في الوقت الذي تنتقد فيه بعض الدول الإقليمية المعارك التي ينفذها الجيش العراقي من أجل تحرير بلاده من إرهاب الجماعات التكفيرية، وعلى رأسها تنظيم داعش، ومع تشكيك بعض المسؤولين في نوايا قوات الحشد الشعبي الذي تستند إليها القوات المسلحة العراقية في معاركها ضد التنظيم الإرهابي، تأتي أنباء تحرير مدينة الرمادي لتنفي ادعاءات المشككين وتجهض آمالهم في إحباط عزيمة القوات العراقية والحشد الشعبي. تواصل القوات العراقية ووحدات الحشد الشعبي تقدمها شرق مدينة الرمادي مركز محافظة الأنبار، والتي تخوض معارك شرسة في المحور الشرقي لإنهاء وجود مسلحي داعش في عموم مدينة الرمادي، والاتجاه إلى باقي المدن بعد محاصرتها بشكل كامل، وفي الوقت ذاته تنهار دفاعات داعش في المناطق الشرقية تدريجيًا أمام ضربات القوات العراقية. يقول عضو مجلس محافظة الأنبار، عذال ضاحي، إن القوات الأمنية حررت غالبية مناطق مدينة الرمادي، والقطاعات العسكرية تواصل تقدمها داخل المدينة، مموضحا أن تنظيم داعش لم يعد يسيطر سوى على أقل من 15 % من الأراضي، وأن التنظيم الإرهابي ليس لديه أي خيار آخر سوى اللجوء للعمليات الانتحارية، التي تستطيع القوات العراقية التعامل معها والعمل على منع وقوعها. ومن جانبه، أعلن قائد عمليات الأنبار، اللواء الركن إسماعيل المحلاوي، الاثنين الماضي، عن تحرير مركز أمني ومحطة وقود شرق الرمادي من الدواعش، مؤكدًا استمرار تقدم القوات الأمنية هناك، واستطاعت تحرير مركز شرطة الكرامة ومحطة كهرباء الصوفية في شرق منطقة الصوفية، كما حررت مدرستين وقتل 6 عناصر من تنظيم داعش، لافتا إلى استمرار تقدم القوات الأمنية شرق الرمادي لتحرير المناطق التي يتواجد فيها تنظيم داعش هناك، وتخوض القوات العراقية معارك شرسة مع عناصر تنظيم داعش في منطقتي السجارية وجويبة وحصيبة، وهم آخر معاقل التنظيم شرقي المدينة. وفي السياق، قال مدير شؤون أفواج شرطة الأنبار، العميد الركن خالد جعيجر، إن قطعات الفرقة الآلية الثامنة بدأت بالسير نحو أهدافها المرسومة، ليتم تحرير منطقة السجارية وحصيبة، مضيفا: «في ظل التقدم الدقيق، أحبطت القوات المشتركة عدة محاولات لمسلحي داعش للالتفاف خلف القطعات العسكرية لإعاقة تقدمهم، رغم خسائره الكبيرة في الأرواح والمعدات». وأوضح الرائد بالجيش العراقي، محمد حسين: «بعد تقدمنا ونجاحنا في الوصول إلى الأهداف المحددة لنا من قبل قياداتنا العسكرية، فإن محاولات داعش لإعاقة تقدمنا، ما هي إلا لفظة لأنفاسه الأخيرة»، فيما أكد عقيد بالجيش العراقي: «داعش بدأ يقاتلنا بالناقلات التي حصل عليها من القوات العراقية السابقة، وكانت مخفية في المناطق الزراعية، لكن أبطال الفوج الأول في القوات المسلحة العراقية قاتلوهم في كل مكان، ما أجبر عناصر التنظيم على الانسحاب». الإنجازات العراقية في الرمادي ووضعها على طريق التحرير وقرب إعلانها مدينة آمنة، يأتي في خضم المعارك التي تخوضها القوات العراقية في محاولة لطرد تنظيم داعش الذي يسيطر عليها منذ شهر مايو الماضي، فمرت عملية التحرير بعدة مراحل، بداية من دخول المدينة من عدة محاور ومحاصرة المجمع الحكومي وسط الرمادي وتحريره من قبضة الدواعش، وتحرير حي المخابرات في الرمادي، مرورًا بسيطرة القطعات العسكرية التابعة للجيش العراقي على مساحات كبيرة تمتد من منطقة حي الأرامل داخل الرمادي وكلية الزراعة في شرقها إلى مناطق الطاش والعنكور والخميرة الواقعة في الجزء الجنوبي للمدينة، وصولًا إلى تطهير معظم قرى المدينة من الألغام والمتفجرات التي زرعها داعش لمنع القوات الحكومية من دخولها، وإعلان الجيش العراقي سيطرته على معظم الرمادي في مطلع يناير الجاري. الرمادي يمكن أن تكون نقطة تحول استراتيجية تنطلق منها القوات العراقية لتحرير الموصل والفلوجة، وتراهن الحكومة العراقية على أن يُعجل سقوط الرمادي باستعادة الفلوجة، المدينة الكبيرة في محافظة الأنبار التي لاتزال بحوزة داعش منذ نحو عامين، وهو ما أكده السفير الأمريكي الأسبق لدى العراق، زلماي خليل زاد، قائلا إن معركة الرمادي تجربة اختبار مهمة لاستعادة مدينتي الفلوجة والموصل، وإذا نجح التحالف الدولي والحكومة العراقية في وضع استراتيجية لتعزيز انتصار الرمادي وحققوا تقدمًا ملموسًا بمجالي السياسة وإعادة تعمير المدينة، فإن التجربة ستصلح نموذجًا لكيفية التحرك ضد تنظيم داعش في باقي المدن العراقية لمحاصرة من قبل التنظيم. تعد مدينة الرمادي مركز محافظة الأنبار، أكبر محافظاتالعراق، فتشكل ثلث مساحة العراق، وتقع على بعد 100 كم غرب بغداد، وتعد ثاني مركز محافظة في العراق بعد الموصل، التي لاتزال تحت سيطرة تنظيم داعش، ويكتسب موقع المدينة أهمية مضاعفة لقربها مع جارتيها بغداد وكربلاء، ما يجعلها واحدة من أوراق الضغط الكبيرة على الجيش العراقي، كما أن حدودها ممتدة مع سوريا، الأمر الذي يجعلها ضمن أهداف داعش لضمها إلى ما يسميه دولة الخلافة في العراق والشام، كما يبقيها قريبة من خطوط الإمداد الموصولة بمعاقل داعش في الموصل والرقة، وهي بذلك تشكل ممرًا أساسيًا بين العاصمة بغداد وحدود العراق مع الأردنوسوريا، ما يجعلها تكتسب أهمية استراتيجية بالغة لتنظيم داعش والقوات العراقية على حد سواء.