر تعرف الجريمة الإلكترونية مع مطلع التسعينيات وبالفعل تطورت هذه الجرائم ونوعيتها بشكل كبير خاصة بعد قيام ثورة 25 يناير والتداعيات التي ترتبت عليها بعد ذلك من فوضي انهار معها حاجز الخوف من أي شيء وزادت نسبة التجرؤ علي الآخر عبر الإنترنت مما ساعد كثيرا في تفشي العنف والتطرف والسرقة والتشهير والسب والقذف علي صفحات التواصل الاجتماعي وغيرها من القضايا التي ينبغي أن يعاقب عليها القانون. وتنبهت وزارة الداخلية منذ وقت إلي هذه الأنواع المستحدثة من الجريمة، فأنشأت إدارة خاصة لمكافحة تلك الجرائم وهي إدارة المعلومات والتوثيق التي كانت مهمتها في البداية روتينية، تهدف إلي تحديث نظم الإدارات في وزارة الداخلية وإقامة الشبكات وتوفير أجهزة الكومبيوتر للوصول إلي الحكومة الالكترونية، لكن مع إنشاء إدارة مكافحة جرائم الكومبيوتر وشبكات المعلومات، أصبح الأمر يتعلق بتتبع المجرمين ومكافحة الجرائم الإلكترونية التي عجزت الدراسات والاحصائيات طوال السنوات الماضية عن تحديد حجمها ومدي تأثيرها في المجتمع المصري، ومؤخرا صدرت أول دراسة من نوعها في مصر عن الجرائم الإلكترونية التي أثبتت الاحصائيات والأرقام انها انتشرت بصورة كبيرة جدا وتحديدا بعد ظهور مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة التي أصبحت أرضا خصبة لنشر الأفكار المتطرفة والنصب والاحتيال والترويج للأعمال المنافية للآداب وغيرها من الجرائم التي يعاقب عليها القانون وما زاد الطين بلة أنه طوال السنوات الماضية لم تنجح الدولة في إصدار قانون أو تشريع يجرم هذه الأعمال وكان ذلك سببا رئيسيا في انتشار الجرائم علي شبكة الانترنت. مراكز متقدمة الدراسة كشفت أن مصر تحتل المركز الثاني علي مستوي الدول العربية ولكن عالميا لم يتم تحديد موقع مصر بالنسبة للجرائم الالكترونية إلا أنها بالتأكيد تحتل المراكز المتقدمة وذلك بسبب انتشار الصفحات التي تحرض علي الإرهاب والعنف علي مواقع التواصل الاجتماعي والتي أكدت الدراسة ان عددها بلغ حوالي 15 ألف صفحة تابعة للجماعات الإرهابية وعلي رأسها جماعة الإخوان الإرهابية وغيرها من الحركات التي تتبني منهج العنف في التعامل مع أجهزة الدولة المختلفة. وبالفعل نجحت مباحث جرائم الإنترنت بوزارة الداخلية في إغلاق 3343 صفحة إخوانية وإرهابية علي »الفيس بوك» تحرض علي العنف والشغب خلال السنوات الثلاث الماضية، كما تم ضبط 254 متهما وراء التحريض علي العنف وإثارة القلق خلال الآونة الأخيرة. وتقوم الإدارة العامة للمعلومات والتوثيق بوزارة الداخلية بمجهود كبير في تتبع باقي الصفحات ورصد أي صفحات جديدة تحرض علي العنف تظهر علي مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة. وأشارت الدراسة إلي ما هو أخطر من هذه الصفحات التحريضية وهو الصفحات الأخري التي تشرح أساليب تصنيع المفرقعات وتساعد علي الإرهاب وتدعو للقيام بأعمال تخريبية. وبلغ عدد هذه الصفحات حوالي 300 صفحة علي مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة. كما أظهرت الدراسة نوعا جديدا من الصفحات التي تروج للهجرة غير الشرعية علي موقع التواصل الاجتماعي الفيس بوك وبلغ ما تم رصده من هذه الصفحات حوالي 1500 صفحة تم إغلاق عدد كبير منها وجار تتبع النسبة المتبقية والقبض علي أصحابها. وكشفت الدراسة ان هناك ما يقرب من 500 صفحة علي موقع التواصل الاجتماعي الفيس بوك انتحلت صفة شخصيات سياسية بالدولة ووزراء في الحكومة وتمكنت بالفعل مباحث الإنترنت من ضبط العديد منها والقبض علي أدمن هذه الصفحات المشبوهة. كما رصدت وجود 50 مليون حساب مخترق للمواطنين في مصر عبر مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة جرائم اقتصادية وفيما يتعلق بالجرائم الاقتصادية أشارت الدراسة إلي ارتفاع معدل جرائم السرقة الإلكترونية سواء بالخداع والاحتيال أو عن طريق الاختراق بالبرامج الحديثة وبلغ معدل تلك الجرائم 23% من إجمالي الجرائم الإلكترونية التي ترتكب في مصر وتمثلت في سرقة بيانات البطاقات الائتمانية والحصول بها علي منتجات بالملايين من البنوك الكبري سواء أجنبية أو مصرية وتم القبض علي غالبية المتهمين في هذه القضايا. كما كشفت الدراسة أن نسبة قرصنة شركات القطاع الخاص