دون مبالغة علي الإطلاق يمكننا أن نؤكد بما لا يدع مجالا للشك تلك الحقيقة التي اعترف بها القاصي والداني، والعدو قبل الصديق، بأن نصر أكتوبر المجيد سيبقي لسنوات طويلة قادمة ملحمة عسكرية غير مسبوقة في التاريخ العسكري، يتوقف أمامها بالدراسة والبحث كل الخبراء والمتخصصين في العلوم العسكرية، في جميع الاكاديميات ومعاهد البحث العسكري علي امتداد العالم شرقه وغربه. وسيظل هؤلاء يبحثون كيف استطاع الجيش المصري أن يقوم وينهض من جديد بعد ما تعرض له في نكسة 1967، ليعود ماردا محاربا بكل القوة والتصميم والشجاعة، بعد أن استرد عافيته ونفض عنه غبار الهزيمة، وهب من جديد ليخوض بكل الجسارة والشراسة معارك الشرف واسترداد الكرامة. وللشباب والأجيال التي لم تعاصر ملحمة العبور والنصر ولم تتابع ردود الفعل عليها نقول: لقد كانت كل التوقعات حتي المتفائلة منها تؤكد، ان اجتياز القناة واجتياح خط بارليف المنيع هو أمر مستحيل، في ظل ما قامت به إسرائيل من تجهيزات هندسية ودفاعية قوية، جعلت من العبور إلي الضفة الشرقية للقناة والوصول إلي سيناء معجزة محفوفة بالمخاطر، في زمن انتهت فيه المعجزات. وكانت كل النظريات الحربية تؤكد أن خط بارليف يحتاج إلي قنبلة ذرية لتدميره، وطالما أن مصر لا تملك هذه القنبلة فإن عليها ان تستسلم للأمر الواقع، وليس أمامها غير أن تستجدي العالم كي يتحرك ويحاول الضغط علي إسرائيل لإعادة الأراضي المصرية والعربية المحتلة منذ 1967. وفي هذا الإطار كانت الصورة مؤلمة وكانت الحقيقة موجعة، وكان العالم كله شرقا وغربا يتوقع من مصر إما الاستسلام والخضوع الكامل ودفع فاتورة الهزيمة أو طلب العفو والسماح من إسرائيل واستجداء انسحابها من الأراضي التي احتلتها. وفي ظل هذه الظروف القاسية والواقع المؤلم انتفضت مصر ورفضت الاستسلام وأصرت علي خوض المعركة مؤمنة بشعار «ما أُخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة» وأعدت عدتها للحرب،...، وبذلت في ذلك الإعداد كل ما تملك من القوة وجهد فكان التخطيط الجيد والتدريب المستمر والإصرار علي تحقيق النصر،...، وخاضت معاركها مؤمنة بأن الله معها ولن يخذلها أبدا، بعد أن أصبحت كلها علي قلب رجل واحد يسعي لتحرير أرضه واسترداد كرامته، وليس أمامه غير النصر أو الشهادة،...، فكان له النصر الذي أذهل العالم وحرر الأرض.