توقع الخبراء منذ وقت طويل أن يكون تغير المناخ سببا رئيسيا للصراع المسلح، فالجفاف وارتفاع درجات الحرارة يضر بالزراعة، ويضع ضغوطا هائلة علي الموارد الشحيحة بالفعل في الأنظمة غير المستقرة. واعتبر العلماء أن الصراع المأسوي في سورية هو مثال واضح علي ذلك، حيث ساهم الجفاف الشديد في السنوات السبع الماضية في دفع البلاد إلي حرب أهلية من خلال تدمير الاقتصاد الريفي ودفع الكثيرمن المزارعين للهجرة خارج حقولهم إلي المدن، التي تعاني أصلا من نقص في إمدادات الطعام، بالأضافة إلي تدفق اللاجئين من دولة العراق المجاورة التي مزقتها الحرب. تأثير خطير أثار التقريرالذي يحذر من التأثير الخطير للجفاف وارتفاع درجات الحرارة مجموعة تساؤلات: ما العلاقة بين تغيرالمناخ والصراعات المسلحة؟ كيف ينسجم ذلك مع الحالة السورية؟ هل كان الأمر متوقعا قبل بدء الحراك الشعبي أم أن أثر تغير المناخ تم افتراضه بعد حصول ما حصل؟ هل الجفاف الذي أصاب سورية في السنوات الأخيرة كان تغيرا مناخيا بفعل الإنسان أم مجرد ظاهرة طبيعية متكررة؟ ما الأنشطة البشرية التي ساهمت في تغيير مناخ سورية ؟ ومن التالي؟ يعد تغير المناخ هوالمحرك الرئيسي للانتفاضة السورية، وفقا للبحث الذي يحذر من أن ظاهرة الاحتباس الحراري من المرجح أن تطلق العنان للمزيد من الحروب في العقود المقبلة، في دول الشرق الأوسط مثل الأردنولبنان بشكل خاص. إن أي متابع للظروف البيئية والاقتصادية والاجتماعية في سورية، خصوصاً خلال السنوات الخمس التي سبقت بداية الحراك الشعبي في مارس2011، يمكنه أن يسقط هذه الظروف علي مخطط المسارات المحتملة لنشوء الصراعات المسلحة نتيجة التغير المناخي، ليصل إلي النتيجة الحتمية التي تشهدها سورية حالياً. الجفاف الكارثي تعرضت سورية اعتباراً من عام 2007 لأسوأ موجة جفاف منذ خمسينات القرن الماضي، علما أن مصادر أخري تقول إنها الأسوأ منذ العام 1902. وبلغ الجفاف ذروته في شتاء 2007 2008 حين تراجعت معدلات هطول الأمطار وتناقصت الموارد المائية السطحية والجوفية، إضافة إلي هبوب العواصف الرملية وارتفاع درجات الحرارة صيفاً بشكل كبير مما تسبب في خسارة مساحات واسعة من الأراضي الزراعية. كارثة الجفاف التي أصابت المناطق الشرقية من البلاد بشكل خاص، لا سيما محافظة الحسكة ذات التركيبة الديموجرافية والطائفية المتنوعة، أثّرت علي نحو 2 مليون سوري من أصل 20.5 مليون نسمة هم عدد سكان سورية عام 2008، يُضاف إليهم نحو 1.5 مليون لاجئ عراقي. وأشارت تقديرات الحكومة السورية وبعثة تقييم الاحتياجات الموفدة من الأممالمتحدة إلي أن أكثرمن800 ألف شخص من الذين تأثروا بالجفاف فقدوا معظم مصادر دخلهم وهم يعيشون في ضنك شديد. لقد أدّي الجفاف إلي هجرة ما بين 40 و60 ألف أسرة من أراضيهم إلي ضواحي المدن الكبري مثل دمشق وحلب بعد أن فقدوا معظم أرزاقهم. ترافق هذا الجفاف مع تراجع العوائد النفطية، حيث تحولت سورية منذ العام 2007 إلي مستورد للمشتقات النفطية بينما كانت أسعار النفط العالمية في أوج ارتفاعها. وفي العام ذاته فرضت السعودية وبقية دول الخليج حظراً علي استيراد الأغنام السورية براً بسبب ظهور مرض الحمي القلاعية