ما الذى نريده من الرئيس القادم؟ سؤال يتردد بين المواطنين والنخب المصرية فى كل المجالات.. هنا نختص سؤالنا حول تطوير التعليم، فما الذى نريده من الرئيس القادم لتطوير التعليم!، يواجه الرئيس القادم إرثا كبيرا من الأزمات والتحديات وتضارب السياسات التعليمية، وهى تحديات متنوعة تخص نظرة الرئيس القادم وحكومته للتعليم وأهميته، ونقف أمام التحديات التى تواجه العملية التعليمية والتى من أهمها: يتمثل هذا التحدى فى ضرورة تخصيص نسبة ملائمة من الناتج القومى الإجمالى للإنفاق على التعليم، وقد نص دستور مصر الجديد لعام 2014 على إلزام الدولة بتخصيص نسبة لا تقل عن 4% من الناتج القومى الإجمالى تتصاعد تدريجيا حتى تتفق مع المعدلات العالمية، ولكن هل هذه النسبة تكفى لمحاولة الارتقاء بالتعليم والنهوض به من كبوته؟، فإذا نظرنا إلى مخصصات التعليم فى السنوات الخمس الماضية فكانت تبلغ حصة الإنفاق على التعليم من الناتج المحلى الإجمالى فى العام المالى 2008/2009 نحو 39.9 مليار جنيه بما يوازى 3.8% للعام المالى المذكور مقارنة بإنفاق مالى قدره 41.7 مليار فى العام المالى 2009/2010 بما يعادل 3.5% من الناتج المحلى الإجمالى فى العام نفسه مقارنة بنحو 48.654 مليار جنيه فى العام المالى 2010/2011 بما يعادل 3.5% من الناتج الإجمالى للعام نفسه، مقارنة بنحو 55.692 مليار جنيه بما يعادل 3.5% من الناتج المحلى الإجمالى للعام 2011/2012 مقارنة بنحو 64 مليار جنيه فى العام المالى 2012/2013 بما يعادل 3.6% من الناتج المحلى الإجمالى فى ذلك العام، وبهذه النسب تعد مصر من أقل بلدان العالم فى الإنفاق فى هذا المجال. وإذا نظرنا إلى نسب الإنفاق على التعليم فى الدول العربية فسنجد تونس والمغرب واليمن وسوريا، بلغ الإنفاق العام على التعليم كنسبة من الناتج المحلى الإجمالى فى البلدان المذكورة بالترتيب، نحو 7.1%، 5.5%، 5.2%، 4.9%، أما فى السعودية والجزائر، فالسعودية أعلى من المتوسط العالمى منذ عقدين على الأقل، وبصورة دائمة بالنسبة للجزائر، ووفقا لبيانات البنك الدولى فإن نسبة الإنفاق على التعليم فى دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بلغ المعدل نحو 5.2%، مما يعنى أن مصر ليست من أقل دول العالم إنفاقا على التعليم فحسب، ولكنها أيضا من أقل الدول فى المنطقة العربية ومنطقة الشرق الأوسط، ولذلك نطلب من الرئيس القادم الالتزام بأن مسئولية التعليم مسئولية الدولة، وأن تحسين التعليم ورفع معدل الإنفاق العام عليه كان أحد المطالب المهمة للثورة ضمن آليات تحقيق العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص فى التعليم. تحديات الأبنية التعليمية أدى العجز فى الأبنية التعليمية إلى أن تصل كثافة الفصول فى بعض المحافظات لأكثر من 100 طالب فى الفصل، إلى جانب أن هناك أكثر من 15% من المدارس بنظام الفترتين، وهناك قرى ونجوع محرومة من وجود مدرسة، ويضطر الأطفال للسير لمسافة 2 كيلومتر أو أكثر للوصول إلى أقرب مدرسة، وبالتالى تحرم البنات من التعليم لخوف ذويهم عليهن، ويرفضون ذهابهم إلى المدرسة، وبالتالى تزيد نسبة الأمية خاصة بالنسبة للفتيات، ولا توجد مدارس ثانوى فى معظم الأماكن، وكذلك المدارس الفنية نجد فى كل مركز مدرسة واحدة أو اثنتين على الأكثر، ووفقا لقاعدة بيانات هيئة الأبنية التعليمية، فإننا نحتاج إلى أكثر من 51 مليار جنيه حتى عام 2017 للأبنية التعليمية فقط، وهذا المبلغ لن يحل