أيهما اقسي : الموت أم الحياة ؟ مات الصديق والزميل الفنان ، مات توأم روح صفحة كلام في الكتب ، مات من جعل للصفحة شكل ونكهة مميزة ، ولا اعرف ماذا يفعل الناس عندما يفقدون عزيزا عليهم ، الحزن يغلف المكان ومازلت تحت تأثير الصدمة ! هل مات الفنان سيد عبد الفتاح حقا ؟! أم أن هذا الخبر الذي نقله مدير مستشفي وادي النيل لزميلتي فاطمة بركة غير صحيح ؟! وإذا كان الخبر صحيحا ، ماذا نفعل عندما يفاجئنا الموت في إنسان عزيز علينا ؟ أحاول أن ابكي فأرتعش، أريد أن اشهق فتختنق أنفاسي ، أتمني أن أقول كلمة فإذا الحروف خرساء ، كان سيد عبد الفتاح فنانا بكل ما تحمل الكلمة من معني، كان مثالا للنبل والنقاء وعزة النفس والكبرياء والتضحية من اجل إسعاد كل من حوله ، لم يتأخر يوما عن أي مهمة طلبت منه مهما كان الوقت ضيقا أو لديه متاعب صحية ، كان يتحامل علي نفسه دائما ، وعندما كنت اغضب وأثور قلقا علي عدم اكتمال الرسومات في الوقت المحدد فكان يطمئني بصوته الهادئ قائلا :لا تقلقي ستكون لديك الرسومات المطلوبة في الموعد المحدد وبالفعل كان يفي بوعده ، ولم يخلف لي موعدا أبدا ، كان ملتزما ودقيقا في فنه إلي أقصي مدي ، كان يقاوم الإرهاق حتي لا يرفض أي عمل يطلب منه ، كان يحمل الهم ولا يظهره حتي إلي اقرب الناس إلي قلبه ، كانت أحلامه كبيرة وأماله واسعة في الحياة، كان مشغولا بمستقبل بناته وابنه وزوجته ، كان يسعي دائما لإسعاد أسرته الصغيرة ، وكانت أحلامه من اجلهم ، أما أحلامه هو كانت في منتهي التواضع كان يفرح مثل الأطفال عندما ينجز لوحه فنية وكان يتعذب بعد كل رسم للكاريكاتير الذي كان يقدمه لجريدتنا الغالية أخبار اليوم لأنه كان يريد أن يجود ، كان نادرا ما يعجب بما يرسمه رغم انبهار كل أدباء ومثقفي مصر الذين رسم لهم بورتريهات نادرة في صفحة الكتب ، لدرجة ان الكثيرين طلبوا شراء هذه البورتريهات و عندما كنت ابلغه بذلك كان يرد ضاحكا : بس كده د ه أنا أضعها في برواز وأقدمها لهم هدية ، يزعجني جدا كتابة كلمة كان قبل كل صفة وحكاية كتبتها في سيد عبد الفتاح لان ذلك يعني انه أصبح في زمن كان ! لقد مات سيد عبد الفتاح كما مات من سبقونا، وكما سنموت جميعا.. مات لأنه كان حيا ! وإذا كان الموت رحمة فان الحياة هي القسوة ..ولا عزاء .