«النحس» يصيب «الحفر علي النحاس».. والسجاد اليدوي يشكو الغزو الصيني صابر: الاندثار مصير صناعتنا إذا لم تتدخل الدولة لإنقاذها وسط أمواج الانهيار التي طالت درة صناعاتنا المتميزة وتناسلت من رحم اللامبالاة.. تصارع الصناعات اليدوية التقليدية شبح الموت علي أيدي الإهمال.الحكايات لاتنتهي من الألم والأمل في صناعات يهددها شبح الاندثار مدمرا ماتحمله من تاريخ مصر وشعبها المبدع . مشاهد من الجمال تمتزج بمشاعر الحزن والمعاناة علي حال تلك الصناعات، ومازال صانعوها يتمسكون بتلابيبها خوفا من ضياعها ومعها رزقهم. يضربون مثالا رائعا بأن « المصري يقدر « متدثرين بالأمل أن تمر عاصفة الكساد وتعود الصناعة إلي أمجادها..صناعة الفن هو عنوانها والذوق الرفيع أكثر مايميزها..الصناعات اليدوية التي نحن بصددها هي النفخ في الزجاج والمنسوجات الحريرية والحفر علي النحاس والسجاد اليدوي التي يقوم عليها اسطوات من الكبار والأطفال بالإضافة إلي صناعة الاحذية اليدوية في منطقة الخيامية بشارع المعز لدين الله الفاطمي.منهم من عشقها وأفني عمره فيها.. اصر علي عدم تركها رغم الظروف الصعبه التي تمر بها. « الأخبار « ناقشت اوجاع الأسطوات وصناعاتهم علي امل حشد الطاقات لإنقاذها قبل فوات الأوان. البداية كانت مع الحاج حسن هدهد الذي بدأ حياته لاعبا لرياضة البوكس وحقق نجاحا فيها..لكن رغم نجاحه في رياضة البوكس.. حقق نجاحا آخر في صناعة « النفخ في الزجاج « تلك المهنة التي ورثها ابا عن جد.. صناعة جذبت انظار وزراء وسفراء وضيوف كثر ليس من مصر فقط بل من شتي انحاء العالم...أكد هدهد ان هذه الصناعه تتعرض للاندثار بعد أن فتحت الدوله باب استيراد المنتجات الصينية علي مصراعيه.. بالإضافه إلي عزوف الكثيرين عنها لأنها لا تدر مالا كثيرا في بدايتها.. وطالب شيخ المهنة الحاج حسن بأن يحصل علي قطعة ارض يحولها إلي مدرسه يعلم فيها النشء سر المهنة بدلا من ان تندثر وتموت لأنها تمثل تاريخا عريقا يمكن ان يحقق اضافة للدخل القومي ، وأضاف انه يصدر اغلب منتجاته إلي الخارج ويشارك في اعادة ترميم تاريخ مصر الأثري من خلال صنع الزجاج المطلوب لتغطية ايونات المساجد التاريخية المنتشرة في شارع المعز والدرب الأحمر وغيرها من المناطق.. فكيف يصبح مصير تلك المهنة الفناء والضياع ؟ سر الصنعة ..أما عن كمال هدهد « الابن « الذي اصر ايضا علي استكمال مشوار والده وجده علي الرغم من حصوله علي بكالوريوس تجاره.. فرفض كمال شعار « لن اعيش في جلباب ابي « ووقف معه وأخذ منه سر المهنة خاصة انه لا توجد وظائف بمؤهله الذي حصل عليه فاختار ان يكمل باقي حياته في تلك المهنة وهي « النفخ في الزجاج «.. وقال كمال إن تلك الصناعه مهددة بالاندثار.. مطالبا بدور فعال للحكومة للحفاظ عليها ودعم صانعيها حتي لاتنقرض ومعها جزء من روح مصر وتاريخها. في شارع « قايتباي « يجلس عم «عفيفي « صاحب ال 60 عاما بجسده النحيل أمام آلة الحرير اليدوي كل يوم ينظر إليها ويحدثها مع طلعة كل شمس.. نظراته