المشكلة نهائيا بل سيقضى على مدارس الفترتين، ويقلل الكثافة، لكن لن تصل إلى الكثافة المعيارية للفصل حسب الوزارة وهى 43 طالبا فى الفصل، ونحن لا نطالب ببناء مدارس لتقليل الكثافة فقط، ولكننا نريد مدارس جاذبة من حيث الشكل والمضمون، مدارس بها أماكن لممارسة الأنشطة وبها معامل متطورة بدلا من مدارسنا الخاوية لصالح مراكز الدروس الخصوصية. تحدى عدالة التعليم مثل التعليم عنصرا أساسيا من عناصر الأزمة السياسية التى واجهت مصر قبل الثورة، بسبب عجز النظام المصرى من خلال أنظمة التعليم عن أن يحقق أسمى حقوق المواطنة، عبر ديمقراطية شاملة لتكافؤ الفرص التعليمية لكل الشرائح الاجتماعية المختلفة، مما أدى إلى تفاوت صارخ فى توزيع خدمات التعليم، فأصبح هناك تعليم للفقراء وآخر للصفوة، مما أدى إلى حصول أبناء الأغنياء على فرص تعليم متميزة، وكذلك فرص العمل، ولم يعد التعليم بالنسبة للفقراء وسيلة للترقى المهنى والاجتماعي، وإنما باعتباره آلة لتفريخ البطالة ولإعادة إنتاج البؤس والأعباء المادية على الأسر الفقيرة، ولقد ارتبط انعدام العدالة فى التعليم بتدنى الإنفاق عليه والذى يأتى فى إطار إفساح الحكومات السابقة أمام سيطرة القطاع الخاص على بيزنس التعليم وتسليعه، وتم تكريس صيغة رديئة للتعامل معه بهذه الصورة، بدلا من اعتباره عنصرا أساسيا للتنمية البشرية ولتحقيق التنوير، ولتأهيل خريجى النظام التعليم الحكومى للعمل، حتى يمكنهم كسب عيشهم بكرامة والمساهمة فى بناء اقتصاد بلدهم، لأن التعليم الحكومى لم يعد يؤصل لأى عمل. ديمقراطية التعليم إن التعليم فى عصرنا الحاضر يعتبر بمثابة العمود الفقرى للوفاء باحتياجات المجتمع ومتطلباته التنموية، وهذا يتطلب وقفة متأنية أمام سياسة التعليم ونظامه ومحتواه، لمواجهة التغيير وتنمية الإنسان والارتقاء بقدراته التنافسية، ومن الضرورى البحث عن أطر جديدة للتطوير، بحيث يصبح تعليما إبداعيا يكسب الإنسان مهارات التفكير، وأن يكون تعليما علميا ناقدا ينمى فى الإنسان رفض أى حتمية أو التسليم بالحقائق والاستسلام للمعارف السائدة دون التحقق من صحتها، وأن يكون تعليما ديمقراطيا بعد الإنسان للتعامل مع الآخرين وقبولهم، وذلك لن يتم إلا بتجديد المناهج وطرق التدريس والاهتمام بالثقافة الوطنية وبالعلوم الحديثة والأنشطة المدرسية، والعمل على البحث عن أساليب جديدة للتقويم والامتحانات، حتى نقضى على ظاهرة الحفظ والتلقين والدروس الخصوصية، أى أن تكون أساليب التدريس والامتحانات تنمى المعارف والمهارات والإبداع. تحدى التسرب والأمية إن ما قامت به الحكومات السابقة من تخفيض الإنفاق على التعليم، أضر بقضية تعليم الفقراء، ومحو الأمية فى بلد مازال يعانى مستوى مرتفعا من أمية الكبار، فقد بلغت نسبة المتسربين من التعليم فى الفئة العمرية من 18 – 29 عاما نحو 27% ومنهم 10% لم يدخلوا التعليم قط، والنسبة الباقية تسربوا منه وذلك وفقا لتقرير التنمية البشرية فى مصر عام 2010، بالإضافة إلى أن هناك أعدادا كبيرة من خريجى المدارس الحكومية لا يجيدون القراءة والكتابة، وتصل أعداد كبيرة إلى التعليم الفنى دون إجادة هذه المهارات، نظرا للكثافة العالية للفصول، وجفاف العملية التعليمية من مناهج وطرق تدريس، تؤصل للتسرب خاصة للفقراء، وهذا يعنى معدلا مرتفعا من التسرب والأمية، إن عجز مؤسسات التعليم عن استيعاب قطاعات واسعة من الأطفال خاصة الفقراء فى صعيد ونجوع مصر هو من أهم أسباب التسرب