أيام قليلة وتحتفل تونس بالذكري الرابعة لنجاح ثورتها التي أطاحت بالرئيس الأسبق زين العابدين بن علي في 14 يناير 2011، وأشعلت ربيعا عربيا بدا في مطلعه مفعما بالأمل قبل أن يثقله الإحباط. تحتفل تونس بثورتها وهي تخطو بثبات صوب إنجاح تجربة ديمقراطية أنتجتها ثورة الياسمين، وبذكاء سياسييها بمختلف توجهاتهم نجحت في تجنب عواصف هذا الربيع الذي ترك آثار التشتت والفرقة علي دوله مثل ليبيا وسوريا واليمن. بالأمس البعيد وعقب الثورة خطت تونس أولي خطواتها الديمقراطية بتشكيل جمعية تأسيسية لوضع دستور ثالث للبلاد لم تتغلب عليه النزاعات السياسية وسيطرة التيار الإسلامي، ولكن حافظ علي هوية الدولة وتوجهاتها العلمانية، لتجري بعدها انتخابات برلمانية أتت بالإسلاميين إلي الحكم، ومع موجة الاغتيالات السياسية والغضب المتصاعد في الشارع، وجدت حركة النهضة نفسها مضطرة إلي الانسحاب في خطوة ذكية لتتجنب مصير نموذج فاشل للإخوان المسلمين في مصر. وتعود تونس مرة أخري لتصحيح وجهتها السياسية وتعيش في الشهرين الماضيين فترة انتخابية تشريعية ورئاسية تاريخية فاز إثرها حزب «نداء تونس» بأغلبية المقاعد في البرلمان واختير مؤسس الحزب الباجي قايد السبسي رئيسا للجمهورية. وحتي لا يقع في أخطاء سابقيه أكمل السبسي السير في خطي ديمقراطية اختارها التونسيون عندما كلف الحبيب الصيد بتشكيل الحكومة رغم عدم انتمائه لحزب الأغلبية، إلا أن اختياره جاء بالتوافق مع بقية الأحزاب وعلي رأسها حركة النهضة. هكذا أبحرت تونس بنجاح في المياه العكرة التي تظهر بعد الثورات والتي لا تزال دول عربية تغرق فيها حتي اليوم، فليبيا تتنازعها حكومتان وقتال شرقا وغربا وتدخل عسكري فرنسي محتمل، أما اليمن فلم تعد به دولة وأصبح المتمردون الحوثيون هم الحاكم الفعلي للبلاد بعد أن فرضوا سيطرتهم علي مفاصل الدولة، ختاما بسوريا التي أصبحت مرتعا للعنف وحاضنا للإرهابيين من كل حدب وصوب.