يبدع مكرم في الهواء الطلق، يضيق بالرسميات والشكليات، مستور بلغة الحامدين من الستر، ليس من مليونيرات الصحافة شهادتي مجروحة بسكين الحب، لكن صورة الصحفي الثمانيني مكرم محمد أحمد بين شباب الصحفيين في مؤتمر القمة العربية ممسكاً بأجندة صغيرة لا تفارقه، مدوناً بقلم جاف ما يتساقط أمامه من أخبار ومقولات وحكايات يصوغها في مقالات تنضح بالوطنية، حاجة تشرح القلب، حتي آخر يوم في عمره، مكرم مضروباً بالصحافة ممسوساً بالخبر. من علمني حرفاً، والأستاذ مكرم علمني الحروف كلها، ولا يعرف الفضل لأهل الفضل، استثناء في تواضعه، صاخب في حماسه، جموح في طموحه، كاسر لكل القواعد السنية، عجباً هذا الشيخ الكبير سناً ومقاماً ينافس شباب في عمر أحفاده علي اقتناص خبر لاح، ويجتهد في صياغة قصة صحفية من هامش متاح، ويعمل علي مدار الساعة ليقف علي معلومة، يمتنها، يوثقها، يضبط حروفها، عنده الصحافة مسئولية واحترام، مكرم يحترم نفسه مهنياً وإنسانياً في زمن لم يعد يأبه بالاحترام. معذب من العذاب، الصحافة عنده كأس عذاب، لم أر صحفياً يحمل علي كتفيه هموم وطنه في مهنته مثل الأستاذ مكرم، قاسٍ لا يرحم، يقسو علي نفسه وأحبائه، عجباً يربت علي كتف خصومه، يغضب منه المحبون، لما هذا الرجل قاسٍ هكذا؟.. لكنهم لم يقتربوا من قلب أبيض يبدع مكرم في الهواء الطلق، يضيق بالرسميات والشكليات، مستور بلغة الحامدين من الستر، ليس من مليونيرات الصحافة، يعيش من كسب قلمه ليس من المتربحين، حكاء إذا راق المزاج، مكرم إِن حكي، تأخر الاستاذ طويلاً، نشف ريقي طالباً منه مذكرات نصف قرن في بلاط صاحبة الجلالة، اكتب يا أستاذ مكرم، سجل يا أستاذ مكرم، لا تهدر السنون تولي منك هاربة، كر حبات المسبحة بين أنامل رجل صالح. مكرم إِن حكي سنسمع عجباً، يوم حكم عليه بالإعدام في اليمن، وتدخل الأستاذ هيكل لفك الحبل من حول رقبته، علاقته بالأستاذ علاقة شائكة حباً واحتراماً واختلافاً، دوره في بيان عام الغضب 1972، يوم غضب توفيق الحكيم وصحبه من الرئيس السادات، وتطوع مكرم بنشر بيان الغضب في صحف بيروت، فغضب عليه الذي هو في القصر. حلمه المجهض في جورنال محترم حوّله السادات إلي جريدة «مايو» بإيعاز، علاقته بمبارك اقتراباً وافتراقاً، منجزه في دار الهلال، عودته إلي الأهرام الحبيبة، خروجه من نقابة الصحفيين في يوم أسود من أيام النقابة وهو النقيب التاريخي الذي احترمه أشد أعدائه ضراوة حتي الإخوان. مكرم الذي رفض بكبرياء أن يحج إلي مكتب الإرشاد وقت كان الحجيج فرادي وجماعات، ويوم أن خرج العياط يقدح في حق عميد الصحفيين منذراً بالعقاب، فسخر مكرم من العياط وإخوانه، وبلغ في تحديه مبلغ الفرسان، محاطاً بقلوب أحبت رجلا قال ربي الله ثم استقم. مكرم حياة صحفية تمشي علي قدمين هدتها السنون، لكنه يملك قوة داخلية يتخطي بها الصعاب إلي قمة صحفية لم تكن أبداً دانية القطوف، مكرم والصحافة قصة غرام يجب أن يحكيها وما عليه ملام، أصاب وأخطأ، وفي كل له أجر الصحفيين المجتهدين.