والأمية، ولذلك نطلب من رئيس مصر القادم طرح رؤية شاملة للمشكلة سياسيا واقتصاديا، لأن ذلك يحتاج إلى مشروع تنموى يلتف حوله المجتمع، ويؤدى به إلى ثورة اجتماعية وثقافية. تحدى ازدواجيات التعليم نلاحظ داخل التعليم الحكومى وجود بؤر بين التجريبى والحكومى العادى وبين القرية والمدينة وبين المدارس الخاصة والأجنبية، وبين التعليم الحكومى العام والتعليم الجامعى الحكومى بمصروفات وبين الجامعات الخاصة والأجنبية، فهناك تعليم عام وتعليم بمصروفات وهما العلامتان للتمييز، والتعليم بمصروفات إلى جانب مخاطره وآثاره الاجتماعية فى ظهور قيمة المال، وتفاوت فرص التعليم وعدالتها بين مختلف شرائح المجتمع، وفى إمكانيات الالتحاق بسوق العمل، إلا أننا نواجه مصادر الاختلاف القيمى والثقافى لا التنوع الثقافى كما يدعى البعض، وأصبح أولياء الأمور الأغنياء ينشدون السطوة والمال وتوريث أبنائهم كل المزايا الطبقية، بينما ظل التعليم الحكومى يعانى من الإهمال والتدني، ولم تعد الجامعة الحكومية جامعة لكل الشعب يتعلم فيها الجميع، ولكنها تحولت إلى مؤسسة استثمارية وأنساق تعليم متناقضة، فهناك أقسام للغات وأقسام متميزة بعشرات الآلاف من الجنيهات وأصبح التميز واضحا بين أبناء الجارية وأبناء الصفوة، فالأقسام المميزة مكيفة وبها مدرجات ومعامل، أما الأقسام المجانية فلا يجد الطالب كرسيا للجلوس عليه، فكيف يمكن صياغة العقل المصرى والوجدان وخلق لغة مشتركة بين جميع أبناء الوطن، المؤسسة الجامعية الحكومية تعرضت للإهمال والتعليم أصبح طبقيا غير راشد، فماذا تعنى بدعة الأقسام المميزة بآلاف الجنيهات؟ وماذا يعنى أن يأخذ طالب معلومة ويحرم منها الآخر لأنه فقير لا يملك ثمنها، سيادة الرئيس إن فلسفة التعليم هى إخراج المجتمع من بؤسه، وليس حراسة مصالح النخبة المسيطرة والمهيمنة، وهذه الأقسام مخالفة للدستور والقانون، نحن نريد تعليما عادلا ومتميزا للجميع وأن تكون الجامعة ساحة لإنتاج نقدية قادرة على اختراق الواقع والتأثير فيه، جامعة منتجة للعلم، وأن تكون جامعة للشعب وليس للأغنياء فقط. غياب الاستراتيجية والرؤية ولعل أهم ما نطلبه من الرئيس القادم هو إنهاء عمليات تضارب السياسات التعليمية بين الوزراء، وإيجاد استراتيجية ثابتة نسبيا لتطوير التعليم مهما تغير الوزير، ولذلك نطالب بضرورة إنشاء مجلس قومى للتعليم الجامعى وما قبل الجامعي، يكون مستقلا عن السلطة التنفيذية، ومن ذوى الكفاءات، على أن يكون بالانتخاب لمن يتقدمون، وتوضع معايير لاختيار الأعضاء، وأن تكون ميزانيته معلنة للجميع منعا للفساد، ويتم وضع معايير للكفاءة والشفافية التى تحكم عمل هذا المجلس، حتى نضمن كفاءته واستقلاله، وعلى المجلس أن يضع أهداف ومعايير للتعليم تضمن جودته وكفاءته، لكى يكون تعليما مماثلا للمستوى العالمى ويتوافق مع معايير الجودة العالمية، ويشرف هذا المجلس على تطبيق هذه الأهداف والمعايير، حتى لا يصبح التعليم هدفا لكل حزب يحكم فيضع سياساته ومناهجه، لأن التعليم فى الحقيقة أصبح سياسة مختلفة لكل وزير جديد، حيث يلغى الوزير الجديد كل السياسات التى بدأها الوزير السابق، وكأننا نضع نظاما تعليميا لكل وزير، فنجد من يلغى الصف السادس وآخر يعيده، وثانوية عامة نظام العامين ثم ثانوية بنظام العام الواحد، وكأن أبنائنا فئران تجارب، ولذلك يجب على الرئيس إنشاء هذا المجلس لكى يضع أهداف وسياسات ومناهج التعليم ويراقب جودة تنفيذها من الوزير المختص.