بحضور السيسي.. تعرف على مكان احتفالية عيد العمال اليوم    سعر الدولار الآن مقابل الجنيه المصري في البنوك والسوق السوداء اليوم الخميس لحظة بلحظة    سفير روسيا لدى واشنطن: اتهامات أمريكا لروسيا باستخدام أسلحة كيميائية في أوكرانيا بغيضة    ماذا يستفيد جيبك ومستوى معيشتك من مبادرة «ابدأ»؟ توطين الصناعات وتخفيض فاتورة الاستيراد بالعملة الصعبة 50% وفرص عمل لملايين    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الخميس 2 مايو 2024    بحضور السيسي، تعرف على مكان احتفالية عيد العمال اليوم    مظاهرات حاشدة داعمة لفلسطين في عدة جامعات أمريكية والشرطة تنتشر لتطويقها    قوات الجيش الإسرائيلي تقتحم مخيم عايدة في بيت لحم وقرية بدرس غربي رام الله ومخيم شعفاط في القدس    "الحرب النووية" سيناريو الدمار الشامل في 72 دقيقة    ملخص عمليات حزب الله ضد الجيش الإسرائيلي يوم الأربعاء    رامي ربيعة يهنئ أحمد حسن بمناسبة عيد ميلاده| شاهد    «الهلال الأحمر» يقدم نصائح مهمة للتعامل مع موجات الحر خلال فترات النهار    حملة علاج الادمان: 20 الف تقدموا للعلاج بعد الاعلان    نسخة واقعية من منزل فيلم الأنيميشن UP متاحًا للإيجار (صور)    فيلم شقو يتراجع إلى المرتبة الثانية ويحقق 531 ألف جنيه إيرادات    هل يستجيب الله دعاء العاصي؟ أمين الإفتاء يجيب    مشروع انتاج خبز أبيض صحي بتمويل حكومي بريطاني    تعرف على أحداث الحلقتين الرابعة والخامسة من «البيت بيتي 2»    الصحة: لم نرصد أي إصابة بجلطات من 14 مليون جرعة للقاح أسترازينيكا في مصر    الصحة: مصر أول دولة في العالم تقضي على فيروس سي.. ونفذنا 1024 مشروعا منذ 2014    ضبط عاطل وأخصائى تمريض تخصص في تقليد الأختام وتزوير التقرير الطبى بسوهاج    الرئيس الأوكراني: نستعد للتوصل إلى اتفاقية أمنية مع الولايات المتحدة    تشيلسي وتوتنهام اليوم فى مباراة من العيار الثقيل بالدوري الإنجليزي.. الموعد والتشكيل المتوقع    خبير تحكيمي يكشف مدى صحة ركلة جزاء الإسماعيلي أمام الأهلي    بتهمة التحريض على الفسق والفجور.. القبض على الإعلامية "حليمة بولند" في الكويت    تأهل الهلال والنصر يصنع حدثًا فريدًا في السوبر السعودي    الثاني خلال ساعات، زلزال جديد يضرب سعر الذهب بعد تثبيت المركزي الأمريكي للفائدة    متى تصبح العمليات العسكرية جرائم حرب؟.. خبير قانوني يجيب    بتهمة التحريض على الفسق والفجور.. القبض على حليمة بولند وترحيلها للسجن    «البنتاجون»: أوستن أكد لنظيره الإسرائيلي ضرورة ضمان تدفق المساعدات إلى غزة    حسن مصطفى: كولر يظلم بعض لاعبي الأهلي لحساب آخرين..