سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
المدارس المسائية لا تربية .. ولا تعليم أولياء أمور : لا يوجد وقت للتعليم أو الأنشطة.. والفتيات يتعرضن للخطر
الطلاب: اليوم يضيع هدرا.. ومافيش وقت نتعلم .. المعلمون : «التكدس أزمة» «والاستيعاب أقل»
مأساة مكتملة الأركان..حين يصبح العلم مجرد " تأدية واجب" و" أشغال شاقة " ففي مدارس الفترة المسائية تجد الطلبة والطالبات من مختلف الاعمار يعانون الامرين. حقائب مزدحمة بالكتب والكشاكيل وزحام في الدخول والخروج وتكدس في الفصول وغياب شبة تام للأنشطة وضياع للوقت ناهيك عن ضعف تحصيل الطلاب وقصر مدة الحصص وتعرض الطالبات لمضايقات اثناء عودتهن لمنازلهن والنتيجة..لا تربية ولاتعليم ولا رقابة... " الأخبار " ترصد في هذا التحقيق معاناة طلاب مدارس الفترة المسائية وأولياء امورهم ورؤية المعلمين والخبراء للمشكلة وسبل حلها أستاذة علم اجتماع : اليوم الكامل الأنسب تربويا خبير تربوي : نحتاج 27 ألف مدرسة جديدة للقضاء علي المشكلة قمنا بجولة علي عدد من المدارس التي تعمل بنظام الفترة المسائية لنشاهد بها « العجب» فقد صدمنا في البداية بمشاهدة مشاجرة بين إحدي طالبات الصف الرابع الإبتدائي حين كانت ترتب حقيبتها استعداداً للخروج من المدرسة و طالبة أخري بالصف الثالث الثانوي التجاري للفترة المسائية بذات المدرسة وهي مدرسة الشهيد مجدي محمد حسن « العبور سابقاً « بأحد شوارع بولاق الدكرور، حيث خرجت الطفلة التي لم تتعد 9 سنوات وهي منهارة بالبكاء وتصرخ وتلتفت حولها في محاولة منها للبحث عن معُلم أو مسئول يغُيثها، وحين أسرعنا نحوها أخبرتنا قائلة : « طالبة من بتوع الثانوي التجاري ضربتني بشدة وشتمتني بكلمات وحشة جدا « واثناء صراخها اقترب احد المعلمين ليعرف المشكلة وحينها جاءت طالبة الثانوي وقالت « ايوه ضربتها لانها بتعايرني إني دخلت ثانوي تجاري وبتقول نفسها لما تكبر تطلع دكتورة». للأسف لم تقتصر المأساة علي هذا المشهد المؤسف الذي يلخص خطورة جمع المراحل التعليمية في مدرسة واحدة فترتين وهم في مراحل عمرية مختلفة، فبمجرد علم أولياء الأمور بوجود تصوير خارج المدارس انهالوا علينا بالشكاوي لوصف معاناتهم، حيث يقول مجدي مسعود علي، ولي أمر طالبة بمدرسة دار مسلم : « المشكلة أن معظم مدارس الفترات المسائية بتكون في اماكن شعبية او قري وريف وهذا يُشكل خطرا علي بناتنا، فأنا أضطر كل يوم للاستئذان من عملي لمدة ساعة كي أذهب إلي المدرسة واصطحب ابنتي في يدي خوفاً عليها من تعرضها للمخاطر خاصة في فصل الشتاء، إلي جانب أن مواعيد الدراسة في المساء غير مناسبة وتضيع الوقت وتحول الطالب او الطالبة إلي « ماكينة» تحفظ ما تفعله كل يوم دون أن تمنحهم فرصة للفهم». حلول متوقفة بينما عبر عبد الباري حسن - ولي أمر- لاحد الطلاب بمدرسة جمال عبد الناصر ورئيس مجلس أمناء بولاق الدكرور عن استيائه وقال: للاسف نعاني من التكدس ومن المشكلات التي تحدث كل عام بسبب خروج