المتوسطة والصغيرة علي البرامج تصل إلي 67% وإجمالي الخسائر الصناعية من جراء القرصنة في مجال البرمجيات بلغ حوالي 381 مليون دولار. وأوضحت الدراسة أن سرقة البنوك تتم وفق تقنيات إلكترونية خاصة، حيث ابتكر كثير من المبرمجين الإليكترونيين علي مستوي العالم أساليب متطورة للحصول علي كلمات السر الخاصة بكروت عملاء البنوك الذكية والتعامل عليها من خلال شبكات البنوك نفسها وكذلك استطاعوا تصميم صفحات متطابقة لصفحات بعض البنوك وتعاملوا من خلالها مع عملاء البنوك واستطاعوا الحصول علي كلمات سر هؤلاء العملاء منهم أنفسهم، حيث يدخل العميل علي الصفحة الوهمية بدون تدقيق ليجري أي تعامل مالي معتاد سواء كان شراء أو تسديد فواتير ومن الطبيعي أنه يقوم بإدخال كلمة السر الخاصة به لتكتمل العملية المالية دون أن يدري أن النصاب أدمن الصفحة الوهمية حصل علي كلمة السر منه وفي سرعة البرق يقوم بإجراء معاملات سحب كبيرة لرصيد هذا الرقم بالكامل. ولكن غالبا ما يتم التوصل لمرتكبي هذه الجرائم من خلال فحص الموقع الذي تعامل به النصاب وتتبع مساراته الإلكترونية حتي يتم القبض عليه. ترتيب الجرائم وحول ترتيب الجرائم الإلكترونية في مصر أوضحت الدراسة أن جرائم الإرهاب والتحريض علي أعمال العنف تأتي في المقدمة بنسبة 40% تليها جرائم النصب وسرقة الكروت الائتمانية والابتزاز والتحايل والتدليس علي المواطنين بصور مختلفة بنسبة 23% ثم جرائم السب والقذف والتشهير بنسبة 17% وتأتي بعدها جرائم الدعارة وترويج المخدرات والأسلحة عبر شبكات التواصل الاجتماعي بنسبة 11%. وكذلك جرائم الملكية الفكرية بنشر مؤلفات وأعمال مبدعين دون علمهم ويترتب علي ذلك ضياع حقوقهم المالية والأدبية أيضا بنسبة 9%. وحول الفئة العمرية لمرتكبي هذه الجرائم أكدت الدراسة أنها تتراوح ما بين سن الخامسة عشرة وسن الثلاثين أي أن ما بين الطفولة والشباب وهم الأكثر استخداما لصفحات التواصل الاجتماعي، وهذا لا يعني أنه ليس هناك أعمار أعلي تسجل معاملات إلكترونية جنائية. كما حددت الدراسة المحافظات الأعلي في معدلات ارتكاب الجرائم الإلكترونية وجاءت محافظة القاهرة في المقدمة بنسبة بلغت حوالي 30% من إجمالي هذه النوعية من الجرائم تليها محافظة الجيزة بنسبة 18% ثم محافظة الاسكندرية بنسبة 12% والنسبة المتبقية موزعة علي باقي محافظات الجمهورية وتحديدا المحافظات التي يتم تحريض شبابها علي الهجرة غير الشرعية. وأرجعت الدراسة أسباب ارتفاع معدلات الجرائم الإلكترونية إلي العديد من الاسباب تمثلت في الفوضي الاجتماعية وغياب التشريعات المنظمة والحاكمة واستغلال بعض الجماعات الدينية لخطاب سياسي يدعو إلي العنف والكراهية وتفتيت المجتمع بالاضافة إلي الفقر والبطالة وسهولة تكوين تشكيلات عصابية علي شبكة الانترنت واستغلال الفهم الخاطئ لمفهوم الحرية. وخلال السنوات القليلة الماضية كان هناك أكثر من مشروع قانون لمكافحة الجرائم الإلكترونية في مصر ولكن جميعها ظلت حبيسة الادراج إلي أن ازدادت معدلات الجريمة الإلكترونية وهو ما دفع عدد من النواب لتقديم مشروع مكافحة الجرائم الإلكترونية واعتبروه أحد أهم المشروعات التي يوليها البرلمان اهتماما كبيرا.. كما أرسلت الحكومة بالفعل مشروع قانون لمكافحة الجرائم الإلكترونية، وبدأت بالفعل اللجان المختصة في مناقشته، خاصة بعد انتشار صفحات تحرض علي العنف والإرهاب. وحول هذا المشروع يؤكد أحمد بدوي وكيل لجنة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بمجلس النواب، أن الحكومة أرسلت للبرلمان مشروع قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية، وبالفعل هذا القانون يعد واحدا من القوانين المهمة التي تعكف لجنة الاتصالات ومجلس النواب الانتهاء منها خلال الفترة المقبلة. وأضاف أن اللجنة ستحاول أن تجد آلية تمكن الحكومة من اغلاق الصفحات التي تحرض علي الإرهاب والعنف، مؤكدا أن هناك تجارب لعدد من الدول العربية في هذا الصدد مثل الإمارات والسعودية. مشيرا إلي أن كل مشروعات القوانين التي تقدم بها النواب فيما يخص مكافحة الجرائم الإلكترونية كانت جيدة ولكنها تحتاج إلي بعض الإضافات فالكل تحدث عن حماية أجهزة الدولة ومؤسساتها ولكن أغفل حماية المواطنين وخصوصيتهم.