عندما كنا صغارا كانت أبصارنا تتعلق بالنجوم فى السماء ونحلُم بأن نرنو إليها أو أن تسقط فى حجورنا..نحلُم بأن ندور فى أفلاكها أو أن نأتنس بها فى مداراتنا.. أما أنا فكان يراودنى حُلما بين الصحو والنوم هو أن أصبح فى يوم ما صاحبة قلم يقطر صدقا وكلمة تصل إلى قلوب الناس، فتبنى صروحا من الحريات وتهدم أسوارا من النفاق.. وبفضل الله تحقق لى الكثير من هذا الحُلم..تحقق بسبب وجوه أحببتها وأقلام عشت أتضرع فى محرابها، وهامات عظيمة كانت لى يوما مثل أعلى وأصبحوا اليوم أصدقاء أعتز بصداقاتهم.. تعلمت فى عُمر صاحبت فيه الكلمات، أن الأقلام نوعان، إما أقلام تؤرخ للمسئولين وإنجازاتهم الوهمية من أجل فُتات من الخبز، وإما أقلام تؤرخ لكلمة الحق وحب الأوطان، وهؤلاء تُخلد أسمائهم فى ذاكرة التاريخ.. جيل يسلم جيل..وأجيال تُعلم أجيال..وتبقى الكلمات.. ويبقى قلم أستاذنا مُلهم كل الأجيال القادمة الأستاذ أحمد رجب، ذلك القلم الذى كان للصغار قدوة وللكبار منهجا وللوطن قذيفة حبر..لقد حول بقلمه الساخر الوضع السياسي فى مصر إلى شر البلية، وشر البلية عادة ما يُضحك.. واخترع بفطنته المُبهرة شخصيات تُعبر عن صفات المصريين السلبية حين تتجلى فى إيفيهات ساخرة، فلازالت تلك الأشخاص تعيش معنا ويُضرب بها الناس المثل إذا أرادوا التعبير عن أوضاع مقلوبة، مثل المُنافق عباس العرسة فى السياسة، وعبد الروتين للبيروقراطية، وعبده مشتاق لانتظار المنصب بأى ثمن، وديالوجات عزيز بيه المليونير المُنعزل مع الكحيت المُدعى، كمبورة السياسى الفاسد، وجنجح البرلمانى الجاهل الغبى، وعُقدة واضع الامتحانات وقاهر التلاميذ.. نماذج أضحكتنا وهى تعبر بكل صدق عن واقعنا الأليم.. شئ ما بداخله دفعه ليكتُب وهو فى الصف السادس الإبتدائى أول قصة له على الرغم من أنه لم يكن يُدرك وقتها أن قلمه سيصبح علامة فى تاريخ الصحافة المصرية.. وحكى لى فأضحكنى من قلبى، عن قرار إتخذه فى الصف الثانى الثانوى بألا يُنجب أطفال كى لا يتعرضوا لمذبحة الجبر والهندسة التى تعرض لها هو فى دراسته والتى كانت تُسفر دائما عن حصوله على 4 من 20 فى ورقة إمتحان الحساب!.. روى لى مُبتسما كيف كانت والدته التى كان يعشقها ويحترمها، شخصية قوية جدا، أجبرته على دخول كلية الحقوق وكانت تحلم بأن تراه يوما رئيسا للوزراء، لأنها كانت تعتقد أن العمل بالصحافة فشل ذريع!..لكن إصراره على أن يعمل بالصحافة جعله يحاول كل يوم أن يثبت لها فشل نظريتها ونجاح إبنها..فكان مصطفى أمين وقتها يكتب صفحتين فى منتصف جريدة الأخبار بعنوان (جولة حول الدولة)، وكان يكتب هذه الصفحة بدون توقيعه عليها، مما جعل أحمد رجب على سبيل الدعابة التى كانت تسري فى دمه منذ الطفولة، يأخذ نسخة واحدة من الجريدة وأثناء جمع الجريدة يكتب إسمه بالحبر الأسود ليضعه على مقال مصطفى أمين وكأن الصفحة بقلمه هو شخصيا..