يقدم الكاتب القدير محمد العزبي في كل سطر من كتابه «الصحافة والحكم» عبرة وفي كل صفحة حكمة، وهو لا يكتفي بأن يقدم عصارة تجربته، بل يهضم عصارات أساطين المهنة ( مصطفي أمين وجلال الدين الحمامصي ومحمد حسنين هيكل وأحمد بهاء الدين وموسي صبري) ويعطر بها فصول كتابه. تشريح سهل وتأريخ ممتع لأحوال المهنة منذ تأسيس نقابة الصحفيين عام 1941 حتي اليوم، لابد أن تأسي بعده لأن أدواء المهنة ومتاعبها مع الحكم لازالت كما هي منذ الستينيات. ينقل العزبي عن مصطفي أمين:» إن الحكومة تعرف أخبار الصحف والصحف لا تعرف أخبار الحكومة، والدولة تراقب الصحفيين بعد أن كانت مهمة الصحفي مراقبة الدولة، ومهمة الصحف أن تصفق للوزراء وتزغرد للحكام». ويأسي العزبي لانتشار البصاصين في الصحف، فيروي ثلاث حكايات عن أحقر مهنة (التجسس علي الزملاء). الأولي: عندما طلب علي صبري من فتحي غانم تولي رئاسة مجلس إدارة دار التحرير، اشترط غانم أن يعرف أسماء عملاء أجهزة الأمن في المؤسسة، أعطاه الأسماء فيما عدا المكلفين بمراقبته شخصيا، وأخبر فتحي غانم أسماء من هم في قسم الفن لسمير فريد». الحكاية الثانية: علق الناقد الأدبي أمير اسكندر لافتة بمكتبه في الجمهورية تقول: يرجي من الزملاء كتاب التقارير مراعاة الدقة. بعد أيام جاءه لواء من أمن الدولة: لماذا تسخرون ونحن نحميكم؟ قال أمير: يا سيادة اللواء أنا مثلا أقول فلان ابن كذا، فيكتب في التقرير ابن ستين كذا، فلماذا ادفع ثمن ال 59». والثالثة: روي الأستاذ أحمد بهاء الدين أنه سأل ممدوح سالم وكان وقتها وزيرا للداخلية : لماذا تعتمد أجهزة الأمن علي تقارير يقدمها صحفيون من الفاشلين والكاذبين، أجابه الوزير: ايدي علي ايدك هاتلي صحفي ابن ناس وموهوب لو كان يرضي يشتغل «ناضورجي». ورغم الصدق الواضح في كلمات محمد العزبي، إلا أنه يزن كلماته بميزان الفطنة والكياسة، فلم يسيء لأحد بكلمة أو لفظ وترك لكل قاريء لكتابه أن يستنتج صاحب هذه القصة الشائنة أو تلك، ومع ذلك يحسب لكاتبنا أنه انتصر في كل فصول كتابه لحرية الرأي فيحكي عن أحد الولاة أنه سمع شيخا من الزهاد المصريين يقول للناس في دروسه: لو أن معي عشرة أسهم لرميت الصليبيين بواحد ورميت حكامنا بتسعة، فسأله: هل قلت ذلك؟ أجابه: قلت لو معي عشرة أسهم لرميتكم وحاشيتكم بتسعة ورميت العاشر فيهم أيضا، غضب الوالي وأمر بقطع لحمه قطعة قطعة حتي يموت، نسي التاريخ اسم الوالي وذكر اسم: ابن محمد بن سهل. آخر مسك الكتاب ينقله العزبي عن موسي صبري وهو علي فراش الموت حين همس لأحمد عباس صالح: الآن أفكر في أننا خدعنا جميعا خدعة كبيرة وأن المتصارعين من أجل السلطة قد استخدمونا لمصالحهم أسوأ استخدام».