ما حكاه الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) في زيارته الأخيرة بالقاهرة يستحق أن نتوقف عنده، كان أبو مازن يتحدث عن المباحثات السرية بين حماس وإسرائيل، أمر هذه المباحثات لم يعد سراً، هو (السر العلني) الذي يتحدث عنه الجميع، حماس وحدها تلتزم الصمت، لا نفي ولا إثبات. الرئيس الفلسطيني ذكر أيضاً أن الرئيس المعزول محمد مرسي عرض عليه مساحة ألف كيلو متر مربع، من سيناء تضم إلي غزة، عند منطقة الحدود، ورد أبو مازن بالرفض، لأنه لا يقبل المساس بالأراضي المصرية ولا يريد أن تحل القضية الفلسطينية علي حساب الشعب المصري، فرد عليه دكتور محمد مرسي قائلاً «وإنت مالك». ولما أثير الأمر قبل ثورة 30 يونيه بأيام، راح الإخوان ومن معهم من المتأخونين يقسمون بأغلظ الأيمان أن رئيسهم لم يفكر في ذلك وأن الأمر لا يعدو كوناً تسريباً معادياً لهم، ثم أخذت الوقائع والحقائق تتري حول هذا الموضوع من الداخل الإسرائيلي تارة ومن الأطراف الأوروبية تارة أخري، بينما كان الجانب الفلسطيني يؤكد ويقطع بالأمر، وكذلك بعض مؤسسات الدولة المصرية خاصة منها المعنية بشئون الأمن القومي. لم يتحدث الرئيس أبو مازن من قبل، في هذا الموضوع، بذلك التفصيل ولا بتلك الصراحة، أشار هو - من قبل - إلي الأمر تلميحاً.. المشروع الصهيوني في استقطاع جزء من سيناء ليس جديداً، الفكرة قائمة منذ أيام «هرتزل» وكانت تهدف إلي جعل سيناء مقر «الوطن القومي لليهود»، وفشل المشروع تماماً، لأسباب عدة من أهمها رفض المسئولين المصريين ذلك التصور منذ مطلع القرن العشرين، ثم تطور الأمر بعد إقامة دولة إسرائيل، وكان الهدف ضم غزة إلي سيناء ومصر وتتحمل مصر مسئوليتها نهائياً، شريطة طرد كل الفلسطينيين إلي هذه المنطقة وإنهاء مسألة اللاجئين الفلسطينيين بعد حرب 1948، الذين لهم حق العودة طبقاً لقرار الأممالمتحدة، ومرة أخري فشل هذا التصور أمام إصرار مصر والمصريين علي السيادة الكاملة علي سيناء، وهذا ما تحقق في مفاوضات الرئيس السادات مع الإسرائيليين. لكن مشروع الألف كيلو متر عاد إلي التجلي في الذهنية الإسرائيلية بعد فشل اتفاقية أوسلو، وكان الجديد هذه المرة أن يتبني هذا المشروع الفصيل الحاكم في غزة «حماس»، ثم يصل إلي أن يتبناه الفصيل الذي تولي الحكم في مصر من 30 يونيه 2012 وحتي 30 يونيه 2013، أقصد جماعة الإخوان الإرهابية، ولم يعد سراً أمر خطط خيرت الشاطر لهذه المنطقة، ويفاجئنا الرئيس أبو مازن بتفاصيل العرض المقدم له من محمد مرسي. في مطلع القرن العشرين رفض لورد كرومر المندوب السامي البريطاني المشروع الصهيوني علي أرض سيناء، وتمسك بالحدود الدولية لمصر، كما رفض أيضاً مشروع السلطان عبد الحميد لإنتزاع طابا من مصر، وقد وقفت النخبة «العلمانية» في مصر آنذاك بقيادة لطفي السيد دفاعاً عن حدود مصر، فكان أن اتهموا من اتباع السلطان عبد الحميد بالكفر ومازالوا متهمين بالكفر إلي اليوم، وذلك لأنهم تمسكوا بمصرية طابا وسيناء كلها. ما حكاه أبو مازن يكشف أننا، لأول مرة أمام حاكم مصري، عرض التنازل عن جزء من سيناء لحل مشكلة إسرائيل مع اشقائنا الفلسطينيين، ولما أثبت الرئيس الفلسطيني أنه رجل دولة يدرك أبعاد المشكلة، قال له مرسي «وإنت مالك»، نري هل مازال لدي بعضنا شك في حقيقة ذلك التنظيم الذي اختلس حكم مصر في غفلة من الزمن، وهل مازال لدينا شك في حقيقة فرع ذلك التنظيم بغزة. ومن مفارقات ذلك التنظيم الإرهابي أن يدفع بعض أذنابه إلي إغتيال الرئيس السادات الذي حرر سيناء بالحرب وبالسلم، بينما يقدس ذلك التنظيم الرجل الذي أراد التفريط في جزء من سيناء وتقديمه «هدية» إلي الشعب الإسرائيلي، الذي تمني له « الرغد والإزدهار» في رسالته الفاضحة إلي شيمون بيريز. مصر محروسة بإذن الله، حتي حين ظهر فريق من المصريين يريد التفريط في شبر منها قيض الله، غير المصري، وإن كان مصرياً بالروح، يرد عنها وهذا ما فعله الرئيس أبو مازن.