والإسماعيلي يعاني من نقص الخبرات    أمطار تاريخية وسيول تضرب القصيم والأرصاد السعودية تحذر (فيديو)    احذر الغرامة.. آخر موعد لسداد فاتورة أبريل 2024 للتليفون الأرضي    عاطل ينهي حياته شنقًا لمروره بأزمة نفسية في المنيرة الغربية    هاجر الشرنوبي تُحيي ذكرى ميلاد والدها وتوجه له رسالة مؤثرة.. ماذا قالت؟    عميد أصول الدين: المؤمن لا يكون عاطلا عن العمل    كيف يؤثر الذكاء الاصطناعي في الموارد البشرية؟    لاعب الزمالك السابق: إمام عاشور يشبه حازم إمام ويستطيع أن يصبح الأفضل في إفريقيا    وليد صلاح الدين يرشح لاعبًا مفاجأة ل الأهلي    هذه وصفات طريقة عمل كيكة البراوني    أهمية ممارسة الرياضة في فصل الصيف وخلال الأجواء الحارة    حكم دفع الزكاة لشراء أدوية للمرضى الفقراء    ترابط بين اللغتين البلوشية والعربية.. ندوة حول «جسر الخطاب الحضاري والحوار الفكري»    مظهر شاهين: تقبيل حسام موافي يد "أبوالعنين" لا يتعارض مع الشرع    كوكولا مصر ترفع أسعار شويبس في الأسواق، قائمة بالأسعار الجديدة وموعد التطبيق    بسام الشماع: لا توجد لعنة للفراعنة ولا قوى خارقة تحمي المقابر الفرعونية    يوسف الحسيني : الرئيس السيسي وضع سيناء على خريطة التنمية    حيثيات الحكم بالسجن المشدد 5 سنوات على فرد أمن شرع فى قتل مديره: اعتقد أنه سبب فى فصله من العمل    أخبار التوك شو|"القبائل العربية" يختار السيسي رئيسًا فخريًا للاتحاد.. مصطفى بكري للرئيس السيسي: دمت لنا قائدا جسورا مدافعا عن الوطن والأمة    الأنبا باخوم يترأس صلاة ليلة خميس العهد من البصخة المقدسه بالعبور    برج الميزان .. حظك اليوم الخميس 2 مايو 2024 : تجاهل السلبيات    انخفاض جديد في عز.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الخميس 2 مايو بالمصانع والأسواق    بعد أيام قليلة.. موعد إجازة شم النسيم لعام 2024 وأصل الاحتفال به    مفاجأة للموظفين.. عدد أيام إجازة شم النسيم في مصر بعد قرار ترحيل موعد عيد العمال    بقرار جمهوري.. تعيين الدكتورة نجلاء الأشرف عميدا لكلية التربية النوعية    النيابة تستعجل تحريات واقعة إشعال شخص النيران بنفسه بسبب الميراث في الإسكندرية    أكاديمية الأزهر وكلية الدعوة بالقاهرة تخرجان دفعة جديدة من دورة "إعداد الداعية المعاصر"    بروسيا دورتموند يقتنص فوزا صعبا أمام باريس سان جيرمان في ذهاب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يوميات الأخبار
ردح.. يردح.. ردحا
نشر في أخبار اليوم يوم 16 - 12 - 2014

«في قواميس اللغة العربية الكبري وجدت اللفظ، بل إنه منتشر في الأمثال والأقوال المأثورة والأشعار والأحاديث، إنه لفظ يدخل الآن في التعبيرات الحاكمة».