يشوبها شئ من الغموض حيث قال الحاج عفيفي ان « صناعة الحريرية « عفي عليها الزمن نظرا للإهمال الذي ألم بها بسبب ارتفاع تكاليف المواد الخام التي يتم شراؤها لاستخدامها في الصناعه وتكوينها في شكل منتج حتي يتم تصديره للخارج ولم يتبق كثير يعمل في تلك الصناعة فقد تركها كثير من شيوخها املا في المال الوفير من مهنة اخري بعد ان اصبحت هذه الصناعه كالمومياء التي لا فائدة منها.. معللا بقاءه فيها بأنه لا يعرف غيرها علي الرغم من انه يعمل من خلالها شهرا ويظل 6 أو 7 شهور اخري بلا مصدر رزق.. واختتم حديثه متمنيا ان تهتم الدوله بالصناعات التقليدية لأنها يمكن ان تمثل موردا كبيرا للدخل القومي..و معه وقف يوسف الابن البار الذي اصر علي عدم ترك والده بعد ان تقدم في العمر وقف ينسج خيوط الحرير يدويا من خلال آلة بدائيه حتي ينتهي تماما من الطلبية التي طلبت منه هو ووالده.. وأثناء عمله قال يوسف « للأسف مش لاقي شغل وباحاول أعيد للصناعة دي الحياة من جديد « كانت كلماته مركزة وهادفة وانصبت علي الحزن الذي يخيم عليه جراء ضياع تلك المهنه التي تمثل ذهبا علي حد قوله مؤكدا ان « صناعة الحرير « كانت في وقت سابق تؤكل العاملين بها « الشهد « لما تجلبه من مال وفير.. فكل التجار كانوا يتهافتون عليها وكنا نعمل ليل نهار بسبب كثرة المطلوب منا انجازه.. واليوم وبعد ان رفعت الدوله يديها عنها واغلقت المصانع الكبري تحولت تلك المهنة إلي « كهنه «.. وارتفعت اسعار المواد الخام بشكل جنوني قلم نعد نستطيع استيرادها إلا في اوقات بسيطة طيلة العام.. وطالب يوسف وزارة الصناعة والتجاره بأن توفر له مشروعا صغيرا يستطيع من خلاله ان يحيي تلك الصناعه من جديد خاصة انه قام بابتكار آلة جديدة يتم من خلالها نسج خيوط الحرير تعمل من خلال الموتور وتتحرك علي اربع عجلات بدلا من تلك البدائيه التي تتحرك يدويا من خلال خشبة يتم سحبها للاعلي حتي تتحرك الآلة.. وقال انها ستساعده علي مزاولة المهنه بشكل حديث يتواكب مع ما تم استيراده من الخارج ويفوقها في احيان كثيرة.. وأكد يوسف انه لن يترك المهنة أبدا لأنه ورثها ابا عن جد وتمثل قيمة كبري للبلد حيث يتم تصدير ماينتجه خارج مصر وبالأخص ليبيا والسعوديه.. صناعة السجاد اليدوي.. أمل آخر يحتضر.. ولا أحد يحرك ساكنا.. مهنه تضم مئات من العاملين يختبئون بها من بطش الحاجة الملحة وضياع الرزق.. اي رزق هذا الذي ضاع وسط ارتفاع سعر الخيوط التي يتم من خلالها صناعة اجود انواع السجاد اليدوي مع اغلاق مئات المصانع والمدارس التي كانت تعمل بتلك المهنه وشرد كبار « الصنايعيه بها «؟ وتبقي القلة القليلة التي تبحث عن طاقة امل. أمامها تري مشاهد الجمال وكيفية صناعته بأيدي عدد من الأطفال الذين يرسمون بأناملهم فنا يخرج بتلقائية كفيض من الذوق الرفيع لاينضب وإن كان الألم يمتزج بنظراتهم لتراجع هذه الصناعة وإهمالها. صابر كبير» الصنايعية « يعمل داخل أحد المصانع بطريق سقارة بدت علي وجهه علامات الغموض نظرا لرغبته الشديدة في تضفير الخيوط الملونة التي تنسج المشهد وكأنه عزف علي اوتار ذهبيه.. وبصوت تملأه الحسره ونبرات اليأس ظهرت علي تعبيرات وجهه اثناء حديثه معنا ، قال صابر انه يعمل بهذه المهنه منذ 22 عاما وينفق من خلالها علي اسرته المكونة من زوجته وبناته ال 3..