وسط حالة التظاهر والفوضي التي اجتاحت البلاد خلال الاسبوع الماضي.. استجد علي المشهد السياسي ظاهرة مهاجمة دواوين المحافظات ومقار الحكم فيها.. ومحاولات لاقتحام مكاتبها وإتلاف وحرق وثائقها.. وسرقة محتوياتها! بدأ المخطط في المحافظات البعيدة.. واقترب من محافظات الدلتا والقناة.. ثم وصل أخيرا لمحافظة القاهرة! هل تتم بخطة منظمة لهدم الجهاز الإداري.. وتسديد الضربة القاضية لإسقاط الدولة؟ من يحرض عليها.. ومن ينفذها؟! في رأي د. أسامة الغزالي حرب أستاذ العلوم السياسية ورئيس حزب الجبهة الديموقراطية أن مايحدث هو مظهر للتعبير عن الرفض الشعبي لانفراد فصيل واحد معين بحكم البلاد دون أن يتصرف أعضاؤه كرجال حكم يرعون مصالح البلاد، وإنما يمارسون إدارة البلاد بتسلط ومحاولة سيطرة علي جميع الوزارات وتمكن من أجهزة وإدارات الدولة رغم أن الشعب ثار علي الاستبداد، وضحي بدماء شبابه الغالية لإقامة نظام ديموقراطي سليم. من هنا فإن الشعب الغاضب يرسل رسالة واضحة لنظام الحكم القائم من خلال هجومه علي مقرات الحكم وما يعتبره وسيلته للتسلط، وهذه الرسالة تحمل الرفض الصريح لعودة الحزب الوطني الساقط بثوب جديد والهيمنة علي الدولة المملوكة للمواطنين جميعا. ويقول ان المشكلة تكمن في تسلل عدد من اللصوص والبلطجية إلي هذه التحركات الجماهيرية وماترمز إليه سعيا لإحداث الفوضي التي نشهدها بغية إسقاط الدولة لتزيد فرصتهم للسرقة والنهب وهو ما حدث بالفعل مؤخرا. ويوضح أن ظواهر أي ثورة تحمل كثيرا من التعقيدات التي يستحيل التحكم فيها إلا بعد فترة تستقرالأمور بعدها، وعلي الجماهير أن تنتبه لعدم استغلال البلطجية لثورتهم وعدم السماح لهم بتحقيق أهدافهم الاجرامية. تخريب مفاصل الدولة لكن المستشار عادل عبدالباقي وزيرشئون مجلس الوزراء والتنمية الإدارية الأسبق ورئيس جمعية أنصار حقوق الإنسان يري أن أي شخص له إدراك سياسي وحس وطني لا يمكنه استبعاد أن هناك أيادي أجنبية تحرض جماعات بسيطة لتجنيد ما يمكنها من البلطجية وأصحاب السوابق الإجرامية وتجييشهم لتحطيم سيطرة الدولة علي مختلف إداراتها ومنعها من ممارسة مسئولياتها بهدف إضعاف مصر وعدم تمكنها من القيام بدورها القومي، ومنع استردادها لقوتها وإصلاح اقتصادها مخافة أن تعود كقوة سياسية صاحبة أكبر تأثير في المنطقة بما يهدد ذلك أعداءها التقليديين والحاقدين أيضا عليها ، والوسيلة لذلك تخريب مفاصل الدولة المتمثلة في مجلس الوزراء ومجلسي الشعب والشوري وأجهزة الإدارة المحلية كما شاهدنا في فترة ما بعد الثورة وحتي الآن. وإذا قبلنا استبعاد ذلك بحجة عدم وجود دليل قاطع فالبديل هو انتهاز البلطجية وللصوص فرصة الانفلات الأمني للتعدي علي جهات الإدارة والهجوم علي الفنادق والمحلات لنهبها. والحل يكون في سرعة إصدار قانون يمنع التجمعات والتظاهرات المسلحة والتصدي لمخالفة نصوصه بالقوة اللازمة لأن من يفعل ذلك ليس من الثوار، وفي كل بلاد العالم هناك شرطة لمكافحة الشغب تمتلك القوة الرادعة، وما تتبعه الآن الحكومة غير ذلك هو خطأ فادح. ويضيف أن تشكيل حكومة إئتلافية تمثل فيها كل القوي السياسية هو وجه آخر للحل كمطلب عاجل لابد من الوصول إليه بسعي جاد من الحزب الحاكم لإقناع باقي القوي السياسية بالانضمام إليه في هذه الحكومة، علي أن يكون أول