في المواشي الأردنية. وكانت تلك ضربة قاصمة لمربي الأغنام في سورية نتيجة الجفاف وارتفاع أسعار الأعلاف. الهجرة الداخلية بسبب الجفاف، ونزوح اللاجئين نتيجة الحرب في العراق، وارتفاع فاتورة الطاقة، شكلت ضغطاً علي الاقتصاد الوطني، فوصل معدل التضخم عام 2008 إلي 15.2 في المئة، وهو أعلي مستوي تشهده البلاد منذ 1994. أدت هذه الأوضاع أضرت بأمن سورية الغذائي الذي كانت تفاخر به لسنوات طوال، حيث كانت بين قلة من الدول المكتفية ذاتيا بمحصولها من القمح علي مدي اكثرمن عشرين عاما، فإذا بالجفاف يضرب ثلاثة أرباع الأراضي المنتجة للقمح في سورية، مما جعل حصاد عام 2008 منخفضاً بمقدار 38% عن 2007. وتكرار موجات الجفاف واشتدادها في سورية لا يمكن نسبهما بشكل كامل إلي تغير المناخ العالمي. فقد أدت الأنشطة البشرية في سورية منذ مطلع القرن الماضي إلي تراجع الغطاء النباتي وزوال معظم الغابات وانتشار التصحر، نتيجة تملح التربة وانجراف الرياح والماء بعيدا عن مساراتهم الطبيعية واستنزاف موارد المياه السطحية والجوفية بشكل غير عقلاني وسوء إدارة الأراضي الزراعية والمراعي. وهناك ثلاثة أنشطة بشرية أساسية كان لها أثر علي تغيرالمناخ في سورية، وهي: القضاء علي غابات الجبال في تدمر وجبال لبنانالشرقية، وتجفيف مستنقع الغاب، والمشاريع المائية علي نهر الفرات. من التالي تستطيع المجتمعات المتقدمة اقتصادياً والمستقرة سياسياً التعامل مع المتغيرات البيئية القاسية والتكيف معها، علي عكس المجتمعات الأخري التي تتهددها عوامل صراع أخري مثل طبيعة المجتمع الشابة وغياب الحكم الرشيد وارتفاع عدد السكان وتباين عاداتهم وعدم المساواة المجتمعية والجوار السيئ ووجود تاريخ سابق للعنف في المجتمع. فاذا أخذنا في الاعتبار المسارات المحتملة لنشوء الصراعات المسلحة نتيجة التغير المناخي، نجد أن العديد من الدول مؤهلة لتشهد حراكا شعبيا مدفوعا بالعوامل البيئية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية الخاصة بكل دولة. إن دولا مثل هندوراس وميانمار ونيكاراجوا وبنغلاديش وفيتنام والفيلبين ومنغوليا وجواتيمالا هي من بين أكثر دول العالم التي عانت من التغير المناخي خلال الفترة بين 1993 و2012. منسوب المياه أما في منطقة الشرق الأوسط، فتعاني إيران بشكل خاص من مشاكل عميقة ترتبط بالتغير المناخي، ولا سيما ما يتصل بانخفاض منسوب المياه الجوفية وجفاف البحيرات الطبيعية والتصحر، إلي درجة جعلت وزير الزراعة الإيراني السابق عيسي قلانطري يصرح بأن «مشكلة المياه التي تتهددنا هي أكثر خطورة من إسرائيل والولايات المتحدة والنزاعات السياسية، إنها مسألة بقاء الأمة علي قيد الحياة». وهناك العراق، الذي تتطور أزماته إلي صراع مسلح نشهده حالياً. وما سبق عرضه بشأن سورية يصلح بشكل كبير لشرح ما يحدث في العراق. البلد الثالث الأكثر عرضةً لمخاطر تغير المناخ في الشرق الأوسط هو الأردن الذي يعاني أصلاً من ندرة المياه الصالحة للزراعة والشرب ومحدودية الموارد الطبيعية والاقتصادية، وأصبحت قضية تدفق اللاجئين السوريين عليه تشكل واقعاً ضاغطاً قد يتسبب في خلق أزمات جديدة تؤثر علي الاستقرار العام للبلاد.