حدثني بعض من عاشوا مرحلة العشرينات عن ظهور الاذاعة اللاسلكية.لم يكن للدولة محطة اذاعة في البداية، كانت المحطات أهلية، أي يمتلكها أشخاص، يبث بعضها الاغاني، والقرآن الكريم، والاحاديث مع المشاهير، واحيانا الاخبار والاعلانات، اعلانات عن ملابس وعن أدوية وعن المشروبات الروحية، كان الاعلان عن الويسكي الانجليزي الفاخر في الصفحات الأولي من الصحف المحترمة، وأذكر أن أعداد روايات الجيب، السلسلة التي أصدرها عمر عبدالعزيز امين وكان لها فضل في اشاعة القراءة وتقريب الادب العالمي، في الصفحة الثالثة منها اعلان ثابت عن نوع من الكونياك اسمه «اوتار» والغريب أنني لم أعثر ولم أر هذا الاسم في أي بلد من البلدان التي ازورها وقد سألت بعض من عاشوا المرحلة ، وأخبروني أنه نوع من الخمر الرخيص كان أشبه بماء النار. أعود إلي المحطات اللاسلكية أو الاذاعات الأهلية، عرفت ظاهرة «الردح» علي الهواء، إذ بدأ بعض المتنابزين أو المتنافسين أو المختلفين أو المتشاجرين يتصارعون علي الهواء باللفظ. يقال ان الشيخ سيد الصفتي وهو صاحب صوت جميل رخيم كان يتوقف اثناء الغناء ويخاطب أحد الفنانين المنافسين قائلا: تعرف ياد تعمل كده؟، وربما يرد عليه الآخر في نفس اللحظة من محطة اخري أو في وقت تال. أعتقد أن ظاهرة المحطات الأهلية التي عرفتها مصر تعود الآن مع اختفاء تليفزيون الدولة وتزايد حضور محطات التليفزيون الخاصة التي تعبر عن وجهات نظرأصحابها. لايوجد الآن اعلام للدولة، خاصة مع تراجع التليفزيون المصري وضعف تأثيره، أما الاذاعة المصرية التي كانت جزءا من الحياة اليومية منذ انشائها في منتصف ثلاثينات القرن الماضي فلم يعدلها التأثير القوي ولم تحل مكانها اذاعات أخري من تلك التي تبث الآن علي fm، نحن نعود إلي مرحلة العشرينات ولكن بالصوت والصورة، يبدو هذا واضحا في الفضائيات، خاصة مع حالة الكسل الاعلامي التي سادت، خاصة في برامج التوك شو، إذا امسك الانسان بجهاز الريموت وتنقل بين الفضائيات سيلحظ ظاهرة الاحاديث من المكاتب في الاستوديو، احيانا المكتب دائري، وفي أخري بيضاوي، أو مستطيل، مذيع وضيف أو ضيوف، اختفت الصورة وليس المقصود الصورة في ذاتها ولكن أعني نقل أحداث الواقع، مع زيادة تضخم الذات عند بعض المذيعين والمذيعات، بدأت ظاهرة المونولوج، أي الحديث المنفرد، ولأن الحديث يتطلب ثقافة وامكانيات واطارا من الوعي بدأت تقع ظواهر سلبية كادت تحدث بسببها كوارث سلبية، مثل الأزمة مع المغرب التي تسببت فيها مذيعة ماتزال تتحدث بمفردها حتي الآن في موضوعات لا تلم بها، الحديث المفرد يؤدي إلي حالة، خاصة إذا جري مع ضحالة الرؤية وفقر التكوين، مع تضخم الذات المصاحب لشيوع الصورة والشهرة الوهمية يتحول المذيع إلي خطيب، أو إلي مناد، أحيانا أري البعض يتحدث بسوقية في موضوعات حساسة ويتطلب الخوض فيها قدرا من المعلومات، رأيت اليوم صحفيا يقدم برنامجا يستعرض فيه الصحف يزعق مخاطبا الجمهور.
«هما فاكرين نفسهم ايه.. احنا حنوريهم.."
هكذا بدأت ظاهرة الردح علي الهواء. في البداية بدأت كعزف منفرد، من طرف واحد، يخاطب جمهورا لا يراه، وفي هذه الحالة يتزايد الانفعال شيئا فشيئا لأن المتحدث يكلم نفسه، هكذا ظهرت عبارات مبتذلة عديدة، ثم تطور الأمر مع التعبير عن مواقف سياسية مختلفة، رأيت منذ اسبوعين لحظة تقدم مذيع من الكاميرامديرا ظهره لضيوف محترمين كان يحاورهم، اتجه إلي الكاميرا ليتحدث مباشرة عن آخر في محطة أخري يتحدث في نفس اللحظة، بدأ حديثه قائلا:
«لو أنت راجل قول علي يناير مش ثورة..»
