هي اللطمة الأكبر في تاريخ الاتحاد الأوروبي، منذ المحاولات الأولي لإنشائه في خمسينيات القرن الماضي.. يوم الخميس الماضي هو اسود يوم في تاريخ رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، حين توجه الناخبون البريطانيون لصناديق الاقتراع، في استفتاء نظمه كاميرون سعيا للوفاء بالوعد الذي قطعه علي نفسه خلال الحملة الانتخابية الاخيرة التي جاءت به رئيسا لوزراء بريطانيا بان يجري هذا الاستفتاء علي البقاء او الخروج من الاتحاد الاوروبي، الا ان الناخبين خذلوه ليرفضوا بأغلبية 52% الاستمرار داخل المنظومة الأوروبية، وهو ما يعني أن ثاني أكبر اقتصاد أوروبي بعد ألمانيا، والعضو الدائم بمجلس الأمن والعضو المؤسس لحلف الناتو واللاعب الدبلوماسي الاخطر في نادي القوي النووية العظمي، رفض استكمال الرحلة وغادر قطار أوروبا الموحدة. ما حدث لا يمكن اعتباره سوي «هزيمة للاتحاد الأوربي الذي خرج من تلك الأزمة بشرخ وضعف علي صعيد الداخل، وظهر في صورة كيان يوشك أن يزول علي صعيد الخارج»، بحسب وصف صحيفة لوموند الفرنسية، وإذا كان ما حدث يُنظر إليه من جانب علي أنه إخفاق بحق الاتحاد الأوروبي، الا ان فريقا آخر يري في الأمر فشلاً ذريعاً لرئيس الوزراء البريطاني دافيد كاميرون، الذي حث مواطني بلاده علي التصويت للبقاء، وأعلن رحيله عن منصبه في خلال ثلاثة أشهر من الآن علي وقع هزيمة معسكره، علي الرغم من ان نظرة كاميرون لدول أوربا الموحدة ظلت دوما مليئة بالشك والريبة ولم يقل كلمة واحدة تعبر عن الود أو الاحترام تجاه منظومة بروكسل، فكانت النتيجة أن خالف البريطانيون توجهه الفاتر نحو البقاء ووضعوا حداً لعلاقة دامت 43 عاماً مع جيرانهم الأوروبيين، بعدما ضاقوا ذرعاً بمطالبات المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ليتحملوا حصتهم من اللاجئين المتدفقين علي أوروبا جراء الصراعات الدائرة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فضلاً عن تذمر قطاع كبير من البريطانيين من أولئك المهاجرين القادمين من أوروبا الشرقية الذين يزاحمونهم في الوظائف ويجعلونهم إما عاطلين عن العمل أو مجبرين علي قبول أجور متدنية، لأن القادم من شرق أوروبا بطبيعته يقبل بأقل القليل ويعمل عدد ساعات عمل أطول من المعتاد. الصحف الأوروبية ذات التوجهات اليسارية التي تفضل الحفاظ علي الكيان الأوروبي موحداً، وعلي رأسها الجرائد الفرنسية، خرجت بعناوين تحذر من الإحباط وعدم استكمال المسيرة واعتبار ما فعله البريطانيون كارثة بانسحابهم مفضلين العزلة خلف حدود جزرهم، إذ أن «حملة المعسكر الرافض للبقاء ضمن كيان موحد، بقيادة عمدة لندن السابق بوريس جونسون الطامح لمنصب رئاسة الوزراء، جاءت مبنية علي أكاذيب ومبالغات وحملات كراهية ضد الأجانب المقيمين في المملكة المتحدة»، فيما ذهبت صحيفة لوفيجارو إلي الاعتقاد بأن الثالث والعشرين من يونيو 2016 هو بداية النهاية للاتحاد الأوروبي، إن لم يسارع الأعضاء السبع والعشرين الباقين في الاتحاد بعد رحيل البريطانيين، إلي نقاش معمق حول الأسباب