د. أحمد عمر هاشم من أجل مستقبل واعد، تشرئب إليه الأعناق، وترنو إليه عيون الأجيال، وتسجله مشاهد الحياة، وتعيه ذاكرة التاريخ، لابد أن يكون مجتمعا واحدا لا تفرقة فيه، ولا تشرذم بين قواه، ولا تفوح فيه رائحة الأهواء المشبوهة، لابد أن نستقبل شمس الوفاق والأمل، بالحب والعمل، حتي تسطع في ربوع أمتنا، في عهد جديد، ومناخ نقي سعيد. ولا يتحقق هذا والبعض يتربص الدوائر بغيره، أو يستأثر الغير بالخير دون سواه، لا يتحقق ما تصبو إليه الأجيال وسلسلة الشغب والبلطجة والجمود والركود في تربص وعدوان. اننا نقترب من مرحلة يقود فيها المسيرة راع.. يختاره الشعب بإرادته الحرة. ومن أهم الواجبات المنوطة بمن نختاره، أو من يفوز بهذا الاختيار أن يوطد نفسه ليكون رئيسا لكل المصريين فلا يتعصب للفصيل الذي انتمي إليه أو رشحه، بل عليه أن يتعامل مع الجميع بمبدأ العدل والمساواة، فلا يتعصب لتيار دون غيره ولا ينحاز لبعض القوي، بل عليه أن يقود المسيرة بتجرد وعدالة، وأن يتعامل مع الجميع معاملة واحدة تتسم بالمساواة. كما ان من أهم ما يتسم به الشعب أن يتعاون مع من يفوز باختيار الشعب، فلا ينظر إليه علي انه لم يكن من الفصيل الفلاني أو التيار المعين، بل علي الشعب أن يتعاون بكل أطيافه مع القائد الفائز في الاختيار، وأن تكون الطاعة له في المعروف كما قال الرسول صلي الله عليه وسلم: »إنما الطاعة في معروف«. وقد أمر الله تعالي الرعية بطاعة الله وطاعة الرسول وطاعة أولي الأمر، فقال الله تعالي: »يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم« فوضحت الآية الأمر الإلهي بطاعة الله ثم بطاعة رسول الله وفي هاتين المرتبتين كان يتكرر فعل الأمر بالطاعة.. »أطيعوا الله وأطيعوا الرسول« وأما عند الأمر بطاعة أولي الأمر فلم يكرر الفعل بل قال: »وأولي الأمر منكم« ثم اشارة إلي أنهم ليست لهم طاعة مستقلة بل طاعتهم متدرجة في طاعة الله ورسوله فحيث كانوا علي طاعة الله ورسوله كانت طاعتهم أما لو كانت في غيرهما بأن كانت في معصية فمعلوم انه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. ولذا كان الخليفة الأول وهو أبوبكر الصديق رضي الله عنه يقول: (أطيعوني ما أطعت الله فيكم فإذا عصيته فلا طاعة لي عليكم). ويقرر إقامة العدالة والمساواة لا فرق بين قوي وضعيف أو غني وفقير فقال: (القوي فيكم ضعيف عندي حتي آخذ الحق منه، والضعيف فيكم قوي عندي حتي آخذ الحق له). وها نحن نعبر ماضينا وأخذنا منه العبرة ونعيش حاضرا نضاعف فيه العمل والانتاج والتنمية ونتأهب لمجتمع جديد ومستقبل واعد، نتطلع إليه وكلنا ثقة بأن واجبنا أن نصحح المفاهيم وأن يراقب كل منا ربه في السر والعلانية، وأن نستعيد أمجادنا وأخلاقنا، فبالأخلاق تسود الأمم وبضياع الأخلاق تضيع الأمم، كما قال الشاعر: وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا ولنستنبئ التاريخ عن أخبار أمم وتاريخ دول اعترتها بعض الشدائد، فقامت من كبوتها تستعيد نهضتها وتبني مستقبلا واعدا مشرقا، فصارت أقوي مما كانت ونافست غيرها وتقدمت الصفوف حين أخذت الدرس من الماضي، وتضامت في الحاضر، وقامت بالعمل والاخلاص تستقبل المستقبل العظيم. فإذا ما أصبح المجتمع واحدا، واعتصمنا بحبل الله جميعا ولم نتفرق، ولم تترك الانتخابات والترشيحات والتنافس بعض الرواسب التي تؤثر علي قيام المجتمع الموحد القوي، واستطعنا وقف الصراعات، وصفت القلوب سننهض بوطننا قدما إلي الأمام. إننا ندعو أبناء الوطن أن ينبذوا العصبية حتي يستطيعوا النهوض والتقدم وقد حذر الرسول صلي الله عليه وسلم من العصبية حيث قال: (ليس منا من دعا إلي عصبية) فمن كان بينه وبين غيره من الناس أو من قوي المجتمع أو أطيافه بعض الخلافات أو البغضاء فعليه أن يتجاوز ذلك في هذه المرحلة التي نسعي فيها لبناء المجتمع الجديد، ولنستمع لقول الحق سبحانه: »ولا يجرمنكم شنآن قوم علي أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوي«. ومما ينبغي علينا مراعاته في مرحلة الصياغة الجديدة للمجتمع الجديد التدرج والتيسير وألا نشق علي الناس، وأن ندعوهم بالحكمة والموعظة الحسنة وألا نحملهم بالقهر والعنف. فإذا أردنا النجاح في عبور هذه المرحلة، وإقامة مجتمع فاضل، فعلينا أن نكرس الجهود في جمع الكلمة ولم الشمل وتوحيد الصفوف، وتنقية النفوس مما علق بها؛ فإن رسول الله صلي الله عليه وسلم عندما بني المجتمع المدني بعد الهجرة، عمل جهده في توحيد الصفوف وغرس الأخلاق الفاضلة والمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، وابرام وثيقة المدينة بين المسلمين وغيرهم، فاستطاع بغرس الأخلاق والقيم أن يصوغ المجتمع الفاضل الذي تحققت علي يديه بعد ذلك، الانتصار في الغزوات والكثير من الفتوحات، وجاء نصر الله والفتح ودخل الناس في دين الله أفواجا. وعندما فتح الله تعالي عليه مكةالمكرمة بعد ذلك رفض مقولة فيها اعتداء وفخر وهي »اليوم يوم الملحمة« وقال: بل قولوا: اليوم يوم المرحمة، وقال ما تظنون اني فاعل بكم؟ قالوا خيرا أخ كريم وابن أخ كريم قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء وعفا عنهم خاتم الأنبياء عليه أفضل الصلاة وأتم السلام.. وأعطي الأمان للجميع قائلا: من دخل البيت فهو آمن، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن، ولما قيل له: إن أبا سفيان رجل يحب الفخر فاجعل له شيئا يارسول الله، قال: ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن. هذا هو منهج قدوتنا ورسولنا عليه أفضل الصلاة وأتم السلام، فإذا أردنا أن نحقق الأمان، والنجاح والاطمئنان فعلينا بمنهج رسولنا صلي الله عليه وسلم الذي قال: (تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وسنتي).