وسرعان ما جاء الرد علي الهواء
«اللي كانوا بيلحسوا جزم مبارك ما يتكلموش..»
ولكن اولاد الحلال علي الهواء ايضا كما هم في الشوارع والحواري والأزقة يظهرون فجأة ليطبطبوا علي هذا، وليطيبوا خاطر هذا بكلمة تفاديا لتحول العراك باللفظ إلي اشتباك بالايدي، سرعان ما ظهر مذيع ثالث، استدعي زميليه بالصورة في الشاشة التي يطل منها، تحدث إلي هذا وتحدث إلي ذلك، واصلح بينهما، هكذا توظف أحدث أدوات العصر لأهداف لم تخطر ببال من اخترعوها، ما استوقفني هو اتخاذ ظاهرة «الردح» لأطوار أخري، أصبح «الردح» بالصوت والصورة، ولأنني مهتم بهذا السلوك بدأت أراجع المعلومات المتاحة عنه، تذكرت أنه من تقاليد الحروب القديمة اصطفاف الجيشين المتحاربين في مواجهة بعضهما، في البداية يخرج شاعر أو ناثر من هنا وآخر من هناك، ثم يتنابذان بالألفاظ التي تكون هجاء قاسيا ويتحول مع التسخين إلي سباب، ثم يخرج فارس ليصيح:
«هل من مبارز.. هل من مناجز؟»
عندئذ يخرج من الصفوف المقابلة فارس آخر، وسرعان ما تبدأ المبارزة.نلاحظ في الملاحم العربية التي نقرأ نصوصها بعد تدوينها وكتابتها أن الفرسان المتصارعين كان بعضهم ينشد شعرا أو رجزاِ يقوم من خلاله بإشعال الحماسة أو التسخين، عرفت الحياة اليومية للمصريين ظاهرة «الردح» خاصة في القاهرة القديمة، وأقدم وصف لها ورد في «بدائع الزهور في وقائع الدهور» لابن اياس، اذ يذكر المؤرخ الكبير الذي عاش في القرنين الخامس عشر والسادس عشر أن القاهرة عرفت ظاهرة الردح بالطارات من خلال نساء يؤجرن، وكانت حارة الجوانية مشهورة بهن، مثل المطربات والراقصات كان هناك الرداحات، يخرجن وهن يحملن الطبول والطارات متجهات إلي الحارة او الزقاق يمارس الردح امام منزل الشخص المقصود والذي غالبا ما يكون امرأة متخاصمة مع أخري. والغريب أن محترفات الردح هنا أيضا من يستأجرن للندب علي الميت . في حدود ما قرأت لم أجد توصيفا لهذه الظاهرة إلا في كتاب الدكتور علي الراعي «المسرح المرتجل»، يذكر فيه الظاهرة من خلال المسرح ويورد نصوصا مما كان يقوله الممثلون في مشاهد الردح، ويورد الباحث في اللغة العامية المصرية سامح مقار في كتابه «غرائب التعبيرات والأمثال الشعبية» الصادر عن الهيئة العامة للكتاب مقطعا في ذكره للامثال يمكن ادراجه في اسلوب الردح.
تصيح امرأة في أخري قائلة :
- يابت انت حتفرسيني.. ما في حاجة اقولها لك إلا أما تردي عليّ بمثل واثنين! أحسن خليكي قاعدة بين اربع حيطان زي أم قويق بجد.. هنا ترد أم قويق قائلة :
- ياسيدنا الشيخ ضربة تكسرلوحك
قبل ما تعدل علي الناس عدل علي روحك.
فتقول :
- الحق عليّ يعني اني بابص لمصلحتك.. طب انا قايمة ماشية خالص، وخليكي قاعدة في دارك كده زي قرد قطع، صحيح إللي يعيش ياما يشوف.