وكان يأخذ هذا العدد الخاص جدا ويرميه تحت قدماى أمه ويتركها لتقرأه، فكانت تنهره وتقول: "معقول أنت بتهاجم وزراء ومسئولين، أنت حتتسجن وأنا مش ممكن أسمحلك تودى نفسك فى داهية ". وكان يرد عليها : "علشان تعرفى إن أنا أهم من رئيس الوزراء". وبالفعل أصبح أحمد رجب مع الوقت أهم من رئيس الوزراء، فكلمة رئيس الوزراء قد تكون أحيانا ثقيلة على القلوب، أما كلمات الأستاذ فهى دائما ما تسكن القلوب.. وعلى الرغم من الموهبة الفطرية التى إمتلكها أحمد رجب، إلا أنه دخل عالم الصحافة من المطبخ، وكان المطبخ وقتها هو عمله كمُحرر حوادث فى جريدة أخبار اليوم فى مكتب الأسكندرية مسقط رأسه، ثم ألتقط ذبذبات موهبته الصحفى العملاق مصطفى أمين، الذى إعتبره رجب بمثابة أبوه الروحى وصديق عمره، ليرقيه إلى منصب نائب رئيس تحرير الأخبار من واقع إيمانه بموهبته وإجتهاده. (( الحب أكبر أكذوبة..لأن المُحب يتوهم مثلا أن حبيبته لا يوجد مثلها فى الدنيا وهو يعلم فى قرارة نفسه أن هذا لا يمكن أن يكون حقيقة، فوهم الحب هو ما يحرك مشاعرنا دوما..أما موت الحب وإنتحار الزواج فهما من المؤكد بسبب غياب الشوق مع الوقت))..هكذا صاغ لى الأستاذ رؤيته عن الحُب والزواج بأسلوبه الساخر المشاكس للنساء، على الرغم من أنه كان مُحبا لزوجته إلى درجة العبادة.. أما ما قبل حرب أكتوبر وفى أثناءها فقد كان أحمد رجب يُلقى 2/1 كلمة بالعبرية فى الراديو فى البرنامج الموجه لإسرائيل، مما تطلب أن يتعلم اللغة العبرية ليضيف بذلك لغة جديدة لعدة لغات يجيدها، ودور أدبى هام فى إنتصارات أكتوبر. أما عن أعماله الكتابية التى تحولت إلى مسلسلات وأفلام فهى كثيرة ولربما لا تعرفها الأجيال الحالية ولكنها محفورة فى قلوب الأجيال الماضية.. ويظل فيلم (نص ساعة جواز) الذى كتب له السيناريو والحوار من الأفلام التى إقتنصت الضحكة من قلوب المشاهدين بقفشات حسن مصطفى وخفة دم رشدى أباظة وروعة شادية..ليبقى هذا الفيلم دائما هو فيلم كل الأجيال، وبالنسبة لى هو الفيلم الذى أراه كل مرة بحماس المرة الأولى.. تأتى تجربته الإذاعية مع مسلسل شئ من العذاب، الذى قام بادائه إذاعيا محمد عبد الوهاب ونيللى، ليعيد لمحمد عبد الوهاب بريق الشباب وإعجاب الفتيات حتى أنه على حد قول الأستاذ رجب، بعد إذاعة الحلقة الأولى منه لم يكف الهاتف فى بيت عبد الوهاب من الرنين وإطراء المعجبات مما دفع عبد الوهاب لإستكمال حلقاته بمنتهى الحماس، حتى أن الشارع كاد أن يكون خاليا من المارة فى وقت إذاعة هذا المسلسل.. أستاذى وصديقى صاحب المدرسة الصحفية المُتميزة..أكتب إليك اليوم من واقع إيمان عميق يدفعنى لأكتب عنك كأستاذ تعلمت منه وتعجبت طويلا لقدرته على حياكة المقال الصحفى بمهارة حائك الكلمات فى خمس سطور تغنينا عن آلاف الكلمات..فسطورك سيدى تتحول فى قلوب قرائك إلى ملحمة من الإعجاب تصفق لها العقول قبل العيون.. كما أكتب من واقع سعادتى لأننى اليوم أصبحت واحدة ممن سمحت لهم إعتلاء منصب صداقتك، فاكتشفت فيك الإنسان المتواضع على الرغم من مكانتك السامية، المُخلص لأصدقائه حتى الثُمالة، والناقد اللاذع بعينى البناء وليس الهادم، الإنسان الذى لا يكره لمواقف شخصية، الذى يعتب فقط من فرط الحُب، والذى ينصح بقلب الرفيق، ويُثنى بلسان المُعلم.. أستاذى فارس ال2/1 كلمة...كنت لى بالأمس إلهاما ومثل أعلى أنظر إليه وأحلم بأن تُصيبنى عدوى مكانتك الصحفية..وها أنت اليوم تسمح لى بأن أكون ضمن باقة أصدقائك..فوجب على أن أقدم إليك صُحبة من الزهور فى كلمات علها تصلك قبل يوم ميلادك فتُدخل السرور على قلبك مثلما أثريتنا وأسعدتنا لسنوات طويلة من الإبداع.. صديقى فارس ال2/1 كلمة..كل سنة وأنت طيب يا أستاذنا.. [email protected]