الطالبات في وقت متأخر وايضاً عدم الاستفادة ولكن هناك عرقلة من قبل الحكومة فنحن في عام 2005 قمنا بتجميع 45 مليون جنيه من مرشحي مجلس الشعب وقتها كتبرعات من قبل بعض المدارس الخاصة وقمنا بشراء ارض وتم بناء مجمع مدارس بكفر طهرمس بجوار سوق الثلاثاء من أجل حل المشكلة واليوم نحاول مع الحكومة ان تمد لنا يد العون لان هناك مساحات مازالت متوفرة بنفس المكان وكل مانحتاجه من الحكومة هو توفير المبني ونحن معنا الارض ولكن للاسف « ودن من طين.. وودن من عجين» وتقول امل محمدين، ولي امر لأحد طلاب مدرسة ابطال العبور الإبتدائية بالمطرية : « للاسف ابني في المرحلة الابتدائية وكل يوم يأتي وهو يتحدث بلغة غريبة أو يتلفظ بألفاظ خارجة وبالفعل بعد عقابه اكثر من مرة ذهبنا إلي المدرسة لنتحقق من الامر فوجدنا ان الطلاب الآخرين في المراحل التعليمية الاخري الاكبر منه سناً يؤثرون عليه وهو مازال طفلاً لا يفهم ما يقوله «. مشكلات الطلاب وتقول هبة الله محمد، طالبة بالمرحلة الثانوية : « احنا بنتعذب ومش بنستفيد اي شيء..جسمنا مش بيرتاح ومش بننام كويس لاني بخلص مدرسة حوالي 6ونص مساءً ولحد ما أوصل المنزل بعد المواصلات تكون الساعة8 مساءً بيكون مخي فصل مش بقدر استوعب اي دروس ويادوب بحاول افتح عيني واحضر الجدول لثاني يوم وهكذا وحين استيقظ احاول ان احضر درس قبل المدرسة واذهب للمدرسة يكون ذهني تشبع وغير قابل لاستقبال اي معلومات وهكذا». بينما يسرد محمود عبد الرحمن معاناته ويقول : « فترة مسائية يعني اهلا بالدروس الخصوصية يعني احنا مش بنلحق نفهم والحصص بتكون قصيرة جدا وكمان معظم المدرسين بيكونوا مشغولين ومش بيشرحوا زي الصبح». تظاهر بالاهتمام ومن جانبها أكدت الدكتورة ثرُيا عبد الجواد، أستاذ علم الاجتماع القانوني بجامعة المنوفية، أن جميع دراسات علم النفس والاجتماع أثبتت أن الإنسان بطبيعته يكون قادرا علي الإنجاز والفهم وبذل الجهد والطاقة في الفترة الصباحية أكثر من المسائية وبالتالي نظام مدارس الفترتين يمُثل خطرا يداهم التعليم في مصر وأشارت إلي أن السياسات التعليمية الخاطئة ونقص الإمكانيات من أبرز العوامل المساهمة في تفشي تلك الظاهرة وعبرت عن شدة استيائها من الفكر الُمتبع لتطوير التعليم في مصر قائلة : « الدول المنكوبة هي التي تكتفي بالتلويح والتظاهر بالاهتمام بالتعليم أمام الجميع وفي الحقيقة أنها تتركه ولا تضعه أمام أعينها «، وتابعت : « اليوم الكامل في المدارس هو الأنسب تربويا حيث تكون هناك فترة للراحة بين الحصص المدرسية يمارس فيها الطالب الأنشطة المختلفة، فبالطبع هناك حصص مخصصة للنشاط المدرسي كالتربية الرياضية والفنية والموسيقية ولكن هناك أنشطة أخري يدخلها التلميذ أو الطالب برغبته مثل الأنشطة الثقافية كالقراءة أو اعداد البحوث المتعلقة بظواهر معينة كالمشاكل البيئية في محيط المدرسة وبالطبع نظام الفترتين لا يتيح للطالب تنفيذ هذه الأنشطة ويحرمه من الأنشطة التي تنمي مواهبه وقدراته».
