* يسأل حمادة مجاهد من دمياطالجديدة: هل طاعة الحكام مشروطة بعدالة الأحكام؟ ** يقول الشيخ عثمان عامر مدير الإعلام بمنطقة دمياط الأزهرية: تحتاج كل أمة من الأمم أو جماعة من الجماعات إلي قيادة واحد منها تختاره من بين أفرادها ليتولي شئونها حتي تنتظم أمورها ولا تدب الفُرقة في صفوفها. ويجب علي كل إنسان يصلح للقيادة والريادة فيها أن يتصدي لهذه المسئولية بأمانة ولا يهرب منها لأنه إذا لم يتول الصالح من الناس مكان القيادة قفز إلي سدة الحكم الطالح فنشر الفساد وبث الرعب في صدور الناس. قال الأفوه الأودي وهو من حكماء العرب لا يصلح الناس فوضي لا سراة لهم... ولا سراة إذا جهالهم سادوا تهدي الأمور بأهل الرأي ما صلحت... فإن تولت فبالأشرار تنقاد واالسَّراة: الشرفاء ذوو المروءة من الناس. جمع السَّري. ومن أقواله صلي الله عليه وسلم إذا كنتم ثلاثة فأمروا أحدكم رواه البزار والطبراني عن ابن مسعود وابن عمر رضي الله عنهما. وقد علق ابن تيمية علي هذا الحديث بقوله: فإذا كان قد أوجب أي النبي صلي الله عليه وسلم في أقل الجماعات. وأقصر الاجتماعات أن يتولي أحدهم كان هذا تنبيهاً علي وجوب ذلك فيما هو أكثر من ذلك ص12 الحسبة في الإسلام وإذا كان علي الرعية أن تختار حاكمها وولي أمرها فعليها أن تطيعه كذلك. إلا أن طاعته وإن كانت واجبة إلا أنها ليست مطلقة وإنما هي مقيدة. قال تعالي: "إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلي أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعاً بصيراً. يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلي الله والرسول..." الآيتان 58. 59 من سورة النساء وبنظرة واعية متأنية علي هاتين الآيتين نلاحظ ملاحظتين: أولاهما: أن الله تعالي أمر ولاة الأمور من الحكام أن يؤدوا الأمانات إلي أهلها وأن يحكموا بالعدل. ثم عطف الأمر بطاعة الرعية للحكام وولاة الأمور علي طاعة الله ورسوله إلا أنه لم يذكر فعل الأمر "أطيعوا" مع الحكام كما ذكرها في طاعة الله ورسوله وذلك دلالة علي أن ولاة الأمور من الحكام مشروطة بطاعتهم لله ورسوله.. قال الإمام الرازي في سياق تفسيره هاتين الآيتين: اعلم أنه تعالي لما أمر الرعاة والولاة بالعدل في الرعية أمر الرعية بطاعة الولاة فقال: "يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم".. ولهذا قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه حق علي الإمام أن يحكم بما أنزل الله ويؤدي الأمانة فإذا فعل ذلك فحق علي الرعية أن يسمعوا ويطيعوا ج1 ص112 التفسير الكبير. ويؤيد ما ذهب إليه هذا الإمام ما روي عن عبدالرحمن السلمي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: بعث رسول الله صلي الله عليه وسلم سرية واستعمل عليهم رجلاً من الأنصار فلما خرجوا وجد عليهم أي غضب منهم في شيء فقال لهم: أليس قد أمركم رسول الله صلي الله عليه وسلم أن تطيعوني؟ قالوا: بلي قال: اجمعوا لي حطباً. ثم دعا بنار فأضرمها فيه ثم قال: عزمت عليكم لتدخلنها فهم القوم أن يدخلوها. فقال لهم شاب منهم: إنما فررتم إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم من النار فلا تعجلوا حتي تلقوا رسول الله صلي الله عليه وسلم فإن أمركم أن تدخلوها فادخلوها قال: فرجعوا إلي سول الله صلي الله عليه وسلم فأخبروه فقال لهم: لو دخلتموها ماخرجتم منها أبداً. إنما الطاعة في المعروف رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما وأحمد في مسنده. ثانيتهما: أن الله تعالي رد الطاعة عن الحكام إلي الله ورسوله عند التنازع ومخالفة الحق. فعن أبي حازم: أن مسلمة بن عبدالملك قال له: ألستم قد نزعت عنكم إذا خالفتم الحق بقوله تعالي: "فإن تنازعتم في شيء فردوه إلي الله والرسول" ج1 ص524 الكشاف للزمخشري. ومن هنا ندرك أن طاعة الرعية للحكام مشروطة بتطيق الأحكام وطاعتهم لله ورسوله.