لم تقتصر المتغيرات العالمية والتحديات التي يواجهها المجتمع المصري علي النواحي الاقتصادية فقط بل امتدت آثارها إلي مختلف جوانب الحياة الاجتماعية والثقافية التي يعيشها المصريون بما في ذلك نظام التعليم المصري مما أدي إلي تغيرات في سير العملية التعليمية تتجه في بعض الأحيان بعيداً عن المبادئ الأساسية وتكافؤ الفرص التعليمية التي سعت مصر طويلاً لترسيخها. كشفت بعض الدراسات الحديثة عن وجود تمييز كبير في الفرص التعليمية بين أبناء الفئات المختلفة من الشعب، الأمر الذي يشكل فوارق وفجوات في التعليم بين أبناء الشعب الواحد نتيجة لانخفاض مستوي ما تقدمه المدارس الحكومية من الخدمات التعليمية مقارنة بالمدارس الخاصة، بالإضافة إلي انتشار المدارس الأجنبية وهي غير مدارس اللغات فهي مدارس ذات جنسيات وهويات مختلفة (إنجليزية وكندية وأمريكية 000 الخ)، وتعمل بشكل منفصل تماماً عن الواقع المصري وبنظام يختلف عن نظام التعليم المصري من حيث مرجعية الأهداف والنسق القيمي للمجتمع المصري. إن المناهج التي تدرس في هذه المدارس هي مناهج أجنبية مصممة في الأساس لتناسب الطالب في بيئة البلد الذي تنتمي إليه المدرسة، وتحمل أدوات ومضامين ذات أبعاد أيدلوجية خاصة بها وسياسية تخالف واقعنا ومعارفنا مما يؤدي إلي اختلاف الشخصية المستهدفة لكل نظام، وبالتالي إلي نشأة عدة ثقافات متنافرة وعدم وجود وحدة في الفكر بين فئات المجتمع ويسهم في قلة التفاعل الاجتماعي وضعف تماسك أفراد المجتمع وارتباطهم ببعض وهو ما قد ينتهي في المستقبل إلي تفكك النسيج الاجتماعي، وقد كشفت رسالة دكتوراه هامة للأستاذة الدكتورة بثينة رشوان بجامعة عين شمس سلبيات انتشار المدارس الأجنبية بالتفصيل وأثرها علي الحياة الثقافية وفكر المجتمع بل وآثارها السياسية ليس في الوقت الحاضر فقط بل في المستقبل. إن ما تقوم به هذه المدارس من نقل ثقافة ودعم قيم المجتمع الذي جاءت منه التي هي بالقطع تختلف بشكل أو بآخر عن المنظومة الثقافية للمجتمع المصري يؤدي إلي انسلاخ أجزاء من ثقافة الطالب الوطنية وتراثه وقدرته علي التكيف مع مجتمعه، وإلي صراع داخله وهو مازال في مرحلة تشكيل هويته، وينتهي الأمر إلي خلق جيل في حالة من الضياع الثقافي فلا هم ينتمون كاملاً إلي الثقافة الأجنبية التي تشربوها في تعليمهم ولا هم قادرون علي استيعاب منابع الثقافة المصرية، وهو ما قد يؤثر سلباً علي الولاء والانتماء للمجتمع. وهناك بُعد آخر هام وخطير، فارتفاع مصروفات هذه المدارس يسمح لأبناء طبقة معينة من فئات المجتمع المصري بالالتحاق بهذه المدارس وتمثل هذه الفئات الطبقة العليا في المجتمع مما يزيد من تكريس الفوارق واتساع الفجوات 000 إن حصول بعض الفئات علي امتيازات تعليمية لأبنائها اعتماداً علي قدرتها المالية لا يمثل فقط خرقاً لمبدأ تكافؤ الفرص التعليمية فقط بل يهدد وحدة فكر المجتمع المصري. كل هذه العوامل تؤدي إلي نتائج خطيرة وإلي تجزئة ثقافية في فكر المجتمع 000 وتجعل من أبناء الشعب الواحد شيعاً وشرائح، ولكل شريحة صبغة خاصة، وتؤدي أيضاً إلي نوع من الاختراق الثقافي والاجتماعي مما قد يتسبب في تآكل فكري لمقومات الوطن واقتلاع الجذور التي صنعتها مؤسساتنا التعليمية والتربوية الوطنية في فكر المجتمع علي مر السنين. المطلوب وقفة حازمة وليس مجرد رقابة بل المطلوب أن ننهض بنظامنا التعليمي ليكون نداً ولا يقل مستواه عن مستويات النظم الدولية.