عندئذ تهرع الاخري مهرولة وراء الاولي -اسمها ام حنان، تصيح : استني يا ام حنان نتفاهم ياختي، ترد أم حنان وهي متجهة إلي دارها مرددة :
- والله ده عجيب ياولاد، وقال علي رأي المثل :
علّمت فيك والطبع فيك غالب
وديل الكلب ما يتعدل ولو حطوا فيه قالب
ده اللي بيمشي ياما يشوف
واللي يلف يشوف اكثر
واللي قاعد في الدار خروف
والزهير ما يعطي الا الحلوف
في حدود ما رأيت وسمعت من ردح الحواري هذا أقصي ما يمكن نشره في الظروف الحالية، لأن الردح يحوي في الأغلب الام شتائم جنسية، واذا تطور الأمر إلي اشتباك تكون اعضاء الانثي هدفا للكشف والضرب علي رؤوس الملأ، ويعكس ذلك في الثقافة العربية سواء الرسمية جدا أو الشعبية احتقار الانثي وما يمت اليها، حتي أن مجرد ذكر اسم موضع العفة يعتبر من أقصي أنواع السباب، ويحوي الردح انتقاصا من كل مايمت إلي الخصمة، سواءنظافتها أو اسلوبها في الطبخ، وكثيراً ما يصاحب وصلة الردح اشارات وحركات من الايدي والحواجب ايسرها ذكري ضم الاصابع علي هيئة قبضة ودق راحة اليد الأخري بها، وهذا كل ما استطيع ذكره في ظروف النشر الحالية، المهم أن قواميس اللغة العربية الكبري، من لسان العرب لابن منظور، وحتي الوسيط لمجمع اللغة العربية يفرد جزءا كبيرا لهذا اللفظ، ويورد نصوصا لفقهاء وأدباء تحدثوا به ويذكرابن منظور في لسان العرب حديثا منسوبا إلي سيدنا علي بن ابي طالب كرم الله وجهه يذكر فيه اللفظ، انه لفظ عربي صميم وبعض مما ورد في القواميس يذكر اللفظ كفعل كما يلي:
ردح /يردح ردحا فهو رادح
ردح الشيء: بسطه
ردح بالماكن : اقام فيه
ردح الرجل : اصاب حاجته
ردح : ثبت وتمكن
ردح غريمة : صرعه
أما توصيف ما جري في بعض الفضائيات بالصورة والصوت فلا أجد له توصيفا لأنه لم يخطر علي بال مخترع التليفزيون ومن قبله الراديو.
خان الخليلي
كان الله في عونهم!
السبت :
هذا ما أردده بيني وبين نفسي كلما بدأت جولتي من مقهي الفيشاوي إلي شارع المعز عبرخان الخليلي، المكان غزير، عامر بالذكري والجمال والمأساة، عندما أمشي فوق ارضه اتذكر ان مقابر الخلفاء الفاطميين كانت هنا، كان القصر الشرقي الكبير يشبه مدينة صغيرة، حدوده الغربية هنا، وعند تلك الحدود تقع تربة الزعفران التي لم يكن يدفن فيها إلا الخلفاء المقدسون، بعد انهيار الدولة الفاطمية نبشت تلك الترب والقيت عظام الخلفاء الذين كان لهم مكان ومهابة في اكوام القمامة. في العصر المملوكي بني الامير جهاركس الخليلي خانا جميلا سرعان ما أصبح اشهر سوق للعاديات والتحف في الشرق، وظل المكان متماسكا حتي القرن العشرين، رغم ان الاميرة شويكار احدي اميرات العائلة المالكة قامت بشراء العقارات القديمة وشيدت ما عرف بمدينة الحسين والتي تشكل أحد معالم الخان الآن. للدكتور حسام الدين اسماعيل دراسة معمارية رائعة صدرت عن معهد الآثار الفرنسية بالقاهرة في مجلدين بالعربية والفرنسية، مايعنيني