ولكن بسبب الظروف الاقتصادية التي نعاني منها والتي انعكست بدورها علي هذه المهنة أصبح كسب لقمة العيش من خلالها في غاية الصعوبة وذلك بعد عزوف الكثير عن شرائها مما يعرضها للانقراض.. والحل الوحيد في حمايتها هو ان تتبني الحكومة دورا رائدا في انشاء مدارس تختص بصناعة السجاد اليدوي حتي نعلم من خلالها النشء ليحملوا هم دور البقاء علي المهنة التي يأتي إليها كثير من سكان العالم. خيوط السجاد و بجانبه جلس أحمد ربيع الذي بدت علي وجهه علامات الجدية وسط دموع عرقه التي تساقطت أمامه علي الأرض يضفر خيوط السجاد الذي يقوم بتصنيعه من وحي خياله وقال إنه يعمل في هذه المهنه منذ 8 سنوات ومتزوج ولديه ولدان في مراحل التعليم المختلفة، وأكد ان الاجر الذي يتقاضاه في هذه المهنه لا يكفي مصاريف حياته هو وأسرته ولكنها وظيفة تحميه من شبح الضياع في نفق البطالة الذي لا يرحم.. وأكد ربيع أن من أهم المشاكل التي تواجه صناعة السجاد اليدوي طريقة جلوس الصنايعية علي « الدكك « المخصصة للصناعة لأنها تؤثر بشكل واضح علي فقرات الظهر.. « حي الصالحية « او « المدينة اليدوية «.. مسميات جذابة لمنطقة وصل تاريخها لما يقرب من 100 عام تميزت المشاهد فيها بكل ألوان الجمال.. مبانيها تراث يحكي قصص امل لأناس رفضوا الاستسلام لليأس والإحباط في تلك المهنة اليدوية وهي الحفر علي النحاس التي كانت قديما تدر دخلا وفيرا وعاش اصحابها في نعيم لكن قطار الإهمال اصابها شأنها شأن الصناعات اليدوية الأخري».. فالورش اصبحت خاوية علي عروشها وكبار « الأسطوات « تحولوا لأشباح يتذكرون ما مضي من رقي وازدهار لهذه المهنة وما تعاني منه الآن بسبب ارتفاع تكاليف الخامات المستخدمه لهذه الصناعة وابتعاد « الصنايعية « عنها لأنها تحولت إلي مهنة لا تدر مالا ولا تساعد علي العيش في هذه الظروف الصعبة التي يعاني منها الناس في ظل الارتفاع المطرد في كل شئ وصاحبها قلة في عدد الحرفيين الذين ينضبون يوما بعد يوم.. وفي أحد الطوابق في ذلك العقار الأثري المتهالك وفي ورشة ملأها صدي صوت لأغاني زمن مر تبعث الراحة في النفوس وتتواكب مع قيمة العمل الحرفي جلس شاب يسمي محمود شيخ كبير في تلك المهنة علي الرغم من صغر سنه لما ظهر علي حركة اصابع يده اليمني وهي تحفر بمهارة بالغة علي النحاس وتطريزه لكل مشغول في التحفة التي يطليها بالفضة او الذهب بعد الحفر ليتم بعد ذلك تصديرها للخارج.. أكد انه علي الرغم من ان هذه المهنه لا تدر مالا كثيرا الا انه اصر علي ان يحمل فوق كتفه مسئولية بعث روح الحياة فيها من جديد الخياميه الخياميه.. بمجرد ان تسمع ذلك الاسم يعود بك الزمن إلي حكم المماليك او العباسيين الذين عشقوا الفن وقدروه حق