هناك ثراء في الأفكار والمقاصد ولكننا نفتقر إلي مجالات التطبيق والعمل كفريق واحد من أجل دفع عجلة الاقتصاد الوطني. لا شك أن مصر تتبع استراتيجية تنموية، قائمة علي تسخير كل إمكانيات الدولة من أجل تحقيق معدلات نمو اقتصادي، تستطيع بها الدولة تحقيق سياستها الخاصة بالعدالة الاجتماعية وتحقيق الرفاهية المنشودة. وقد أتيحت لي الفرصة مؤخرا لحضور إحدي ندوات المنظمة العربية للتنمية الادارية، إحدي منظمات جامعة الدول العربية، للتعقيب علي احد إصدارات المنظمة وهو دراسة أعدتها الأستاذة الدكتورة يمن الحماقي بعنوان «مكانة الدول في الاقتصاد العالمي بعد الأزمة المالية»، وقد ذكرت في مقدمة الرسالة أن كل مصري إنما يشغله مكانة مصر خاصة بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير حيث يراودنا جميعا الأسي من أن مصر تستحق مكانة أفضل مما نحن فيه. وإذا كان هذا شعورا قويا يراود المصريين بدرجات متفاوتة إلا أن الأساس العلمي لهذا الشعور إنما يتركز علي الموارد الكبيرة التي تملكها مصر وهي للأسف غير مستغلة وعلي رأسها الموارد البشرية والطبيعية والتعدينية وذلك بسبب سوء السياسات وسيطرة الفساد وضعف المؤسسات. المهم أن إحدي منظمات الجامعة العربية بدأت في التفاعل مع المجتمع العربي وفتحت أبوابها لمناقشة موضوع مهم يخص الاقتصاد المصري ومستقبله. الأمر الآخر هو الانفصال الكامل الذي نعانيه بين البحث العلمي والتطبيق، فنحن نسمع ونقرأ للخبراء عن تدقيق وتشخيص للمشكلات وكذلك جرعات كبيرة من العلاج اللازم، ولكن في أغلب الأحيان نراوح مكاننا. وقد يكون الأمر لا يستلزم كل هذه الأبحاث والدراسات وإنما تطبيق عملي سريع وتنفيذ دقيق وسريع أيضا لمشروعات من شأنها دفع عجلة الاقتصاد الوطني وتحقيق معدلات نمو إقتصادي. وقد أكدت في تعليقي علي الدراسة أن العلاقة بين السياسة والاقتصاد لا يمكن نفيها، بل يخدم كل منهما الآخر، وأن التعاون بين دول الجنوب أمر مهم وسيكون له تأثيرات إيجابية علي الاقتصاد المصري. كما أن التحرك المصري النشط في اتجاه دول الاتحاد الأوروبي يأخذ شكلا مهما وهو محاولة التركيز علي العلاقات الثنائية بين مصر وكل دولة أوروبية علي حدة. وهذا ما جري خلال الأيام القليلة الماضية وهو اقتراب غير مباشر له تأثير إيجابي علي استراتيجية التعامل مع الاتحاد الأوروبي كوحدة واحدة.. كما ركزت علي افتقار الدول العربية لرؤية استراتيجية واحدة في مجال التواجد الاستثماري العربي الخارجي وأقصد بذلك التواجد الاستثماري العربي في الغرب، حيث أنه يدار بشكل انفرادي يغيب عنه التنسيق الذي يعد أمرا ضروريا إذا أردنا أن يكون للعالم العربي قوة اقتصادية تلعب دورا سياسيا مؤثرا وضاغطا حتي لا نظل في خانة المفعول به دوليا. إذا انتقلنا إلي الواقع العربي الداخلي نجد أنه من المهم أن نولي عناية بدور الاقتصاد الأخضر في التنمية المستدامة في الوطن العربي والمحافظة علي الموارد الطبيعية. فالحفاظ علي البيئة لم يعد رفاهية وإنما سيكون أحد المتطلبات الدولية التي تخضع لها دول العالم. ومن هنا فإن الاعتماد علي ممارسات الاقتصاد الأخضر التي تحد من التلوث تجعلنا ندرك أن الحفاظ علي البيئة ليس جزءا من الاقتصاد الأخضر ولكن الاقتصاد الأخضر جزء من البيئة وهو آليه للوصول إلي التنمية المستدامة. وقد ينقلنا الحديث هنا إلي أن معالجة عدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية في العالم العربي، تؤكد ضرورة الحاجة إلي نموذج تنموي جديد تساهم فيه المؤسسات العربية التنموية والصناديق العربية.. وقد أوضحت مقدمة الدراسة التي أشرت اليها في البداية أن حلم مصر لا يمكن أن ينفصل عن حلم الأمة العربية في الازدهار، لأن استغلال الموارد علي مستوي الدول العربية بشكل متكامل يختلف إختلافا جذريا عن إستغلال هذه الموارد علي مستوي كل دولة بمفردها، وهناك بالفعل دراسات تثبت ذلك بل وتحدد المعوقات والتحديات أمام التكامل الاقتصادي العربي وكيفية مواجهة هذه التحديات بشرط توافر الارادة السياسية.. ومن مميزات الدراسة أنها أشارت إلي بعض الدروس التي يمكن الاستفادة منها في دعم فاعلية الاصلاح الاقتصادي المصري، واندماجه مع الاقتصاد العالمي والتي يمكن سردها كالتالي: أن نجاح التنمية الاقتصادية وتواصلها إنما يتطلب المحافظة علي العناصر الأساسية التي تكفل تحقيق هذا النجاح وعلي رأسها تحقيق الكفاءة في استخدام عناصر الانتاج المادي والبشري ودعم الاطار المؤسسي ومكافحة الفساد مع استقرار السياسات الاقتصادية الكلية. أن التحرر المالي لا يقتصر علي المعني الضيق له وهو الاجراءات والسياسات التي تهدف إلي خفض القيود علي عمليات الأسواق المالية وإنما يمتد إلي المعني الأشمل وهو دعم كفاءة النظام المالي والتي تضمن تطوير أسواق المال ودعم استقلالية المؤسسات المالية وتحسين فاعلية السياسة النقدية بما يسمح باندماج السوق المصرية في السوق العالمية. دراسة تأثير التدفقات الخارجية والتي تتمثل في رأس المال الأجنبي المباشر وغير المباشر بالاضافة إلي المديونية الخارجية، وذلك أن الأمر يتطلب تنظيم التعامل مع هذه التدفقات بما يتفق مع تعظيم دورها في خدمة أهداف التنمية ومحاول تجنب آثارها السلبية. أهمية زيادة الطاقات الانتاجية في إحداث التنمية، يجب هنا الاشارة إلي مداخلة السيد وزير التموين السابق د. محمد أبو شادي عندما علق علي قولي بأن الاقتصاد علم جامد والحديث فيه قد لا يكون مثيرا، فأوضح لي وللمشاركين في الندوة أن علم الاقتصاد هو أقدم العلوم علي الأرض ولا يمكن أن نحيا بدونه. واتفقت معه علي هذه المداخلة الرائعة التي أتمني أن يحاول نشرها.