الآن الازمة التي يمربها الخان الآن، لعلهاالاصعب والاطول في تاريخه علي الاطلاق، الخان مثل كل المنشآت والمناطق الأثرية التي تتأثر بسرعة باحوال السياحة سلبا وايجابا، عشت فترة صعبة مماثلة ولكن عولجت آثارها. عملت بعد خروجي من المعتقل مع المهندس فخري زكي بطرس حوالي عامين كمسئولين عن الجمعية التعاونية لخان الخليلي والتي تتخذ مقرها في واحد من المباني الاثرية التي تنتمي إلي العصر العثماني، ربع السلحدار، وهذا الربع نموذج للمباني التجارية في العصور الوسطي، مثل الخان، والوكالة والقيسارية، كان ومازال يتكون من طابقين، متاجرفي الطابق الاول، وغرف في الطابق الثاني كانت تقوم بدور الفندق، ينزل فيها التجار القادمون من البلاد البعيدة او من داخل مصر، في مرحلة من تاريخ الربع اصبحت الحجرات تتبع الازهر، واقام بها طلابه المغتربون، منهم جمال الدين الافغاني وطه حسين وغيرهم، ثم تغير الأمر فأصبحت الغرف مقرا للفنانين الذين يبدعون أجمل التحف، عرفت كنوزا من المواهب، عم مصطفي نقاش النحاس الذي ظل يبدع بعد أن فقد بصره، كان يبدأ من مركزالصينية وينطلق، ذاكرته عامرة بالنقوش، اماالحاج سيد والحاج فتحي فكانا أمهر مبدعي الفضة، وللصدف عالمه وكباره، صالح بدر، رحمه الله، والحاج سعيد، والشيخ عبداللطيف يونس، لكل منهم ابداعه واسلوبه، عندما طلبت من الفنان عم مصطفي ان يوقع باسمه علي صينية من النحاس نقشها خصيصا لي بكي، قال إنها المرة الاولي في حياته التي يطلب منه احد الزبائن توقيعه، هؤلاء المبدعون جزء اساسي من القوة الناعمة لمصر، لهم امتداداتهم في ابنائهم الذين ورثوا الحرفة او من تتلمذوا علي أيديهم، تجربتي في الخان ثرية جدا ولم اكتبهابعد خاصة انها بدأت وانتهت في زمن صعب، اذ وقعت هزيمة 1967، وانقطعت السياحة.كان الخان يعتمد علي السياحة المحدودة في ذلك الوقت ونشاط البمبوطية الذين يبيعون منتجات الخان للسفن العابرة، توقفت السفن بسبب اغلاق القناة فاكتملت الطامة، رأيت كيف يمكن أن تنهار حضارة، كثيرون غيروا نشاطهم من نقش الصدف والنحاس وصياغة الذهب والفضة إلي قلي الطعمية والباذنجان ليتمكنوا من الحياة، كان المهندس فخري طاقة هائلة من النشاط والحيوية، سعي إلي عقد اتفاقيات للتصديرمع الدول الاشتراكية، آلاف علب الصدف، آلاف البلغ المنقوشة بالذهب، تمكن من احياء الوضع وتجميد تدهوره، غيرأن الازمة التي بدأت بعد يناير 2011 ماتزال مستمرة، كان الله في عون القادرين وغير القادرين، أصحاب المتاجر والورش لديهم مصاريف ثابتةمن ايجار واجور وضرائب، حركة السياحة شبه معدومة، نادرا ماأري أجنبيا، أقترح علي وزارة التعليم العالي والتربية والتعليم والمدارس والجامعات الخاصة تنظيم رحلات إلي الخان، يمكن شراء هدايا وتحف بأسعار معقولة جدا، اناشد المصريين أن يؤسسوا لعادة التعامل مع منتجات الخان حتي يمكن انقاذ ما يمكن إنقاذه.
