مصر عانت من نقص القمح.. فقامت ثورة الخبز. وليبيا تعاني في المرحلة الانتقالية من نقص الموارد المائية.. وسوريا تحتاج الكثير للتخلص من آثار الحرب علي أرضها هل توجد علاقة بين ارتفاع درجة حرارة الكرة الأرضية وذوبان الجليد وما نسميه التغيرات المناخية وبين قيام الثورات العربية التي بدأت في تونس ثم مصر وليبيا واليمن وما زالت تحاول في سوريا وهل من الممكن أن نتوقع ظهورها في دول أخري عربية كانت أو غير عربية. أسئلة كثيرة حيرتنا ونحن نتابع دراسة علمية صدرت مؤخرا عن مركز التقدم الأمريكي ومركز واشنطن للمناخ والأمن، أكدت أن هناك ارتباط قوي بين مجموعة من الكوارث المناخية، وقوي السوق، والأنظمة الاستبدادية التي ساعدت علي قيام الثورات العربية في الشرق الأوسط. ورغم أن التقرير لا يزعم أن تغيرات المناخ هي السبب الوحيد للثورات التي هزت العالم العربي خلال العامين الماضيين، لكنه يقدم أدلة مقنعة بأن عواقبه هي عوامل إجهاد يمكن أن تشعل خليطا متأججا من الأسباب الكامنة التي تفجر ثورة 'فربما كان محتما أن يأتي الربيع العربي بطريقة أو بأخري، لكن السياق الذي أتي به ليس اعتباطيا 'ورغم أنه يغيب عن الدراسة كليا تقويم أحد أبرز الأخطار المحدقة بالمنطقة في السنوات القليلة المقبلة، وهي عطش اليمن عام 2020 إلا أنها تقترح مواجهة' أزمة الموارد 'في شكل عام، عبر تكافل إقليمي وعالمي يسعي إلي بناء مجتمعات أكثر مقاومة وتكيفا واستدامة، وأكثر استجابة لرياح التغيير الاجتماعية والطبيعية تفاصيل كثيرة تتناولها الدراسة التي تري أن تغير المناخ ساعد علي ظهور الربيع العربي. وأن سنوات الجفاف والتصحر، وقلة مخزون المياه الصالحة للشرب، وتقلص المساحات المزروعة عاما بعد عام، كانت من العوامل المساهمة في تهيئة ظروف عدم الاستقرار الاجتماعي والسياسي في بلدان مثل 'سورية ومصر وتونس واليمن وليبيا، فضلا عن زيادة الهوة الاجتماعية، والتنافس علي فرص العمل والموارد الطبيعية، لاسيما المياه. التي تعرضت للندرة في الأعوام الماضية، حيث ح ذرالتقرير من أن العالم يدخل حقبة 'التضخم مدفوعا بارتفاع أسعار السلع والمنتجات الزراعية، في ظل اختلاط العوامل البيئية والسياسية والاقتصادية والتجارية وتأثيرها في الأمن الغذائي. ويتوقع التقرير أن تشهد الكثير من الدول الفقيرة في العالم أزمات سياسية وأعمال عنف أو 'ثورات خبز' ويعتقد الباحثون أن مواجهة تأثيرات تغير المناخ ستكون ضرورية لضمان استقرار طويل الأمد وتأمين الشرعية لحكومات دول المنطقة، خصوصا مع بلوغ معدل البطالة 'للفئة العمرية بين 15 و 24 سنة' في الشرق الأوسط بنسبة 25% وفي شمال أفريقيا 24% وهي النسبة الأعلي في العالم فالشعوب العربية، المطالبة بالحرية والعدالة والكرامة وفرص العمل والتمثيل السياسي، ستطالب حكوماتها أيضا بتوفير الموارد الضرورية ليس فقط للبقاء، بل للنمو والازدهار. ويرتبط السعي إلي ذلك بتوافر الموارد الطبيعية المهددة بتغير المناخ في المنطقة وخارجه مصر والصين مصر والصين وبينهما التغيرات المناخية، والاستقرار السياسي في الدولتين حيث أشارت الدراسة، إلي أن