جمال ساحر ومعالم سياحية جذابة، منازل مزخرفة بألوان زاهية، ومراكب شراعية وسط نيل نقي، هذه هي الصورة التي رُسمت في أذهاننا عن محافظة أسوان، لتصبح المعني الحقيقي للطبيعة والهدوء. إلا إن هناك وجها آخر للمحافظة، لم ولن يراه أي زائر أو سائح، وجه عاش به آلاف الأهالي لعقود عدة، حاولوا خلالها الاستنجاد بكافة المسئولين لإنتشالهم منه لكن دون جدوي. عشرات القري والنجوع بُنيت مساكنها علي جبال أسوان حتي تحول المشهد وكأننا عدنا قروناً للوراء حينما حفر الإنسان البدائي الجبال ليتخذ منها مسكنا. «الأخبار» انطلقت في مغامرة استمرت 7 ساعات تنقلنا خلالها بين البيوت أعلي الجبال وأسفلها، مررنا بطرق وعرة صعوداً وهبوطاً، لننقل لكم معاناة مصريين عاشوا عقوداً من الإهمال مابين انهيار المنازل وعدم وصول الصرف الصحي وغيرها من المشاكل. في البداية توجهنا إلي قري» أبو الريش» جنوب محافظة أسوان، وتنفصل هذه القري عن الطريق الرئيسي بشريط سكة حديدية بلا سور ولا حماية، بل مجرد مزلقانات عشوائية يمر خلالها الأهالي من القرية الي الطريق لاستقلال المواصلات، وأحيانا لا تتواجد المزلقانات فيمر الأهالي فوق القضيب وصولاً للقري. تسلق الطريق توجهنا إلي قرية الحجاب إحدي قري أبوالريش، فرأينا مجموعة كبيرة من المنازل أعلي مستوي نظرنا، إلا إننا لم نجد طريقا معينا نسلكه للوصول إلي المنازل هناك، وكانت المفاجأة عندما اصطحبنا أحد ساكني القرية إلي طريق أشبه بأدغال افريقيا لكنها وسط الصحراء، فالقرية مرتبطة ببعضها عن طريق ممرات ضيقة لا تزيد علي مترين تتسلقها للأعلي وتحت قدمك مجموعة من ركام الحجارة والطوب اللبن، فكان الصعود أشبه برحلة تسلق لفريق رياضي. وصلنا بعد معاناة وانتقال من ممر لآخر إلي المنازل بالأعلي وبسؤال الأهالي عن مشقة الطريق تقول الحاجة «إنعام أبو الحسن « 55 عاماً « اقطن هنا منذ نحو 30 عاماً وفي البداية كانت صحتي تساعدني علي الصعود والهبوط لشراء مستلزمات المنزل من السوق، إلا انني الآن لا أقدر علي التحرك فعملية الصعود يمكنها ان تستغرق معي نصف ساعة، كما انه لا توجد طرق، بل نصعد وسط الطوب والرمال في عملية شاقة « اما احمد رءوف 46 عاماً موظف يقول « ورثت هذا المنزل عن والدي وحالتنا الاقتصادية لا تمكنا من تأجير شقة أو بناء منزل في منطقة منخفضة، لذا تزوجت وقطنت هنا، وأقوم بدلاً من زوجتي بشراء كافة المستلزمات للمنزل فالطريق شاق كما اني اشفق علي بناتي من صعود ونزول هذه الطرق يومياً للمدارس فأقوم أنا بتحمل شراء الدقيق والتموين واسطوانة الغاز وغيرها من المستلزمات». ولا تكمن مشكلة الطريق في تسلقه فقط بل في عدم إمكانية صعود سيارات الإسعاف أو الإطفاء أوسيارات الأجرة للمنازل لنقل الاهالي ويقول ممدوح شاهين عامل « اذا مرض أحدنا يقوم أهالي القرية بحمله علي كرسي هبوطاً للوصول للسيارة أو يقومون بالصعود للالتفاف حول القرية بأحد الطرق في الظهير الصحراوي لها «. وعن سبب بناء المنازل بهذه الطريقة يقول الحاج أحمد اسماعيل « توجد بيوت هنا مبنية منذ اكثر من 70 عاماً ولا نعلم لماذا اختار اجدادنا هذه المنطقة إلا ان من استطاع ان يغادر ترك القرية والبقية بقيت. كانت أزمة عدم وصول خطوط الصرف الصحي للقرية من أكبر المشاكل التي أثرت علي كافة المنازل وتقول «أم أحمد» 44 سنة: في البداية كنا نحفر في الأرض لعمل بيارات ونقوم بتسريب المياه عليها ثم تأتي السيارات لشفطها، الا ان هذه السيارات مُنعت من قبل مجلس المدينة من الدخول واصبحت نادرا ما تأتي خلسة بين الحين والآخر فاضطررنا لتخزين المياه داخل جرادل ثم نقوم بسكبها في الشارع بالتناوب مع الجيران حتي لانغرق الشارع بأكمله». المنازل منهارة أطلال.. هكذا توصف المنازل بقرية الحجاب وكان السبب الرئيسي وراء انهيارها إما مياه السيول التي تغمر المنطقة أو عدم وجود صرف صحي وانسيال المياه من المنازل المرتفعة إلي المنازل الأقل ارتفاعا قنبلة من المشاكل وتأتي ازمة الخدمات الصحية وبوار الاراضي الزراعية لتكمل علي القري، فمن جهة حُرم الاهالي من أبسط الخدمات الصحية، ويقول الحاج عرب أحمد علي موظف بالمعاش « أقرب وحدة صحية لنا تبعد نحو 3 كيلو مترات، وتأتي المشكلة عند لدغ لأحد أبنائنا بالعقرب ليلاً او مرض احدهم فجأة فالمسافة بيننا وبين الوحدة كبيرة كما ان اقرب مستشفي متواجدة بوسط مدينة أسوان اي عشرات الكيلو مترات» ويضيف « حتي سيارات الإسعاف ترفض الدخول للقرية بعد سوء حال الطريق بها، أما الحالة الاقتصادية لهذه القري فنستطيع وصفها «بالفقر» بمعني الكلمة، فالبطالة منتشرة بين شباب القرية بعد عجزهم عن التعيين بالوظائف الحكومية فالشباب ما بين السائق او عامل باليومية.