فلابد من إتاحة السبل القانونية للسادة المحافظين ووحدات الإدارة المحلية لمنع التعدي علي الأراضي الزراعية أعلنت وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي أن عدد حالات التعدي علي الأراضي الزراعية بالبناء خلال الخمس سنوات الأخيرة في مختلف محافظات مصر قد بلغ حوالي 1،5 مليون حالة بإجمالي مساحة حوالي 65 ألف فدان أي بمعدل حوالي 1،7 فدان كل ساعة وأنه قد تم إزالة حوالي 278 ألف حالة تعد بإجمالي مساحة حوالي 16 ألف فدان فقط. وهذا الوضع لا يمكن قبول استمراره نظراً لان التعدي علي الأراضي الزراعية بالبناء علاوة علي مظاهر التعدي الاخري كالتبوير والتجريف تمثل تهديداً وضياعاً لمورد طبيعي اقتصادي نادر وهو مصدر الغذاء والكساء للمواطنين ومصدر دخول ومعيشة السكان الزراعيين والذين يمثلون الغالبية العظمي من سكان الريف. وإدراكا للوظيفة الاجتماعية للأرض الزراعية فقد نص الدستور في المادة (30) علي أن تلتزم الدولة بحماية الرقعة الزراعية وزيادتها وتجريم الاعتداء عليها. كما نص الدستور في المادة (32) علي أن موارد الدولة الطبيعية ملك للشعب تلتزم الدولة بالحفاظ عليها وحسن استغلالها وعدم استنزافها ومراعاة حقوق الأجيال القادمة فيها.والملكية الخاصة للأرض الزراعية مصونة وفقاً للدستور (مادة 35). وهي كذلك طالما استمرت في الإنتاج الزراعي فإذا تم التعدي عليها فإنه يمكن للمجتمع استعادتها لأداء وظيفتها الأصلية لصالح الفرد والمجتمع. وإن القول بأن استصلاح واستزراع أراض جديدة يمكن أن يعوض ما نفقده من أراض زراعية قديمة في الوادي والدلتا وأنه يمكن فرض رسوم علي البناء علي الأراضي الزراعية تخصص لاستصلاح واستزراع أراض جديدة قول مغلوط. فاستصلاح واستزراع أراض جديدة ليس ولا يمكن أن يكون بديلاً عن الحفاظ علي الأراضي الزراعية القديمة والخصبة وذلك في ظل الزيادة المضطردة في عدد السكان وانخفاض نصيب الفرد من الأراضي الزراعية. ويكفي أن نعلم أن عدد سكان مصر في بداية القرن التاسع عشر كان حوالي 3 ملايين نسمة وكانت مساحة الأراضي الزراعية حوالي 3 ملايين فدان وان عدد سكان مصر في بداية القرن العشرين كان حوالي 11 مليون نسمة وكانت مساحة الأراضي الزراعية حوالي 5 ملايين فدان والآن فان عدد سكان مصر حوالي 90 مليون نسمة ومساحة الأرض الزراعية حوالي 8،6 مليون فدان فقط (حوالي 6 ملايين فدان أراضي قديمة، 2،6 مليون فدان أراضي جديدة) وان متوسط نصيب الفرد من الأراضي الزراعية حالياً يبلغ حوالي 0،1 فدان أي حوالي 2،4 قيراط فقط. وبالتالي فإن مصر لا تمتلك رفاهية الاختيار بين الأراضي القديمة والجديدة أو بين التوسع الرأسي (زيادة الإنتاجية) والتوسع الأفقي بل لابد من الحفاظ علي الأراضي الزراعية القديمة وفي نفس الوقت استصلاح واستزراع أراض جديدة وزيادة إنتاجية كل وحدة من الأرض والمياه فيهما. وللتصدي لظاهرة الاعتداء علي الأراضي الزراعية فلابد من إتاحة السبل القانونية للسادة المحافظين ووحدات الإدارة المحلية لمنع التعدي علي الأراضي الزراعية والإزالة الفورية للتعدي وعلي نفقة المخالف. وقد يتطلب الأمر النظر في إعادة العمل بأمر نائب الحاكم العسكري الذي كان يسمح بذلك وألغي في عام 2004 لان إزالة التعدي بالطرق القانونية العادية يأخذ وقتاً طويلاً ويواجه في أحيان كثيرة بالأمر الواقع وحتي لو حدثت الإزالة بعد فترة طويلة فقد يصعب إعادة الأرض الزراعية إلي حالتها الطبيعية. كما أن الأمر يتطلب تفعيل الدستور بشأن تجريم الاعتداء علي الأراضي الزراعية وتشديد العقوبة علي المخالفين لتصبح مانعة للتعدي. كما يتطلب الأمر وقف التوسع في كردونات القري وقصر إقامة مشروعات النفع العام علي المتخللات داخل الكردون أو في الظهير الصحراوي. وإذا كان علي الدولة الحفاظ علي الأراضي الزراعية ومنع الاعتداء عليها وصيانتها وتحسينها وتنميتها وذلك لصالح ليس فقط الأجيال الحالية وإنما أيضاً الأجيال القادمة فإنه يجب علي الدولة أيضاً مراعاة حق المواطنين في السكن الملائم. واستغلال الظهير الصحراوي لمحافظات مصر هو الأمل في تحقيق ذلك ووقف التعدي علي الأراضي الزراعية بالبناء حيث إن جميع محافظات مصر ( فيما عدا محافظة الغربية ) لها ظهير صحراوي. وإن التخطيط العمراني للظهير الصحراوي وإنشاء قري به وتوفير البنية الأساسية والمرافق والخدمات وتوفير الأرض والمرافق للمواطنين بأسعار معتدلة يمكن أن يساهم بفاعلية في حل تلك المشكلة وإيجاد بديل للتوسعات السكنية وخاصة في محافظات الوجه البحري التي يتركز بها التعدي علي الأراضي الزراعية بالبناء. كما أن الأمر يتطلب النظر في التخطيط العمراني للقري المصرية والسماح بارتفاع المباني بها وفقاً للمعايير المعمارية السليمة وبما يمكن من استيعاب عدد اكبر من الأسر الريفية التي تزداد باضطراد. وأخيراً فان العمل علي تحسين الدخول الصافية للمزارعين من خلال التزام الدولة وفقاً لما نص عليه الدستور في المادة ( 29 ) بتوفير مستلزمات الإنتاج الزراعي النباتي والحيواني وشراء المحاصيل الأساسية بسعر مناسب يحقق هامش ربح للفلاح يمكن أن يحفز المزارعين علي زيادة الإنتاج الزراعي وتحقيق الأمن الغذائي وعلي عدم التضحية بالأراضي الزراعية والتعدي عليها بالبناء أو التبوير أو التجريف.