لا أعرف هل هي الصدفة التي جمعت بين الأمرين، أم أن هناك تخطيطًا آخر؟ ما أقصده تلك المفارقة التي جمعت في وقت واحد بين تحرير الفلوجة في العراق من الدواعش وعرض إحدي محطات التليفزيون المصرية برنامجًا عن داعش. صحيح أنهم قالوا في تبرير ما أقدموا عليه أنه برنامج مقالب وفكاهة. وأن الهدف منه إضحاك الناس. وإخراجها من حالة الاكتئاب العام التي تمر بها. لكني رأيت الأمر علي غير هذا الشكل. أبدأ من هناك، من العراق الشقيق. ومن انتصاره علي الدواعش الذين احتلوا الفلوجة والقري المحيطة بها. وبدأوا في تغيير نمط الحياة وتحويل المدينةالعراقية الجميلة إلي شئ آخر لا نعرفه ولا نريد أن نعرفه. أهمية تحرير الفلوجة يمكن أن تكون مقدمة لتحرير الموصل من الدواعش. وهذا التحرير لن يعيدنا إلي المربع رقم واحد لكي نسأل كيف تم احتلال المدينتين من قبل الدواعش؟ ومن الذي أهمل ليسلم مدينتين عريقتين من مدن العراق للدواعش لاحتلالها؟ خصوصاً عندما نعرف حجم الآثار الإنسانية التي لا حد لجمالها التي دمرها الدواعش وكسروها. وألقوا بناتج كسرها في الأماكن التي كانوا يلقون فيها فضلات كل يوم. سمعنا أكثر من مرة أن هناك تحقيقًا سيجري حول التقاعس في الدفاع عن الموصل عاصمة الشمال العراقي وأن تحقيقاً آخر سيتم حول تسليم الفلوجة والقري المحيطة بها. لكن لا التحقيق الأول تم ولا التحقيق الثاني وجد من يهتم به. المهم أنه انتصرت إرادة الواقع العراقي الراهن في تحرير الفلوجة. قد يرد عليَّ قائل أن التحرير العسكري تم. لكن يبقي التحرير السياسي والمجتمعي. الذي يحتاج إلي حالة من التوافق يفتقدها المجتمع العراقي الآن. وأنا أرد عليه بالقول إن السؤال ليس من الذي هزم؟ نعرفه كما نعرف أنفسنا. إنهم الدواعش. ولكن السؤال الجوهري هو من الذي انتصر في هذه المعركة؟ هل هي سلطات بغداد؟ هل هي قوات الحشد الشعبي؟ أم ماذا بالضبط؟. ربما كانت بداية انكسار داعش من الفلوجة بعد أن وصلت إلي ما لم تصل إليه حركة إرهابية ولا حتي القاعدة. فنحن أمام دواعش في العراق وفي سوريا وفي تركيا وفي أوروبا وفي الولاياتالمتحدةالأمريكية. وها هم يصلون إلي حدودنا الغربية في ليبيا ويحرزون بعض التقدم. مما يشكل خطراً يطرق أبوابنا من الناحية الغربية. ليس هذا أوان السؤال عمن ساعد داعش؟ ومن نشأت في أحضانه؟ ومن قدم لها الدعم الكامل في بداياتها لتصبح ما أصبحت عليه الآن؟ لكن السؤال الأهم: متي ننظف وطننا العربي وأمتنا الإسلامية من أثر الدواعش؟ ومتي ننتصر عليهم؟ ليس الانتصار العسكري، ولكن الانتصار السياسي والفكري والثقافي والمجتمعي. تحرير الفلوجة لم يلق الاهتمام الذي يستحقه في وطننا العربي وأمتنا الإسلامية. مررنا عليه مرور الكرام. لم نتوقف أمامه ونعطيه ما نستحقه من الاهتمام. نظرنا إليه علي أنه من الأمور العادية التي تحدث كل يوم. مع أنه حدث بالغ الخطورة له ما قبله وأتمني أن يكون له ما بعده. لكنه الوطن العربي. لكنها الأمة الإسلامية. والجميع يمر بحالة من انعدام الوزن وعدم الإدراك كأن هناك من خبطنا علي رؤوسنا وشل قدرتنا علي التفكير. فلم تعد لدينا قدرة علي التعامل مع اللحظة الراهنة بالطريقة التي تستوجبها منا وتفرضها علينا وتتطلبها من جهدنا. الدواعش يتراجعون في العراق. ويتراجعون في سوريا. وأتمني أن يتراجعوا في ليبيا بنفس القدر. لأن الخطر يتهدد رمانة ميزان الوطن العربي والأمة الإسلامية. مصر التي لا مصر إلا مصر. وقبل أن نطوي صفحتنا - إن كان مقدراً لنا أن نفعل هذا ونحن أحياء - علينا أن نستوعب ما تم وأن نحاول فهم ما جري علي الأقل من أجل ألا يتكرر ما حدث من ويلات مرت. أتمني أن تكون مرت. في هذا الوقت الذي أهملنا فيه تحرير الفلوجة. ولم نرحب ببداية الاستعداد لتحرير الموصل. ولم نذكر ذلك ولا حتي بكلمة واحدة. بل إن جامعة الدول العربية لم تصدر بياناً واحداً ترحب فيه بتحرير الفلوجة وتنادي بتحرير الموصل. وقبل كل هذا وبعده تعتبر أن تحرير العقل العربي والعقل المسلم من الدواعش هو الجزء الباقي من معركة المصير التي نخوضها. في هذا الوقت تفاجئنا إحدي القنوات الخاصة ببرنامجها عن الدواعش. ربما كان الهدف هو السخرية منه. لكن الخطير أن المواطن العادي دخلت إلي عقر داره كلمة داعش، ورآها. ولا يجب أن ننسي أننا عند السخرية من أمر من الأمور. ربما أدت السخرية إلي التعاطف مع هذا الأمر.