التي دفعت بريطانيا لمثل هذا القرار، لا سيما وأن بوادر استفتاء مشابه يلوح في أفق 7 دول أخري علي الأقل من بينها فرنسا نفسها التي تشهد صعوداً حاداً لقوي اليمين بقيادة زعيمة الجبهة الوطنية ماري لوبان، وفي نفس الوقت يعاني اليسار الحاكم (الحزب الاشتراكي PS بزعامة الرئيس فرانسوا أولاند) من انقسام داخلي حاد، وليس أدل علي ذلك من إعلان الحزب عن تنظيم انتخابات داخلية في يناير المقبل لاختيار مرشح يخوض انتخابات الرئاسة المقررة في منتصف 2017، أي أن الحزب لم يعد يثق في زعيمه فرانسوا أولاند! المؤكد أن رئيس الوزراء دافيد كاميرون الذي كان يلقب ب«الفتي المحظوظ»، جازف بشكل غير محسوب ودفع الثمن من مستقبله السياسي، وسيكون عليه في الثلاثة أشهر المتبقية له بمنصبه في 10 داونينج ستريت، أن يرتب لإجراءات طلاق طويل ومعقد سيستغرق من عامين لأربعة أعوام بحسب اتفاقه مع قادة بروكسل (الاتحاد الأوروبي يتخذ من العاصمة البلجيكية بروكسل عاصمة له)، أما السياسيون الذين حرضوا البريطانيين علي التصويت للمغادرة، فقد أخذوا خطوة للوراء لعلمهم أن هناك كسادا كبيرا ينتظر الاقتصاد البريطاني، وهو ما تجلي في انخفاض قيمة الجنيه الاسترليني لأدني مستوياتها منذ عام 1985 عقب الإعلان عن نتيجة الاستفتاء مباشرة، وليس ذلك فقط بل عليهم أن يتحملوا المسئولية التاريخية لتفكك محتمل بقوة للملكة المتحدة، حيث أن الاسكتلنديين ومواطني أيرلندا الشمالية يرفضون الانفصال عن أوروبا، لذا فمن المرجح أن تنظم كل من إدنبره ودبلن استفتاء علي البقاء ضمن مملكة بريطانيا العظمي، وتشير استطلاعات الرأي من الآن إلي أن مواطني البلدين يفضلون الانفصال عن بريطانيا طالما أنها لم تعد عضواً في الاتحاد الأوروبي. تبعات انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي يمتد لكرة القدم أيضاً، إذ أن ذلك قد يعصف بقوة وشهرة الدوري الإنجليزي الممتاز، وهو ما جعل الأندية الإنجليزية تتوحد في وقت سابق لرفض الخروج من الاتحاد الاوروبي، وكان ريتشارد سكودامور، المدير التنفيذي لرابطة الدوري الإنجليزي، قد أعلن عن دعمه لحملة البقاء في الكيان الأوروبي الموحد. وبالنسبة للمنتخب الإنجليزي، من المؤكد أنه لن يكون هناك أي تأثير، حيث ستشارك إنجلترا في المنافسات الأوروبية، والأمر نفسه علي مستوي الأندية الإنجليزية التي ستشارك في البطولات الأوروبية كدوري الأبطال والدوري الأوروبي، لكن قوة الأندية الإنجليزية لن تكون كما كانت سابقًا بسبب التضييق المنتظر علي اللاعبين الأوروبيين في الدوري الإنجليزي الممتاز بعد الانفصال، فقبل الانفصال لم يكن أي لاعب يملك جواز سفر أوروبي بحاجة لتصريح عمل للعب في البريميرليج وذلك استنادًا لقانون حرية تنقل القوي العاملة المُقر من قبل الاتحاد الأوروبي، أما الآن فإن جميع اللاعبين الذين لا يحملون الجنسية البريطانية سيُعاملون معاملة الأجانب وأصبحوا بحاجة لتصاريح عمل، ومن المعروف أن قوة البريميرليج مستمدة من نجومية لاعبيه من ذوي الجنسيات الأوروبية المختلفة في ظل ندرة المواهب الإنجليزية