ظلم يولد عنف ! بينما قال الخبير التربوي عبدالحفيظ طايل، مدير مركز الحق في التعليم، أن التعليم في مصر في ذيل أولويات الحكومة، مشيراً إلي أن ما يحتاجه التعليم ليس بسيطاً من أجل نهضته والحكومة إن أرادت شيئاً فعلته مهما كان الأمر صعباً وخير دليل علي ذلك عزيمتها التي ظهرت في حفر قناة السويس الجديدة قبل عام واحد رغم صعوبته. واستطرد قائلاً : « كي نتخلص من مشكلة مدارس الفترتين علي الأقل فنحن نحتاج إلي بناء 27 ألف مدرسة كي تحتوي علي حوالي 810 آلاف فصل وهذا يعني أننا نحتاج إلي ضعف عدد المدارس المتاحة حالياً مع الأخذ في الاعتبار أن 23 % من تلك المدارس مبانيها تشُكل خطورة علي الطلاب وتحتاج إلي صيانة. وأكد أنه طبقاً لهيئة الأبنية التعليمية والخُطة التي أعدتها بوزارة التربية والتعليم وكي لا تتفاقم تلك الأزمة مع زيادة التعداد السكاني في السنوات المقبلة، لابد أن تقوم الدولة ببناء 40 ألف فصل سنوياً حتي عام 2017، ولكن الواقع أن ما يتم تنفيذه هو 8 آلاف فصل فقط واستنكر « طايل « استمرار المدارس المسائية قائلاً : « مسألة تكدس المدارس بالطلبة في الفترتين وتكدس الفصل ليشمل حوالي 120 طالبا أو طالبة يعني أنه من المستحيل ان يحدث تعليم وتعلم، لانه من الطبيعي ألا يوجد معُلم يستطيع متابعة فصل بهذه الكثافة، فما بالنا بالذي يحدث بالمدارس ذات الفترتين، حيث أن الحصة في مدرسة الفترة الواحدة 45 دقيقة وبالنسبة للمرحلة الثانوية 50 دقيقة وبنظام المحاضرة 120 دقيقة، بينما الحصة في المدارس المسائية لا تتجاوز 35 دقيقة وفي المحاضرة 70 دقيقة اي نصيب كل طالب بمفرده عند المُعلم اقل من دقيقة في اليوم « وعن مشكلة دمج مختلف المراحل التعليمية في مدرسة واحدة يقول : « هذا يخلق ما يسمي ثقافة المزاحمة بحيث ان الطلاب يقومون بتوجيه الطاقة الغاضبة المكمونة بداخلهم بسبب انتهاك حقهم في التعليم ضد اقرانهم من الطلاب الآخرين وهذا ما نراه في عنف سواء لفظيا او بدنيا». دمج المراحل ! و يطالب محمد علي، معُلم لغة إنجليزية، بأن يتم وضع حلول لمشكلات المدارس التي تعمل فترتين مؤكدا أن الضرر يقع علي طلاب الفترة الصباحية والمسائية معاً موضحا : « في الغالب تكون الفترة الصباحية خاصة بطلاب المرحلة الإبتدائية والإعدادية ثم بعد ذلك في الفترة الأخري تكون المرحلة الثانوية وهنا تقع الكارثة أثناء خروج الفترة الصباحية ودخول الفترة المسائية حيث يحدث كل يوم العديد من المشادات بين طلاب المرحلة الابتدائية والإعدادية والثانويةوهذا أمر طبيعي، فهناك فرق في التفكير والتعبير والمراحل العمرية بين الطفولة والمراهقة، إلي جانب أن الفترة الثانية تؤدي إلي حرمان التلاميذ من ممارسة الأنشطة وتتسبب في ضعف التحصيل العلمي أيضاً «. استيعاب أقل وأكد ممدوح الحسيني - معُلم رياضيات- أن استيعاب الأطفال لا يكون بالمستوي المطلوب في الفترة الثانية... فضلا عن المخاطر التي تعترض طريق الفتيات اللائي يدرسن في هذا التوقيت خاصة في الريف وبعض الأماكن الشعبية واستكمل حديثه قائلاً : « إلي جانب ذلك نري ظاهرة سلبية أخري تصاحب هذا النظام وهي ضعف مستوي التحصيل، وانخفاض الرعاية الأسرية والرقابة والمتابعة للأبناء وعدم الاستذكار وأداء الواجبات المدرسية بالكفاءة المطلوبة... وبذلك يجب القضاء نهائيا علي نظام الفترتين في المدارس، وتطبيق نظام اليوم الكامل، صحيح أن المشكلة بدأت تأخذ طريقها للحل في ظل بناء مدارس جديدة، لكننا نريد أن نقضي عليها نهائيا لأنها ظاهرة سلبية تعوق جهود التطوير التي تتبعها وزارة التربية والتعليم حاليا.». واضاف ان نظام الفترتين يهدر الحق الطبيعي للطالب في ممارسة الانشطة.. وتنمية قدراته ومواهبه، وهنا لابد من المقارنة بين3 أنماط من التعليم الحكومي والتجريبي والخاص.. ففي المدارس الحكومية يجري العمل بنظام الفترتين، وهناك عجز في عدد المدرسين، ونقص في عدد المدارس واليوم الدراسي مضغوط ولايتم ممارسة الأنشطة غير المنهجية وبالتالي هذه الأمور تحتاج إلي إعادة نظر، بعكس المدارس التجريبية التي توليها الدولة اهتماما كبيرا، ففيها مدرسون متخصصون علي أعلي مستوي حصلوا علي دورات تدريبية، كما أنها لاتعمل بنظام الفترتين، أما التعليم الخاص فلا يوجد فيه نظام الفترتين، ويخضع التلميذ أو الطالب فيه لنظام تعليمي مكثف، تتم فيه ممارسة الأنشطة المختلفة فضلا عن المناهج التعليمية.