العوامل المناخية، وتحديدا الجفاف وموجات الحر والحرائق، أدت إلي تراجع إنتاج القمح في روسيا بنسبة 33%، وفي أوكرانيا بنسبة 19%، بينما سببت برودة الطقس في كندا تراجعا في إنتاج القمح بنسبة 14%، وفائض الأمطار في أستراليا تراجعا بحوالي 9%. أما في الصين أكبر منتج ومستهلك للقمح في العالم، فانخفض إنتاج القمح فيها بنسبة 5.0% فيما ازداد الاستهلاك بنسبة 1.7%. وإذا أخذنا في الاعتبار أن 6 من أصل 18% من الإنتاج العالمي من القمح يعبر الحدود، يصبح من البديهي أن يسهم نقص الإمدادات العالمية في رفع الأسعار ويخلف آثارا اقتصادية خطيرة علي بلدان مثل مصر والصين، و هو ما أدي لظهور تحركات معيشية فيهما. فثورة الرغيف المصرية عام 2008 جاءت احتجاجا علي ارتفاع أسعار الدقيق، الذي يتم استيراد معظمه من روسيا. وأظهرت الدراسة محاولة حكومتي مصر والصين تحقيق التوازن بين الزراعة، والتمويل، والإمدادات الغذائية القادمة من روسيا لتوفير الاحتياجات العامة، و في عام 2011 نجحت المحاولات الصينية، في حين فشل النظام المصري في تحقيق هذه التوازن. رغم أن مصر تعتبر البلد الذي ينفق 3% من ناتجها المحلي الإجمالي علي دعم القمح و في ظل الارتفاع الجنوني في أسعار الغذاء بين عامي 2010 و 2011. تضاعفت أسعار القمح العالمية من 157 دولارا للطن إلي 326 دولارا ليظهر النموذج المصري مدي تأثير الأخطار الطبيعية في عالمنا الوثيق الاتصال في الأنظمة الاقتصادية 'الأسعار' والسياسية 'الاستقرار الحكومي' والبشرية 'إمدادات الغذاء'، وهو ما تسميه الدراسة 'عولمة الأخطار'. ليبيا ليبيا كانت من بين الدول التي تناولتها الدراسة والتي أشارت إلي أنها لا تزال في مرحلة انتقالية يسودها عدم الاستقرار السياسي بعد إسقاط نظام القذافي حيث أشارت الدراسة إلي العرض الذي قدمته ليبيا في 2011 من خلال وفدها الرسمي أثناء مفاوضات الأممالمتحدة لتغير المناخ في ديربان بجنوب أفريقيا فيما سمي بمشروع 'المبادرة الليبية لتغير المناخ' و الذي يقضي بتمويل مشروعات توليد الطاقة من الشمس والرياح بواسطة عائدات النفط. والنهر الصناعي العظيم 'وهو أحد أكبر مشروعات الهندسة المائية في العالم والذي أنشأه النظام الليبي السابق بإيرادات الذهب الأسود لسحب المياه العذبة من جوف الصحراء الكبري عبر شبكة أنابيب ضخمة إلي طرابلس وبنغازي وسرت ومدن أخري من ناحية أخري أشارت الدراسة إلي أن الاستخراج المفرط للمياه من حوض الكفرة، المشترك بين ليبيا ومصر وتشاد والسودان، سيؤدي إلي انخفاض منسوب المياه وجفاف الآبار الموجودة بالواحات. وفي ظل توقع ازدياد أيام الجفاف السنوية في أكثر المناطق الليبية رطوبة وكثافة سكانية علي السواحل من 101 يوم حاليا إلي 224 يوما، ستجد السلطة الانتقالية في ليبيا نفسها مضطرة ليس فقط إلي توفير الطلب المتزايد علي المياه، وتقاسم المياه مع محيطها الإقليمي والأخطار المحتملة علي أمنها المائي. سوريا وقد تكون سوريا أبرز النماذج الممثلة حاليا لدور التغيرات البيئية في تآكل العقد الاجتماعي، إلي جانب العوامل الاقتصادية والسياسية. فبين عامي 2006 و 2011، شهدت