في وداع الحياة
الخميس :
ينشد الخال ابدع ما جاد به الحس الانساني في وداع الحياة، فلننتبه إلي ما يقول، منذ فترة والموت يقترب، الوعي به حاد، الابنودي مثلي لم يعد يخاف الموت، لكنه يهابه، تشابه غريب في رؤيته ورؤيتي التي عبرت عنها في «حكايات هائمة» التي نشرت مسلسلة في اخبار اليوم، ومجموعة قصصية بعنوان «يمام» صدرت عن دار نهضة مصرالاسبوع الماضي. لا عجب فثمة تماه طويل بيننا يؤسس لتلك العلاقة الطويلة الفريدة التي اعتز وأئتنس بها قرب المحطة الاخيرة، غير أن الابنودي شاعر عظيم وتعبير الشاعر اكثر حدة وتركيزا، كانت «جدارية» محمود درويش من اقوي النصوص الشعرية التي عرفتها في مواجهة الموت والفناء بعد رائعة «طرفة بن العبد» التي رثي نفسه فيها وهو علي قيد الحياة، الابنودي في رأيي هو اكبر شاعر عربي معاصر علي الاطلاق، غير أن تعبيره بشعر العامية جعله في مرتبة بعيدة عن شعراء الفصحي، مازال التلقي للفصحي مختلفا عن تلقي العامية مع أن شعر العامية له خصوصية أدق وهذا مما يطول الحديث فيه. القصيدة الاخيرة المنشورةفي جريدة التحرير الخميس الماضي جزء من هذه الحالة الشعرية الفريدة التي ينكشف لبصر الشاعر الثاقب النافذ حقائق الوجود فيعبر عنها وعن كل انسان يعبر الحياة إلي المرسي الأخير.
يقول الخال وما أروع ما يقول :
وأمي نخلة طويلة نواحة
جاية.. ورواحة
يعول في قلب الريح
تيجي تروح.. تيجي تروح
فاردة شعورها الخوص
وطراحة
ولدي مليح
خسارة في الموت.. حن ياوهاب
واوهب له «تاني» روح
نقول «سلامتك ياو نس قلبي وتتجنق بالنوح
والكون بحاله يبتدي التناويح!!
امي اللي غابت من سنين عني
صورتها لسه ساكنه في النني
أمي اللي غابت سنين عني
لساها بتمشط.. وبتحني
لساها بتعدد.. وتنثر دمع.. وتغني
نخلة وثابتة انما بدّور
مادة جدورها ف قلبي وف سني
تميل من العالي.. تلامسني
وتجبر المكسور
ترضع حنان مني
وتميل عليّا
ميلة المهجور علي المهجور
تبكي في قلب الليل
تيجي وتروح
تيجي وتروح
وتميل عليّا
ميلة المدبوح علي المدبوح
أميّ
وشايفه
بعينها عمري يقل
تغيب ساعة ما تهل!!
والمتْسمع. أقل م المسكوت
والممنوع..أقل م المفلوت
وانا ماشي تحت السقوف
من غير ضلوالشمس محرات
والفضا محروت
وانا منكن تحرس عيني
خبث الموت
وفي مقطع آخر يقول :
عاشرت نص الناس وما طلعتش
الا بشبه اصحاب
وسخرت من فكرة
ان البشر للبشر
والود ف لي منتظر ع الباب
ولا فرق بين الحياة والموت
لعبة.. آخرها تراب!!
عكروت وبيطلع لنا لسانه
يبخل.. ومستني في آخر النبوت
وكله ما بيعود لهوش معني
سوق المحبة ما عادش بيساعنا
بطلت الف العمر ع الفاضي
وازعل من الرافض وم الراضي
ايه مش حرام في شرا او بيعنا؟
يفرق في إيه
ان كان مديح
والا هجا ولعنة ؟
لا الصبر بيصبر
ولايطمس الطعنة
ولا الدعا
بيعود معاه بالقوت
يختتم الرائعة بتلك الصيحة
حيجينا بكره
في إيده كشف حساب
حيمد ايده واحنا نمشي وراه
حنموت كده.. أغراب
حنموت كده.. أغراب
ويمددونا
تابوت.. جنب تابوت


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.