رغم ما تبذله الدولة المصرية من جهود للنهوض والتقدم إلا اننا مازلنا نعاني من سطوة الفساد الذي استوطن في أجهزتنا الحكومية وتوحش. كنا نعتقد ان هذا الفساد وبعد ثورتي 25 يناير و30 يونيو قد دخل مرحلة الاضمحلال ولكن تبين انه متغلغل ومسيطر. لابد أن تكون لدينا الشجاعة للاعتراف بأن هذا الفساد يعتمد علي حلقاته العنقودية التي تنتشر في أجهزة الدولة ويشارك فيها الكبار والصغار. إن استفحال هذه الظاهرة يعد من اخطر عوامل تعويق خطط الانطلاق لبناء الدولة المصرية علي أسس سليمة وصحية. ولان القيادة السياسية تدرك هذا الذي يجري وما تمثله تداعيات.. وممارسات الفساد علي المستقبل وخطط التنمية الطموحة.. فإنها لجأت إلي اعطاء الأجهزة الرقابية المزيد من المسئولية من أجل تكثيف عمليات المطاردة له في كل مكان. تمثل ذلك في التكليفات التي أصدرها الرئيس عبدالفتاح السيسي إلي قيادات هذه الأجهزة مؤكدا ان لا أحد فوق القانون. وليس خافيا أن هذا الدعم كان عاملا مشجعا للقيام بضبط عدد من قضايا الفساد الكبري في الآونة الأخيرة انتهت اجراءاتها القانونية إلي النيابة وساحة القضاء ليلقي كل مدان حقه من العقاب. ولم تكن عملية القبض علي وزير الزراعة ومعاونيه سوي تجسيد لما صدر من تعليمات للقيادة السياسية. في هذا الشأن فإنه ليس خافيا ان هذا الفساد يعشش في بعض الوزارات والأجهزة الحكومية ومثال ذلك وزارات الزراعة والاسكان والصحة والمحليات. هذه المواقع مرتع لهذا الفساد الذي فاحت رائحته وتحول إلي جزء من سلوكيات عدد غير قليل من الموظفين الكبار والصغار من ضعاف النفوس. الغريب هنا ان المواطن الضحية الاولي لهذا الفساد يعد جزءا من منظومته لسلبيته وخضوعه واستسلامه لها. يتمثل ذلك في عدم الصمود في الدفاع عن حقه في الحصول علي الخدمات الحكومية القانونية دون أن يدفع المعلوم. انه بذلك يكون مساهما في دعم هذا الفساد. مواقف هذا المواطن السلبية وغير المسئولة تحولت بمرور الوقت إلي اسلوب للتعامل مع بعض موظفي هذه الوزارات والأجهزة الحكومية الفاسدين. من ناحية اخري فإن ضعف بعض الوزراء وافتقارهم للكفاءة والامانة والشفافية بالاضافة الي اهمالهم لمسئولياتهم وسوء أدائهم الوظيفي يدفعهم للتغطية علي هذا الفساد. انهم بهذا السلوك يعملون علي انتشاره وتوحشه ويساندونه بالاقدام علي اتخاذ بعض الاجراءات والقرارات التي قد تتعارض وتتناقض مع القوانين. في نفس الوقت فإن بعض هؤلاء الوزراء يمنحون ثقتهم الزائدة وغير المستحقة لبعض العاملين معهم من ضعاف النفوس وهو ما يدفع بهم إلي وضع موافقاتهم وتوقيعاتهم علي كل ما يتم تقديمه لهم دون فحص أو تمحيص أو حتي قراءة. هذا القصور والعجز من جانب كبار المسئولين يفتح الباب علي مصراعيه لدخول الفساد ودعم وجوده. اذن وبناء علي ذلك فإن نجاحنا في مواجهة الفساد الذي استشري وتحول إلي واقع حقيقي يهدد آمالنا وطموحنا في الحياة الكريمة المتقدمة أصبح مرهونا بالتعاون القائم علي الجرأة والايمان بالصالح العام بين المواطن وبين الأجهزة التي تتحمل مسئولية التصدي لهذا الخطر.