جيش قوي قادر، لم يكن مجرد هدف سعي الرئيس مبارك القائد الأعلي للقوات المسلحة إلي تحقيقه، ولكنه شكل ركيزة هامة تتيح لمصر القيام بدورها، كصمام للأمن وقوة إقليمية بالمنطقة. وإذا كنا كثيراً ما نتحدث عن إعادة البناء في كل قطاعات العمل الوطني، فقد جاء الاهتمام بتطوير وتحديث قوة مصر العسكرية ضمن أهم الأولويات في فكر الرئيس مبارك، والتي سعي لتحقيقها بكل جدارة منذ توليه المسئولية، والتي شكلت جزءاً أساسياً في البرنامج الرئاسي، الذي يدخل عامه الأخير العام القادم. أن تظل مصر قوية وآمنة ومستقرة هدف لم ينبع من فراغ، ولكنه جاء حصيلة تاريخ وسنوات طويلة من الكفاح والتضحيات، التي قدمها الشعب المصري. هدف سعي الرئيس مبارك إلي تحقيقه منذ اللحظات الأولي التي تولي فيها المسئولية، وبعد سنوات كثيرة من العطاء في صفوف أبطال مصر من رجال قواتنا المسلحة. لقد تغيرت صورة جيش مصر تماماً عنها في حرب 1973، حيث أعيد بناء القوات المسلحة علي أسس علمية، مع تزويدها بأحدث التقنيات والمعدات والأسلحة، بالاضافة للتوسع في الانتاج الذاتي لها، والاهتمام بعمليات التدريب وصقل الخبرات العسكرية لتواكب مثيلاتها في دول أخري متقدمة. لا نبالغ عندما نقول إن القيادة الواعية والحكمة والحنكة والرؤية الثاقبة، التي عرف بها الرئيس مبارك، مكنت مصر من اجتياز عقبات وتحديات كثيرة، كان يمكن أن تعرقل مسيرة مصر للتطوير والتحديث، والتي امتدت لتشمل كل مجالات الحياة. فلاشك أن الظروف العالمية والإقليمية، والتوتر الذي تعيشه منطقة الشرق الأوسط، كان لها تأثيراتها السلبية الكثيرة، والتي تعاملت معها مصر بحكمة واقتدار، جعلاها تحظي باحترام وتقدير العالم كله. حافظت مصر علي حدودها مؤمّنة، وسيادة أراضيها مصونة، وحافظت علي استقلال قرارها، وأقامت علاقات متوازنة مع الجميع، وفي إطار ثوابت مصرية أصيلة، وسعي جاد من أجل تحقيق سلام عادل ومشرف، يقوم علي عودة الحقوق لأصحابها، وفي إطار من المصداقية والشرعية والقانون. إن ما تعيشه مصر الآن من أمن واستقرار، ووجود جيش قوي وقادر ومزود بأحدث الأسلحة والتقنيات، شكل في مجمله أساساً مهماً لكل التحولات الهائلة، التي تمت علي أرض مصر سواء في مجالات البنية الأساسية، أو تطوير الهياكل الاقتصادية والمالية، وزيادة الاستثمارات والصادرات. عناصر قوة مصر هي نتاج مباشر لسياسات صاغها قائد حكيم وزعيم، سوف يتوقف التاريخ الإنساني كثيرا أمام حياته وعطائه وتضحياته من أجل بلاده وشعبه. سياسات وضعت مصر فوق كل اعتبار، وأعادت ترابنا الوطني، وحولت سيناء من ساحة قتال إلي رمز للسلام. سياسات جعلت من مصر قوة إقليمية وفاعلة، علي المستويين الإقليمي والدولي، وساهمت في فتح شبكة واسعة من العلاقات مع جميع دول العالم، كان تأثيرها واضحاً في إعادة الحيوية للاقتصاد المصري وحسن استثمار الموارد، والانفتاح الواعي علي الأسواق العالمية، وفي إطار من الندية ورفض الشروط المسبقة أو الإملاءات والضغوط، والتي تحميها قوة قادرة ورجال أوفياء، جعلوا البطولة والفداء طريقا لهم.
