الانتصار السريع والحاسم للقوات العراقية في معركة الفلوجة سيكون له تداعيات تتجاوز حدود العراق, وتلقي بظلالها علي مصير منطقة مازالت تعج بالصراعات الإقليمية والدولية, وانتصار الفلوجة يعد واحدا من أهم مفارق الطرق, وإما أن يقود إلي طريق التسوية والسلام الذي يبدو بعيد المنال حتي الآن, وإما أن يقود إلي صراع أشد ضراوة, خشية انقلاب في موازين القوي, نتيجة عودة العراق كلاعب مؤثر علي باقي المعارك المقبلة, التي ستحسم مصير المنطقة. معركة الفلوجة أكبر انتصار يحققه الجيش العراقي, ويكسر فيه أسطورة دولة الإسلام في العراق والشام داعش, ويحرق أهم أوراق المخطط الأمريكي في المنطقة, الذي كان داعش رأس رمحه, المنوط به التحطيم والتهشيم, قبل مرحلة التقسيم والابتلاع. راهنت أمريكا علي فشل القوات العراقية, ولهذا قررت عدم المشاركة فيها بسلاح الجو, فكان الطيران العراقي جاهزا بفاعلية, وكان الانتصار المنفرد مدويا, رغم الاعتراض الأمريكي علي دخول الجيش العراقي معركة تحرير الفلوجة, ومطالبتها بأن تبدأ معركة الموصل أولا, وهو ما أثار ريبة القيادات العسكرية والسياسية العراقية في حقيقة النوايا الأمريكية, فترك الفلوجة تحت سيطرة الدواعش, والانطلاق إلي الموصل سيكون من شأنه محاصرة الجيش العراقي بين أكبر معقلين للدواعش في العراق, ويعرضه إلي خطر الهزيمة في الموصل, لتلقيه الضربات من الخلف المكشوف. هكذا أثبتت معركة الفلوجة أن العراق هو من يقرر وينفذ, ولا يحتاج مشورة أو مساعدة أمريكا, وكان من شأن الاعتماد علي قدراته الخاصة أن حقق نصرا حاسما وسريعا, وهو ما سيقلص الدور الأمريكي المعرقل لتحرير العراق بكامله. ألحقت معركة الفلوجة أكبر ضربة معنوية لتنظيم داعش الذي اعتمد علي الصورة الذهنية المثيرة للرعب, والتي حرص عليها محركوه, وكانوا ينشرون مقاطع فيديو لجرائمه البشعة, بهدف ترسيخ الصورة المخيفة التي تبث الارتباك بين خصومه, وهو ما سينعكس بشدة علي باقي معارك داعش في الموصل وسوريا, في ظل انهيار معنوي لأنصاره, ومزيد من الثقة في سرعة دحره. لم يتسلم الجيش العراقي سوي ثلث الأسلحة التي تعاقد علي شرائها من أمريكا, رغم تسديد قيمة الأسلحة قبل7 سنوات, واضطر العراق للاعتماد علي روسيا وإيران ودول أوروبية أخري في التسليح, فأصبح لديه مروحة متنوعة من السلاح, يمكن أن يوظفها جيدا وفقا لنوع المعارك. أصبح العراق يمتلك واحدا من أكبر الجيوش عددا في المنطقة, فإلي جانب الجيش النظامي الذي يربو علي المليون, لديه قوات الحشد الشعبي والعشائري وشرطة مكافحة الإرهاب, وخوض هذه الأعداد لمعارك طويلة ومتنوعة تمنح قواته الخبرة القتالية التي تعيده إلي مكانته كأحد أهم جيوش المنطقة. أجهضت معركة الفلوجة خطة إنشاء دولة للسنة وأخري للشيعة, وتهدد بنزع الصلاحيات الزائدة لإقليم كردستان, وقلصت من احتمال الاستقلال الذي كان يلوح به مسعود البرزاني, بعد أن أصبح الجيش والحشد الشعبي علي تخوم إقليم كردستان, الممزق سياسيا, والمحاصر بجيوش العراق وإيران وتركيا. لكن السؤال الأخطر هو أين سيتوجه هذا الجيش بعد أن يحرر آخر معاقل داعش في الموصل؟ المرجح أنه سيتوجه إلي الحدود السورية, وقد يتجاوزها إلي مشاركة الجيش السوري في محاربة الدواعش وباقي التنظيمات الإرهابية, ليكون قوة جديدة مؤثرة علي الصعيد الإقليمي, وهو ما يثير مخاوف التحالف الأمريكي, الذي سيجد قوة جديدة تخرج من قمقم الحرب الضارية مع الإرهاب, لتقلب موازين القوي في ساحة رخوة ومليئة بالكثير من عوامل التفجير, لهذا ستواجه القوات العراقية والساحة السياسية كثيرا من الألغام التي سيضعها التحالف الأمريكي, لعرقلة القوة العراقية المتنامية, قبل أن تنطلق حممها في مسار يضر بمصالح التحالف الأمريكي.