جمال الغيطانى من الظواهر الخطيرة في حياتنا تصاعدالنبرة والاتجاه المعادي للشيعة، خاصة من جانب بعض علماء الازهر، هذا مضاد لوجود الازهر نفسه عبر التاريخ وللمضمون الروحي للمصريين..» من الأمور شديدة السلبية في واقعنا الآن، الثقافي والديني والسياسي، تلك النغمة العدائية الحادة ضد الشيعة، خاصة الصادرة عن بعض علماء الأزهر، إلي درجة مصادرة اكثر من ثلاثين كتابا من كتب الفكر الشيعي، هذا التصرف الذي نسب إلي الأزهر يبدو غريبا لعدة أسباب، منها ان فكرة المصادرة اصبحت من مخلفات التاريخ مع تقدم وسائط الاتصال، كل مصادر الشيعة الفكرية موجودة ومتاحة علي الانترنت مجانا، فلماذا هذه التصرفات المجافية لروح العصر ولجوهر الازهر نفسه الذي مارس الوسطية طوال تاريخه ويدرس فيه المذهب الجعفري اكبر مذاهب الشيعة، ما نراه الآن محاولة لتأجيج الفتنة الكبري واستخدامها في تقسيم العالم الاسلامي عامة والعربي خاصة علي أساس مذهبي، وهذا باب لو أمعن في فتحه لما انتهي نزيف الدم فيه قبل ألف عام، عندما يصادر الازهر كتب الشيعة فإنه يحجم دوره، الازهر للاسلام كافة وليس للسنة فقط، ليس منبرا للمذهب الوهابي الذي تغلغل فيه للاسف خلال العقود الأخيرة، العداء ضد الشيعة فيه عدم المام بالتكوين الروحي للمصريين، ذلك التكوين الفريد الذي حل الفتنة الكبري، المصريون يتعلقون بآل البيت اكثر من أي شعب آخر، وفي نفس الوقت هم سنة، مضمونهم شيعي واطارهم المذهبي سني، صيغة لو فهمها اولئك المتعصبون لكانت الحل الأمثل لانهاء أخطرمشكلة تواجه المسلمين، الخلاف التاريخي بين السنة والشيعة، من هنا أعيد التذكير بشرح العلاقة الخاصة جدا بين المصريين ورموز آل البيت الكبري، التي تتجاوز التمذهب وأي اطار إلي الحقائق الانسانية الخالدة، وأبدأ بسيدنا ومولانا وحبيبنا الحسين. سيد الشهداء إنه المركز، صميم البؤرة، والمنطلق إلي الجهات الأربع، أصلية وفرعية، في القاهرة أو غيرها من مدن مصرية، تلك منزلة مسجد وضريح سيدنا الحسين رضي الله عنه عند المصريين قاطبة. إذا ما قيل علي مسمع من القوم «سيدنا» فهذا يعني الحسين. وإذا ما قيل «مولانا» فهذا يعني الحسين وإذا ما قيل «الحسين» فهذا يعني «كثير». يعني الاستشهاد من أجل الحق، واقرار العدل، وافتداء الجمع بحياة الفرد، لكي يتحول الوجود المادي إلي معنوي، ممتد، فلازمن يحده، ولامكان يقيده، وقد شاء لي حظي أن أبدأ سعيي في الحياة الدنيا علي مقربة من مسجده الذي يحوي ضريحا يضم رأسه الشريف، فارتبطت حواسي كلها به، بمعالمه ونقوشه ومعماره وما ينبعث من أرجائه، ففيه العطر الخفي، والظلال الهادئة، وطوابير الساعين إلي الصلاة في رحابه، وزيارة مرقد الرأس الشريف، لا ينقطعون ليلا او نهارا، يسعون اليه من القري النائية، والواحات المعزولة في الصحراء، والمدن القريبة والبعيدة، تنتظم حول الحياة في أجمل مشاهدها، يفيض المكان بالطمأنينة بالسكينة، بالرضا، منذ طفولتي، كنت أتطلع إلي الآية الكريمة. « قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَي..» مكتوبة بخط جميل، حروف خضراء علي خلفية من اللون البني، ومحفورة في الجدران، أقرأها فأرق، وأرددها فأستكين، وقد صاحبتني طوال مراحل عمري، ومع بلوغ العمر نقطة متقدمة أستعيدها فأحن وأفهم، وأسترجع مغزي ودلالات استشهاد «سيدنا» و«مولانا». اذا ما قيل «الحسين» فهذا يعني مكانا أيضا، تعرف مناطق القاهرة القديمة بمراقد آل البيت. السيدة زينب، السيدة نفيسة، السيدة عائشة، سيدي زين العابدين، المركز هو «الحسين»، إنه المركز الروحي لمصركلها وليس القاهرة فقط.
الرأس الشريف يقول المقريزي في موسوعته «المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار» ما نصه: «قال الفاضل : محمد بن علي بن يوسف بن ميسر: وفي شعبان سنة احدي وتسعين واربعمائة خرج الافضل بن امير الجيوش بعساكر جمة إلي بيت المقدس وبه «سكان وبالغازي ارفق» في جماعة من أقاربهما ورجالهما وعساكر كثيرة من الأتراك فراسلهما الافضل يلتمس منهما تسليم القدس اليه بغير حرب فلم يجيباه لذلك فقاتل البلد ونصب عليها المنجنيق وهدم منها جانبا فلم يجدا بدا من الإذعان له وسلماه اليه فخلع عليهما وأطلقهما وعاد في عساكره وقد ملك القدس فدخل عسقلان وكان بها مكان دارس فيه رأس الحسين بن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنهما، فأخرجه، وعطره وحمله في سقط إلي أجل دار بها وعمر المشهد فلما تكامل حمل الافضل الرأس الشريف علي صدره وسعي به ماشيا إلي أن احله في مقره وقيل إن المشهد بعسقلان بناه امير الجيوش بدر الجمالي وكمله ابنه الأفضل. وكان حمل الرأس إلي القاهرة من عسقلان ووصوله إليها في يوم الأحد ثامن جمادي الآخرة سنة ثمان واربعين وخمسمائة، وكان الذي وصل بالرأس من عسقلان الأمير سيف المملكة تميم واليها والقاضي المؤتمن. ويذكر أن هذا الرأس الشريف لماأخرج من المشهد بعسقلان وجد دمه لم يجف وله كريح المسك فقدم به الاستاذ مكنون في عشاري من عشاريات الخدمة وأنزل به إلي الكافوري ثم حمل في السرداب إلي قصر الزمرد، ثم دفن عند قبةباب الديلم بباب دهليز الخدمة، فكان كل من يدخل الخدمة يقبل الأرض أمام القبر، وكانوا ينحرون في يوم عاشوراء عند القبر الابل والبقر والغنم. الخطط جزء أول ص427. ويقول المؤرخ عثمان مردخ في كتابه «العدل الشاهد في تحقيق المشاهد» : «إن الرأس الشريف له ثلاثة مشاهد تزار، مشهد بدمشق دفن به الرأس أولا، ثم مشهد بعسقلان بلد علي البحر الابيض ونقل اليه الرأس من دمشق ثم المشهد القاهري بمصر بين خان الخليلي والجامع الأزهر» ص1 ويبقي الحديث عن مراقد آل البيت بمصر وخصوصية العلاقة بالمصريين .