حوالي 60% من الأراضي السورية أسوأ جفاف طويل الأمد وأكبر تراجع حاد في المحاصيل الزراعية منذ بدء الزراعة في منطقة 'الهلال الخصيب' قبل آلاف السنين. وحل الجفاف في حوالي 75% من مناطق شمال شرقي البلاد 'مثل محافظة الحسكة' وجنوبها، وخسر الرعاة حوالي 85% من قطعانهم، مما أثر في 1، 3 مليون شخص وفق تقرير للأمم المتحدة عام 2011. وكان حوالي 800 ألف نسمة من السكان الرعاة خسروا كل قطعانهم عام 2009 كماعاني حوالي مليون سوري من انعدام الأمن الغذائي عام 2011. وبات ما بين مليونين وثلاثة ملايين شخص يرزحون تحت فقر مدقع عام 2012. ودفع ذلك آلاف السوريين إلي الانتقال من الأرياف إلي المدن، حيث انضموا إلي آلاف اللاجئين العراقيين الذين توافدوا إلي سوريا منذ حرب 2003 ليشكلوا ضغطا كبيرا علي البلاد والسكان. وتشير الدراسة إلي أنه من المبكر جدا تحديد النتائج البيئية والاجتماعية والاقتصادية المباشرة وغير المباشرة للثورة السورية، لكنها تعزو انهيار الزراعات السورية في الأعوام الماضية إلي ضعف الحكومة وسوء إدارة الموارد فعلي سبيل المثل، دعمت الحكومة زراعة القمح والقطن التي تستهلك كميات كبيرة من مياه الري، وشجعت تقنيات ري ليست علي مستوي الكفاءة المطلوب، واستخدم المزارعون المياه الجوفية، من خلال 213 ألف بئر. ونزح حوالي 200 ألف مزارع من قري حلب إلي المدن في يناير 2011، بسبب فشل زراعة المحاصيل وتحديدا 'التوابل الحلبية'. وعانت بلدة درعا، مهد الثورة السورية، خمس سنوات من الجفاف وشح المياه وسط إهمال رسمي. وأكدت الدراسة أن استمرار موجة الجفاف، يرجح انخفاض إنتاج المحاصيل السورية بحلول عام 2050. وهو ما يعني أنه في ظل الحرب المستعرة حاليا وما سيليها من فوضي في المرحلة الانتقالية فهناك ما هو أسوأ فيما يطلق عليه 'التهديد المضاعف' الذي أوردته الدراسة التي لفتت الانتباه إلي خطورة العلاقة بين تغير المناخ والأمن. فقد شهدت سورية، علي سبيل المثل، 'مزيجا من التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية والمناخية، أضعف العقد الاجتماعي بين المواطن والحكومة إلي جانب أن النظام الحالي في سوريا يتبني 'سياسة الأرض المحروقة' للقضاء علي الثورة السورية، فيجعل من البيئة ومواردها سلاحا تواجه به خصومها. فالغابات احترقت بالنيران والقذائف، والزراعة أهملت لهجر الأراضي والتحاق الشباب بالجيش الحر، وشبكات المياه دمرت بإصابات مباشرة. وتدفقت المياه المبتذلة والنفايات الصناعية السائلة إلي الأنهار والجداول والأودية والآبار وقنوات المياه الجوفية فلوثتها وهددت صحة الإنسان. كما أدي رمي النفايات المنزلية والصناعية عشوائيا وفي مكبات غير مجهزة إلي تلوث التربة والمياه الجوفية. وهو ما يعني انه سيكون أمام سوريا الكثير بعد التخلص من نظام الأسد للعمل علي تأهيل المناطق المتضررة من خلال برامج للإصلاح وتأهيل للبيئة، وإزالة الرواسب الملوثة، التي خلفتها الحرب وتسببت في آثار جسيمة علي الأراضي والزراعية والمياه. بالحقيقة ستكون هناك حاجة ماسة إلي إستراتيجية لإصلاح الأضرار التي تعرضت له البيئة في سوريا.