∩ياه مصر بقي تعداد سكانها 90 مليونا∪ .. قبل أيام امتلأت صفحات السوشيال ميديا بتعليقات تعكس هذه الدهشة، وكأننا كنا نسير في الاتجاه الصحيح للسيطرة علي الزيادة السكانية، ثم جاءت النتائج مخالفة لهذه الجهود. هذه الدهشة كان مبعثها أن مصر تطبق منذ سنوات برامج للتوعية بضرورة السيطرة علي الزيادة السكانية، وفي إطار هذه البرامج تختار وزارة الصحة لهذه المهمة أطباء متخصصين يتم تعيينهم بالوحدات الصحية الريفية، إضافة إلي سيدة متخصصة تعرف باسم ∩الرائدة الريفية∪. ولكن يكفي أن تقوم بجولة بين القري للتأكد من أن الأفكار القديمة حول الإنجاب لا تزال تعشش في العقول، وهذه الأفكار لا تجد طبيبا متخصصا يواجهها، ولا رائدة ريفية تبذل جهدا في التوعية بإخطارها، وأغلب الظن أن هذه الوظائف تحولت إلي مسمي ليس له وجود علي أرض الواقع. ∩مش هبطل خلفة لغاية ما أجيب الواد∪.. كانت هذه هي رؤية نسمة سلامة (31 عاما) عن الإنجاب، والتي قررت أنها لن تغيرها. نسمة التي تقيم في قرية شلقان بمركز القناطر الخيرية، رزقت حتي الآن بخمس بنات، لكنها مجبرة علي الاستمرار في الإنجاب حتي تحصل علي ذكر. يكفي أن تنظر إلي وجه نسمة الشاحب، وجسدها النحيل، لتعرف إلي أي مدي أثر الإنجاب المتكرر علي حالتها الصحية والبدنية، ولكن كل ذلك لا يهم، لأن البنت ∩مبتورثش، ولازم أجيب اللي يورث∪، علي حد قولها. إذا رزقت بالولد ستتوفقين عن الإنجاب؟ ∩ردت علينا نسمة بابتسامة، يفهم منها أنها لن تتوقف، وهو الرأي الذي عبرت عنه جارتها إيمان مرزوق ∩ 27 عاما∪ بالقول بشكل مباشر وواضح و∩أنا مخلفة 3 ولاد، وعايزة أجيب تاني، عشان جوزي عايز عزوة∪. وتمثل ∩العزوة∪ واحدة من الأفكار القديمة بخصوص الإنجاب، ولا تزال تعشش في عقول الريفيات، ومنهن إيمان، التي فسرت ما تعنيه بالعزوة قائلة: ∩جوزي كان الولد الوحيد و نفسه في عزوة وحماتي عايزاني أجيب 12 مش فارق معاها∪. وأين إعلانات ∩ حسنين ومحمدين∪؟.. وإعلانات ∩الراجل مش بس بكلمته∪؟.. ألم تترك هذه الإعلانات أثرا في تفكير إيمان وغيرها من السيدات؟ تؤكد الدراسات الإعلامية أن الإعلانات وحدها لا تكفي، ولابد أن يسير جنبا إلي جنب معها ما يعرف بالرسالة الإعلامية المباشرة، والتي توجه للسيدات وجها لوجه. الحكومة بدورها في فترات سابقة، تجاوبت مع النصائح وأصبح هناك في كل وحدة مركز متخصص في تنظيم الأسرة يضم طبيبا أو طبيبة لاختيار وسائل منع الحمل الملائمة للسيدات، وكذلك رائدة ريفية تقوم بتوعية النساء من خلال جلسات تعقد في الوحدة أو من خلال المرور علي المنازل ومخاطبتهن بشكل مباشر. لكن النتيجة التي توصلت لها الأخبار في جولتها أن هذه المراكز صارت ∩ديكور∪ مفرغا من أي مضمون، وهو ما ظهر بشكل واضح في حالة الدهشة التي ارتسمت علي وجهي إيمان ونسمة ونحن نسألهما عن الدور الذي لعبته معهما الرائدة الريفية وطبيب تنظيم الأسرة في الوحدة الصحية لتغيير تلك الأفكار. إيمان تساءلت مستنكرة: ∩ يعني ايه رائدة ريفية ؟ ∩وقالت نسمة:∪ لا تذهب إلي الوحدة الصحية إلا لإعطاء الأطفال التطعيمات∪. لم يكن من الصعوبة اكتشاف الأسباب التي غيبت شعور هاتين السيدتين بوجود أطباء تنظيم الأسرة والرائدات الريفيات، فيكفي أن تقوم بزيارة الوحدات الصحية لمعرفة الحقيقة. في قرية شلقان دخلنا إلي الوحدة الصحية، ووجدنا غرفة طبيب تنظيم الأسرة مغلقة، فسألنا أحد الممرضين عنه، فطلب منا الانتظار دقائق، لأن الطبيبة تنهي بعض الأوراق في مبني إداري تابع للوحدة. دقائق وجاء طبيب عرف نفسه بأنه ∩ د.محمود∪ وهو تخصص أطفال، فسألناه عن طبيبة تنظيم الأسرة، فقال إنها في اجتماع بالإدارة. ثم قال نيابة عن زملائه الغائبين: ∩المركز يعقد 3 جلسات توعية أسبوعيا لنساء القرية يحضرها حوالي 30 كحد أقصي، كما يوجد 3 رائدات ريفيات يعملون بالوحدة يقومون بزيارة نساء القرية لتوعيتهن∪. في كفر صراوة مركز أشمون بمحافظة المنوفية، لم يكن الوضع أفضل حالا، فالغياب الكامل لدور الوحدة الصحية هو الذي دفع بأم حسن ∩ 45 عاما∪ لأن تزوج إحدي بناتها في سن ∩ 17 سنة∪. وتحكي قصة إحدي بناتها وتدعي سعاد، فتؤكد أنه كانت لديها رغبة في تنظيم النسل، لكنها لم تجد من يساعدها في الوحدة الصحية. وتقول: ∩ذهبت ابنتي الي الوحدة الصحية وهي تحمل ابنها الرضيع واولادها الصغار الي عيادة تنظيم الاسرة لمعرفة وسائل منع الحمل واتخاذ وسيلة تناسبها، ولكن الوحدة كانت خالية من جميع وسائل منع الحمل∪. الابنة إذن كانت لديها الرغبة في التنظيم لكنها لم تجد ما يساعدها، بسبب إهمال الوحدات الصحية، وهو ما تكرر مع حالة أم عمر التي التقتها الأخبار في قرية بلقيس بمركز قليوب في القليوبية.