قدره فظهرت ألوان شتي من الصناعات التي كان الفن هو عنوانها، منها ما اندثر بحكم الواقع وعوامل الزمن ومنها ما صارع كل اشكال التغييرات التي طرأت وتمسك بالأمل الأخير وحاول ان يحافظ علي ما تبقي.. منها « نسج الخيام « التي يرجع تاريخها إلي ما يقرب من 500 عام والآن هجرها من هجرها.. وتبقي منها « صنايعيه « حاولوا ان يحافظوا عليها من الاندثار من بينهم الحاج أحمد الذي ينسج بمهارة ولكنه اشتكي من ضعف الإقبال عليها وانها تواجه الآن الاندثار ما لم تدخل الدولة لسرعة إنقاذها. قال المهندس ابراهيم يحيي رئيس قطاع الصناعات التراثية بوزارة الصناعه سابقا ومستشار المشروعات الصغيرة السابق بالصندوق الاجتماعي وأحد الخبراء في هذا المجال ان قطاع الصناعات التقليدية.. يعاني من تقلص مستمر وانحدار دائم في مقومات استمراره ونجاحه في البقاء.. وكادت أن تختفي معظم هذه الصناعات باختفاء صناعها الذين تمرسوا عليها وورثوها اضافة إلي أسباب أخري منها.. دخول صناعات ومنتجات بديلة ومنافسة لها وترويج هذه المنتجات بكميات كبيرة وأسعار منافسة.. مما أدي إلي تراجع وتهميش منتجاتنا وإلحاق أضرار اقتصادية واجتماعية بها.. وانعدام أو قلة الاهتمام بها من قبل من يعنيه والاتجاه إلي تجاهل القيم الفنية المصرية والنقل عن الآخرين.. مما أفقدنا الميزات النسبية والتنافسية العالية التي تمتلكها هذه الصناعات الأمر الذي أدي إلي تهميش وتراجع بعض هذه الحرف والصناعات إن لم يكن معظمها.. مما أثر بالسلب علي مستوي شكل المنتجات وتراجع جودتها.. وأكد ان الامر يستلزم إعداد مشروع قومي للحفاظ علي صناعاتنا التقليدية والحرفية.. وتنظيم وتصنيف ذلك القطاع والحفاظ عليه والعمل علي تنميته.. مشيرا إلي ان العديد من الشعوب تحقق ثروات طائلة من بيع منتجاتها التقليدية والحرفية.. مثل اليونان.. والهند.. وأسبانيا.. وإسرائيل.. والمغرب.. وتونس.. وسوريا..... الخ.. وركز علي ضرورة وجود تنسيق وتكامل منظم لجماعات إنتاج المنتجات التقليدية والمجتمع من جانب والجهات والهيئات التي يفترض مسئوليتها عن رعاية الصناعات التقليدية من جانب آخر بهدف الوصول إلي نظام متكامل يمكن أن يؤدي إلي الهدف المنشود وإظهار المنتج التقليدي بالصورة القومية المعبرة عن الشخصية المصرية الأصيلة.. من خلال مجموعة من البرامج المناسبة لتنميتها وتطويرها.. الأمر الذي يفتح آفاقا اقتصادية جديدة لتسويق هذه السلع بشكل يجعلها تشكل عاملا من عوامل الجذب السياحي لمناطق تواجدها وإنتاجها. وأوضح ان محاور تنمية وتطوير الصناعات التقليدية في مصر تشمل تطوير المنتجات ذاتها بما يواكب العصر ويلبي رغبات المستهلك مع الحفاظ علي السمات الرئيسية للتراث المصري المتوارثة عبر الأجيال. ويشمل المحور الثاني إعادة التأهيل والتدريب والتوعية ببرامج تساعد علي تنمية القدرات الإبداعية.. وتحفظ لهم هويتهم الثقافية.. وتجعلهم متحكمين لا محكومين بالتكنولوجيا.. ومبدعين لا مقلدين قادرين علي التوفيق بين متطلبات العصر والتراث.