إنجاز لها إعادة الأمن المفقود والاستقرار الغائب بالتوازي مع السعي لجذب الاستثمارات وتشجيع الانتاج والسياحة. هدف إهانة الرئاسة أما د. أنس جعفر نائب رئيس جامعة القاهرة ومحافظ بني سويف الأسبق فيؤكد أن أخطر ما تواجهه مصر فيما بعد الثورة هو الاعتداء المنظم علي دواوين المصالح ومقرات المحافظات لأنها جميعا تحتفظ بمختلف وثائق الدولة، بما يجعلها الأطراف المحركة للدولة وأوصالها التي لاتكتمل إلا بها ويقيني أن الذي يحرض وينظم لهذه الاعتداءات يستهدف ضرب عصب الدولة في مقتل لإسقاطها وإهانة رئاستها، والعين الخبيرة تدرك أن هذا العمل المنظم والمتتابع في أماكن مختلفة وفي فترات لها دلالتها لايمكن أن يقوم به شباب صغار غير ذوي خبرة في هذا المجال وإنما هو مؤامرة تستهدف مصر لا يمكن الجزم هل هي مؤامرة داخلية أو خارجية فذلك يحتاج لتحليل علمي يقوم به متخصصون والرؤية الآن غامضة. لكل ذلك فلابد لأجهزة الدولة من التحرك السريع المتناسق لمواجهة هذه المؤامرة ، ونخص من هذه الأجهزة المخابرات العامة والأمن الوطني والنيابة العامة التي عليها جميعا أن تكشف كيف تدبر هذه المؤامرات وكيف تدار. والسؤال المهم الذي يقود إلي كشف المستورهو من الذي يستفيد من كل ما يجري؟ مخطط الفوضي الخلاقة يرد علي السؤال السابق اللواء د. مصطفي كامل أستاذ العلوم الاستراتيجية والسياسية بجامعة بورسعيد ومحافظها الأسبق ويقدم إجابته ، فمن وجهة نظره كخبير متخصص أن المستفيد هو الولاياتالمتحدة وربيبتها إسرائيل ، ويدلل علي ذلك بماأعلنه برجينسكي مستشار الأمن القومي الأمريكي في عهد الرئيس جيمي كارتر حيث قال بعد توقيع معاهدة السلام في كامب ديفيد "الآن وطالما سيتم تحقيق الاستقرار بموجب هذه المعاهدة فلابد أن تشهد دول الشرق الأوسط فوضي لا يدرك أهلها ولا قادتها تأثيراتها "وكانت هذه هي نظرية الفوضي الخلاقة، وهو بالضبط مايحدث الآن من وقوع الفوضي وانتشار عدم الاستقرار والانفلات الأمني لأن غير ذلك سيؤدي إلي تنامي قوة مصر في المنطقة وزيادة قدراتها السياسية والعسكرية والاقتصادية بما يهدد المصالح الأمريكية في المنطقة ووجود دولة إسرائيل، لذلك فالهدف المطلوب هو زعزعة الاستقرار في مصر وضرب وحدة الشعب والسعي إلي تقسيم الدولة. ويضيف أن هناك ربما مستفيد آخر غير هذين المستفيدين يتمثل في فصيل يسعي لإحداث الفوضي لتحقيق تمكنه الكامل من كل مفاصل الدولة ليستطيع مكافأة أصدقائه بمنحهم شبه جزيرة سيناء. القضاء علي المحليات ومن هنا نستنتج أن هذه الجماعات الفوضوية تعمل لحساب إحدي هذه القوي - أو للثلاثة مجتمعين - لتحقيق أهدافها عن طريق القضاء علي المحليات التي تتعامل مع المواطن منذ مولده وخلال معيشته وحتي مماته وتدمير الوثائق الموجودة بها يعني اختلال بناء الدولة وهيكلها المفصلي ومن ثم انهيارها. وأري أن مواجهة هذا التخطيط التآمري يكون بتغليب المصلحة القومية علي أي مصالح أخري، والدعوة الصادقة لحوار وطني حقيقي بناء تشارك فيه جميع الأطراف، وتشكيل لجنة حكماء مدنية أو من القوات المسلحة للتوسط بين الأطراف المختلفة للتوافق علي مايحقق المصلحة الوطنية العليا. والأهم من ذلك كله أن يكون مرجعنا جميعا في العمل الوطني الهوية المصرية، وأن تكون انتماءاتنا للوطن فقط وليست لأحزاب أوجماعات أومنظمات عالمية.