أعتقد واثقاً أن أجمل لحظات الرئيس مبارك، هي تلك التي يقضيها، ويكون فيها مع رجاله وأبنائه من رجال القوات المسلحة، هؤلاء جميعا هم أساتذة وتلاميذ العسكرية المصرية، التي كان الرئيس مبارك هو أحد أهم رموزها في التاريخ الحديث، حيث تدرج في معظم الرتب بصورة أسرع من زملاء دفعته، تقديراً لتفوقه ونبوغه، وحتي أصبح قائدا للقوات الجوية التي سجلت ملحمة بطولة، تظل درة في جبين انتصارات مصر عبر كل عصورها. في مدرسة العسكرية المصرية عاش الرئيس مبارك معظم سنوات عمره محارباً ومقاتلاً، من أجل الذود عن سيادة بلاده وشعبها، وإذا كانت انتصارات أكتوبر قد سجلت دوره البارز مع رجاله من القوات الجوية، في فتح أبواب النصر وتأكيده وترسيخه علي أرض الواقع، فقد كانت حياته وعطاؤه قبل تلك الحرب سجلاً للفخار، نجح خلالها في القيام بكل المهام الموكلة إليه، والتي كان علي رأسها إعداد أجيال جديدة من الطيارين المقاتلين، والمزودين بأحدث التقنيات والمعارف العسكرية، كما استطاع أن يصيغ معادلة صعبة تعوّض الفارق الكبير في تقنيات الطيران، من خلال الاهتمام الكبير بإعداد الطيارين، وصقل مهاراتهم وخبراتهم وقدراتهم البشرية، لتعوّض الفارق الكبير في نوعية الطائرات المقاتلة التي كان يستخدمها العدو الاسرائيلي، والتي تمثل قمة ما وصلت إليه الولاياتالمتحدة. وسجلت لوحة الشرف في العسكرية المصرية أسماء كثيرة، لطيارين من تلاميذ الفريق مبارك، الذين قدموا صفحات مشرقة من البطولة في ساحة المعارك، وكان في حياة كل واحد منهم درس أو دروس أو تكتيك استخدموه في الحرب، قد لقنه وشرحه وقدمه لهم الفريق مبارك خلال فترات دراستهم بالكلية الجوية، أو مشاركته في إعادة بناء أسراب قواتنا الجوية وتزويدها بأحدث الطائرات والتقنيات، وإيمانه الراسخ بأن إعداد الطيار المقاتل يمكن أن يعوّض لحد كبير النقص في أعداد الطائرات، أو الامكانيات التي تتوافر فيها. مع رجال العسكرية المصرية يكون الشعور بالفخار والعزة، ومن مدرسة الانتماء والوطنية يكون الزاد الذي نتوق إليه جميعاً، ونتشوق إليه ونحن نسترجع صفحات البطولة التي قدمها هؤلاء الرجال، الذين لم تعرف حياتهم شيئا سوي الجهد والعرق والوطنية الصادقة. رجال هم نبت شعب أصيل يتوق شوقا لتلبية نداء الوطن سلما أو حربا. خلال الأسابيع القليلة الماضية، كان لي شرف المشاركة في حضور عدة احتفالات بتخريج دفعات جديدة من رجال قواتنا المسلحة، في تواصل رائع لأجيال النصر. احتفالات يحرص الرئيس مبارك - رغم كل ارتباطاته ولقاءاته واجتماعاته - علي أن يضعها ضمن أجندته، في تقليد يؤكد عمق الرابطة، التي تجمع القائد الأعلي برجاله وأبنائه من رجال قواتنا المسلحة. كنت كثيرا ما أنظر الي القائد الأعلي الرئيس مبارك وهو يتابع العروض، التي يقدمها تلاميذه وأبناؤه، وأجدني اسأل نفسي: تري فيما يفكر الرئيس؟! ما حقيقة مشاعره وهو يسترجع شريطاً طويلاً، هو سنوات عمره التي قضاها في محراب الفداء والبطولة؟ وقبل أن يصبح رئيساً للجمهورية، ليكمل مسيرة عطاء بطل سوف يتوقف التاريخ كثيراً أمام انجازاته، التي غيرت وجه مصر تماماً، وجعلتها في بؤرة الاهتمام العالمي. انجازات تدخل بها مصر العصر الحديث بقدرة واقتدار، وذلك رغم كل التحديات والصعوبات التي واجهتها مسيرة البناء. بروح البطولة وإرادة صلبة لا تلين، أعيد بناء مصر من جديد، في منظومة اتسعت فيها آفاق الحرية والديموقراطية لتفسح مكاناً لكل مصري قادر علي أن يساهم في بناء وطنه. شعور بالرضا أكاد أجزم أنه كان يملأ وجه الرئيس مبارك، وهو يري بعيونه حصاد سنوات عمره تتجسد في صورة هؤلاء الأبطال، سواء من القادة الذين يشاركون في حضور الاحتفال، أو القادة الذين تولوا اعداد تلك النخبة من شباب مصر، الذين يبدأون أولي خطواتهم العملية علي طريق البطولة والفداء. وشعور بالرضا، لأن مصر - ورغم كل الأعباء المثقلة لاعادة البناء - استطاعت أيضاً ان تبني جيشاً قوياً وقادراً، يظل دوماً هو صمام المستقبل.