في عالم يؤمن بنظرية البقاء للأقوي، ولا يعرف سوي منطق السطوة والقوة، يحاول كل طرف من أطراف اللعبة استعراض عضلاته وفرض شريعته، والاستئثار بالملعب وضربة البداية!! لذلك وجدنا د. محمد مرسي يفرض نفسه بقوة علي اللعبة منذ البداية و »يذبح القطة«، وذلك بعد أيام قليلة من اعتلائه كرسي الرئاسة، ليثبت لحلفائه قبل خصومه أن كل خيوط وأدوات اللعبة بيده، وأنه لا صوت يعلو فوق صوته، حتي وإن كان صوت القانون!! وهكذا أصدر الرئيس قراره »التاريخي« الذي أطاح بحكم المحكمة الدستورية رافعا شعار »أنا فوق القانون« ليعيد مجلس الشعب بأغلبيته الإسلامية إلي الحياة بعد أن كان في عداد الموتي، وتلك معجزة بكل المقاييس، تجعله يدخل التاريخ كأول رئيس منتخب يخرج علي الشرعية الدستورية واحترام دولة القانون بهذه السرعة الفائقة، ويدفع بشعبه وبلده إلي مصادمات وانقسامات ما أنزل الله بها من سلطان!! والحق أقول أنني كنت أتوقع ما حدث، وأشرت إليه بالفعل في مقال سابق بعنوان »سيادة الرئيس لمن نلجأ إذا جارت علينا وتغولت سلطتك؟«، وذلك بعد أن تابعت الضغوط التي تمارس علي د. مرسي من الداخل والخارج، والممارسات غير المسئولة من جماعة الإخوان وقيادتها للتحايل علي القانون والافتئات علي القضاء، كل ذلك كان لابد أن يؤدي بالضرورة إلي وقوع الرئيس في هذا »الفخ« الذي يضعه في خندق واحد مع حكام مستبدين يعلمهم التاريخ وتعرفهم الشعوب، هؤلاء الذين تصوروا أنهم فوق القانون والدولة، واختاروا شريعة الغاب ودستور القوة منهجا وسبيلا، لكنهم في النهاية اكتووا بنار استبدادهم، ودفعوا ثمن اجترائهم. وقد وصلتني رسالة تعقيبا علي هذا المقال من د. وجدي غبريال أستاذ القانون الدستوري والحريات العامة بكلية الحقوق والعلوم السياسية في فرنسا، أكد فيه أن التساؤلات التي طرحتها في سطور مقالي رددت ما تهتف به أعماق الكثيرين الذين تعنيهم حيدة وموضوعية رئيس الدولة، ويحزنه أن يري زملاء مهنة وأساتذة للقانون الدستوري في مصر يطلقون فتاوي دستورية بعيدة عن صميم علم القانون لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من سلطان ونهم للسلطة! ورغم خروج بيان استرضائي من الرئاسة، ينبيء بوجود تراجع »تكتيكي« خطوات إلي الوراء، إلا أن الواقع يؤكد أننا أمام معضلة كبيرة، فأنا علي يقين أن الرئيس مرسي قطع علي نفسه وعودا وتعهدات للجماعة وقيادتها وغيرها من الجماعات الدينية، لكنه أصبح اليوم أمام طريقين أحلاهما مر، الأول الاستناد لسلاح البلطجة والصوت العالي وتخوين القضاة والتشكيك في نواياهم، وضرب عرض الحائط بالأحكام القضائية التي تهدد كيان ووجود جماعة الإخوان ومصالح أحزاب الإسلام السياسي، وتكون النتيجة انهيار دولة القانون واستبدال شرعية القانون بشريعة الغاب، والدفع بالوطن إلي نفق مظلم! أما الطريق الثاني فيتمثل في الاستماع لصوت العقل والضمير والتمسك بقسم أقسمه بالحفاظ علي مصر وسلامة شعبها، والانصياع للشرعية ودولة القانون، ووضع مصلحة الوطن فوق مصلحة الإخوان، وفي هذه الحالة يخسر د. مرسي دعم ومساندة الإخوان، وتنقلب ضده أصوات الجماعات الدينية الأخري، ويظل في نظرهم الرجل الذي خان العهد ونقض البيعة!! أعلم أن الاختيار بالغ الصعوبة لكنه حتمي، فهل سينحاز الرئيس إلي مصر كلها علي اتساع أطيافها.. أم يظل محاصرا في عباءة الجماعة رغم ضيقها؟!