ارتفعت اصوات بلهاء داخل مصر وخارجها تعدد فوائد التصالح مع المخلوع حسني مبارك وافراد اسرته ورموز نظامه الفاسد .. ماذا ستجني مصر من سجنهم او حتي اعدامهم قصاصاً لدماء الشهداء وعقاباً علي نهب البلاد وقهر العباد طوال ثلاثين عاما من الظلم والاستبداد ..؟! عروض من دول خليجية للقطب الاخواني الاقتصادي حسن مالك بتسوية قضايا مبارك ووزير داخليته العادلي، بما في ذلك المسئولية عن قتل المتظاهرين والتي حكم عليهما فيها بالسجن 25 عاماً، مقابل منح ومساعدات وقروض تساعد مصر علي الخروج من ازمتها الاقتصادية.. تصريحات نسبت لخيرت الشاطر نائب مرشد الاخوان ورجل الجماعة القوي بأنه ابلغ مسئولين خليجيين بنفسه انه لا يري مانعاً يحول دون اتمام هذه الصفقة وان "جلب المصلحة" مقدم علي اي اعتبار آخر! تقدم مدعو الحكمة الصفوف يروجون لمقولات كريهة لتبرير جريمة التصالح مع من ذبحوا مصر ونهبوها وقتلوا اشرف ابنائها الثوار. "الحي ابقي من الميت" .. لنكن عمليين ولنقبل الدية .. ملايين وربما مليارات الدولارات لتحقيق اهداف ثورة يناير! أمام هذا المنطق الداعر اجتاحت ذاكرتي ابيات شعرية من رائعة الراحل امل دنقل "لا تصالح" التي كنا نتخاطفها في نهاية السبعينيات والتي كتبها دنقل احتجاجاً علي مصالحة السادات مع اسرائيل. اكتشفت ان نفس الأبيات تعبر بمنتهي الصدق عن مشروع المصالحة مع رموز العهد الدكتاتوري السابق رغم كل جرائمهم في حق مصر والمصريين والتي ربما تتجاوز جرائم اسرائيل. كلمات دنقل تصفع كل الانتهازيين .. "لاتصالح ولو منحوك الذهب .. اتري حين افقأ عينيك .. ثم اثبت جوهرتين مكانهما .. هل تري؟ هي اشياء لا تشتري؟" يكاد دنقل أن يعبر عن طفلة أحد الشهداء وهو يقول " حرمتها يدُ الغدر من كلمات أبيها، ارتداءِ الثياب الجديدةِ .. من أن يكون لها -ذات يوم- أخٌ! من أبٍ يتبسَّم في عرسها.. وتعود إليه إذا الزوجُ أغضبها.. وإذا زارها.. يتسابق أحفادُه نحو أحضانه، لينالوا الهدايا.. ويلهوا بلحيته ويشدُّوا العمامة.." رحم الله الشيخ عماد عفت . وتمضي كلمات شاعرنا الراحل العظيم كطلقات الرصاص وكأنها تستهدف وقاحة من يروجون للتصالح بسؤال بمرارة الموت " كيف تنظر في يد من صافحوك..فلا تبصر الدم.. في كل كف؟ إن سهمًا أتاني من الخلف..سوف يجيئك من ألف خلف فالدم الآن صار وسامًا وشارة .لا تُصالح، ولو توَّجوك بتاج الإمارة". حتي الضغوط والوساطات العربية لإنقاذ المجرمين من القصاص العادل تحاصرها صرخات امل دنقل وهو يقول »لا« تصالح .. ولو وقفت ضد سيفك كل الشيوخ .. والرجال التي ملأتها الشروخ .. هؤلاء الذين تدلت عمائمهم فوق أعينهم .. وسيوفهم العربية قد نسيت سنوات الشموخ .. لا تصالح ولو ناشدتك القبيلة .. باسم حزن "الجليلة" .. سيقولون .. ها أنت تطلب ثأرًا يطول .. فخذ الآن ما تستطيع .. قليلاً من الحق..في هذه السنوات القليلة." القصيدة تحذر كل النخاسين وتجار الدم الذين يرفضون القصاص ويبيعون ما لا يملكون: »إنه ليس ثأرك وحدك.. لكنه ثأر جيلٍ فجيل .. وغدًا.. سوف يولد من يلبس الدرع كاملةً ، يوقد النار شاملةً .. يطلب الثأر .. يستولد الحق .. من أَضْلُع المستحيل." انها رسالة لم تفقد بمرور السنين قيمتها ومغزاها وأثبتت الايام جدواها بعث بها مصري من الجنوب منذ عشرات السنين ليحذر من صفقة الشيطان التي يعيش بها وعليها بعض التجار الخائبين الذين يظنون انفسهم بارعين "لا تُصالح .. ولو قيل إن التصالح حيلة .. إنه الثأر .. وستبقي يد العار مرسومة فوق الجباهِ الذليلة!« رحم الله الغائب الحاضر امل دنقل ولا عزاء للنخاسين وتجار الرذيلة.