تهدف عمليات استصلاح الأراضي إلي إضافة مساحات جديدة إلي الرقعة الزراعية الحالية بهدف زيادة إنتاج الغذاء والكساء مع المحافظة علي الأراضي الزراعية القديمة من التدهور والبوار وإعادة ما يتدهور منها إلي سابق وكامل إنتاجيته . وتحت ضغط الزيادة السكانية تساعد عمليات الاستصلاح في ضم أراض ليست زراعية بالفطرة مثل الأراضي الرملية لتصبح أراضي منتجة للغذاء مطبقين سياسة نغزو الصحراء قبل أن تغزونا وهي بذلك تسير عكس اتجاه التصحر. ولا تكتمل جهود الاستصلاح لزيادة الرقعة الزراعية إلا بالحفاظ علي المساحات الزراعية الحالية في كامل عنفوانها وحمايتها من التعديات بالبناء عليها نتيجة للزحف العمراني والصناعي تحت مسمي كردونات المدن حتي لا تصبح وكأنها مجرد تعويض عما نفقده من الأراضي الزراعية الخصبة وإحلالها بأراض قليلة الخصوبة وضعيفة الإنتاجية وبالتالي تكون المحصلة بالسالب فيما يخص الزيادة الدورية المطلوبة في المساحة المنتجة للغذاء. فعندما تشير التقارير المصرية الرسمية الواردة في دراسات هيئة الاستشعار عن بعد وعلوم الفضاء وتدعمها الدراسات الدولية الصادرة من البنك الدولي ومنظمة الأغذية والزراعة إلي أن مصر قد فقدت عبر الخمسين عاما الماضية نحو مليون وربع المليون فدان من الأراضي السمراء الخصبة في الوادي والدلتا نتيجة للزحف العمراني والصناعي علي الأراضي الزراعية علي الرغم من الفجوة الغذائية المصرية التي تتجاوز نصف ما نستهلكه من الطعام, وبالتالي يكون ما تم انجازه باستصلاحنا لمساحات مساوية في الصحراء مجرد تعويض غير متكافئ عما فقدناه من الأراضي الخصبة نتيجة للفارق الكبير في الخصوبة والقدرة الإنتاجية العالية بما يضع فدان الأراضي السمراء القديمة مساويا لخمسة أفدنة من أراضي الاستصلاح الحديثة والتي تبلغ تكاليف الإنتاج فيها في أثناء المراحل الأولي للاستزراع خمسة أضعاف تكاليف الزراعة في الأراضي القديمة وكأن الأمر بناء في جانب وهدم في الجانب الاخر. وبالتأكيد فإن أكثر من يقدر قيمة الأراضي الزراعية هو الفلاح المصري حيث ارتوت هذه الأراضي بعرقه وعرق أجداده وبالتالي فإن الأمر لا يكون بالهين عليه حين يزرع هذه الأراضي بالخرسانة المسلحة بدلا من الغذاء ويشعر وكأنه يدفن أجزاء من جسده وذاته مع تواري هذه الترب الزراعية تحت المباني الخرسانية وهو لا يفعل ذلك إلا مضطرا وتحت ضغوط أسرية شديدة الوطأة أو تحت ضغط الفقر وإغراءات العروض السخية بالشراء بمبالغ لم يكن يتصورها. لذلك كان التشريع الذي تم في تسعينات القرن الماضي بتجريم البناء والتعدي علي الأراضي الزراعية مع المحاكمة للمخالفين أمام محاكم أمن الدولة العليا حفاظا وتقديسا للأراضي الزراعية كمصنع دائم لا ينضب للغذاء وامتدادا لفكر الفراعنة بعدم البناء علي الأراضي الزراعية مهما كانت الأسباب كما هو واضح في مكان بناء الأهرامات والمعابد والمقابر الفرعونية التي بنيت في الصحاري القريبة من الوادي والدلتا, وحتي بناء بيوت الفلاحين علي الأرض الزراعية قديما كانت من الطوب اللبن من طمي التربة حتي يمكن استعادتها لو اقتضت الحاجة إليها مرة أخري أما في الزمن الحالي فلا يمكن التصور باعتماد المخطط المستقبلي لنمو القري المصرية بتوقع لمساحات جديدة لكردونات المدن والقري تبلغ نحو خمسين ألف فدان سنويا أي أننا سوف نفقد مليون فدان كل عشرين عاما ونفقد كامل أراضينا الزراعية بنهاية هذا القرن بسماحنا بالبناء عليها تعاطفا مع السلوك البشري الخاطئ بضرورة وجود الأبناء والزوجات ملاصقين للآباء في السكن وغير محتملين للوجود في الظهير الصحراوي الموجود بجميع المحافظات الذي لا يبعد بأكثر من عدة كيلومترات عن أماكن التكدس السكاني بالقري المصرية برغم أنه كثيرا ما يكون السكن المستقل للأبناء بعيدا عن الأسرة من أهم أسباب الاستقرار الزوجي. وامتد الأمر إلي الجهات الحكومية أيضا باقتراح نقل بعض الجهات الحكومية أو التعليمية إلي خارج المدن وعلي الأراضي الزراعية كما حدث في مقترح إقامة امتداد لجامعة ساحلية علي مساحة60 فدانا من أراضي مزرعة كلية الزراعة أو إقامة بعض المطارات أو المراكز التجارية أو المراسي بالمحافظات علي الأراضي الزراعية والأمر يبدو وكأن الجميع ليس بمقدر لأهمية الأراضي الزراعية كمصانع مستديمة لا تنضب للغذاء. ينبغي لنا في المرحلة القادمة التي سيعاني فيها إنتاج الغذاء في العالم من التأثيرات السلبية لتغيرات المناخ واستخدام الغذاء في إنتاج الوقود ومنافسة قطاعات الصناعة والتوسع العمراني للقطاع الزراعي في الحصول علي حصص أكبر من المياه العذبة بالإضافة إلي الزيادة السكانية التي تتطلب مضاعفة إنتاج الغذاء, بما يحتم علينا إزاء هذه التحديات استبعاد الأراضي الزراعية تماما من أي توسعات مستقبلية في السكن أو الصناعة أو المنتجعات والقصور السياحية وذلك لتوسعة المساحة التي يتكدس عليها المصريون من خلال الامتدادات الصحراوية في المحافظات وتخصيص امتداد صحراوي للمحافظتين اللتين لا تتمتعان بوجود هذا الظهير كما حدث من قبل في محافظة المنوفية بما يؤدي إلي توسعة هذه المدن في الأراضي المناسبة للسكن والصناعة لأنه لم يعد من المقبول أو المسبوق عالميا أن يترك شعب95% من مساحة بلادهم دون استغلال أوتوطين كمثل ثري يمتلك قصرا مكونا من عشرين غرفة ويتكدس وأسرته في غرفة واحدة بما يوجد أطماعا غير قانونية للغير في الصحاري المصرية الحدودية متصورين أنها لا تلزم المصريين, بل إن صرف التعويضات المناسبة لإزالة الألغام من منطقة العلمين الصحراوية لم ينظر فيها لكونها أراضي غير مأهولة وبالتالي فلا أهمية لإزالة الألغام منها. فهل آن لنا التوسع خارج الأراضي الزراعية القديمة في الأراضي الصحراوية والتي تمتلك ثروات مستقبلية واعدة ينبغي أن نخطط للاستفادة منها ؟!