الديمقراطية لا تتوقف علي أي فصيل، مهما كانت أهميته، ولا تستطيع أن تؤثر في اللعبة، دون أن تشارك فيها البحرين تجربة أخري في العالم العربي، تمثل أملا، بأن المنطقة تسير في الاتجاه الصحيح، بالتزام الديمقراطية والتعددية الحزبية، والاستجابة لأحكام صندوق الانتخابات. البحرين علي عكس دول عربية أخري، جاء ربيعها الخاص مبكرا، مختلفا عن تجارب الآخرين، لم تكن أبدا مثل تونس، أو مصر، أو ليبيا، أو اليمن أو سوريا. لم تنتظر حتي عام 2011، أو خروج الجماهير تردد في الشوارع والميادين، بأن «الشعب يريد...»، ولكن الملك حمد بن عيسي ومنذ توليه الحكم في مارس من العام 1999، قرأ الواقع البحريني، وهو ولم يكن بعيدا عنه استشعر رغبات أهل البحرين، في استعادة التجربة الديمقراطية القديمة، ولكن علي أسس جديدة، فكان المشروع الإصلاحي، الذي بدأ في فبراير من نفس السنة، بإقرار الميثاق الوطني، عبر استفتاء عام، ونال أكثر من 98 بالمائة، وأهم بنوده تحويل البحرين إلي مملكة دستورية، تكرس مبدأ الفصل بين السلطات، وتصون الحريات والحقوق، وتأخذ بنظام المجلسين في الحياة النيابية، أحدهما منتخب مجلس النواب، والثاني الشوري، معين، وكذلك وضع الدستور البحريني، الذي مثل خطوة متقدمة، مقارنة بالمحيط العربي والإقليمي، واستمرت الخطوات، ومنها السماح بتكوين الجمعيات السياسية، وهي بمثابة أحزاب تمثل جميع التيارات السياسية وكان ذلك في عام 2005، ووصل العدد إلي 18 جمعية، وتدعيم منظمات المجتمع المدني، والحريات العامة، وتعزيز حقوق الإنسان وتمكين المرأة. ومع بداية الأسبوع القادم، تشهد البحرين الانتخابات البرلمانية الرابعة، الأولي في العام 2002 والثانية بعد أربع سنوات، وفقا للدستور، والثالثة في 2010، مما يعني الحرص علي التجربة الديمقراطية، وتكريس التعددية السياسية طوال تلك الفترة، لم يكن ذلك الأمر سهلا أو ميسورا، بل تجاوزت البحرين العديد من العقبات، وواجهت الكثير من التحديات، منها علي سبيل المثال لا الحصر، أزمة أحداث فبراير 2011، عندما استثمرت مجموعات سياسية، تمثل جزءا من المشروع الإيراني، الذي يستهدف البحرين، رياح الربيع العربي، في اطار مخطط كبير، يستهدف المنطقة، ويجعل من البحرين نقطة انطلاق، إلي بقية دول الخليج، ولم تمر سوي أيام محدودة، حتي ظهر الوجه الطائفي القبيح، فالهدف ليس إصلاح النظام، بل إسقاطه، وتغيير هوية المملكة، إلي جمهورية ولاية الفقيه علي النمط الإيراني، واستمرت عمليات التخريب التي طالت كل المنشآت، ومحاولة إرباك الدولة بالاعتصامات والإضرابات، واستهداف رجال الشرطة وقوات الأمن، وساهم تدخل قوات درع الجزيرة، التابعة لمجلس التعاون الخليجي، في قطع الطريق علي مخطط إنزال قوات من الحرس الثوري الإيراني، بذريعة حماية الثورة المزعومة. والتزمت القيادة في البحرين ومنذ اليوم الأول، بالدعوة إلي الحوار، باعتباره الوسيلة الوحيدة للبحث في القضايا المطروحة، وتحقيق توافق وطني حول الحلول، ولكن المعارضة اعتبرت ذلك، علامة ضعف، فرفعت سقف المطالب، ولكنها عادت من جديد للاستجابة للدعوة، بعد أن تمكنت الأجهزة الأمنية من استعادة زمام الأمور، شاركت فيه وهي تخطط لإفشاله، وهو ما حدث في الجولة الأولي له، بينما التزمت الدولة بما تم الاتفاق عليه من رؤي في ذلك الحوار، وعادت من جديد لتطرح حوارا مختلفا، من حيث المشاركين فيه، والقضايا المطروحة، وانحصر بين ممثلين عن الحكومة، والبرلمان، وجمعيات المعارضة الشيعية، ومجموعة من الجمعيات المستقلة، ولا يمكن حسابها علي أنها موالية للحكومة، وتكرر نفس المشهد، بين المشاركة أحيانا والمقاطعة في أغلب الأحيان، ومازال الحوار يراوح مكانه، رغم محاولات القيادة في مملكه البحرين الانتهاء منه. ولم تكن أزمة فبراير 2011 هي الوحيدة، التي واجهت المشروع الإصلاحي، فهناك مواقف الجمعيات الشيعية المعارضة، من الانتخابات النيابية والبلدية، والتي اتسمت أيضا بالتردد، وأهمها جمعية الوفاق، التي شاركت في الانتخابات الأولي، وقاطعت الثانية، وعادت في انتخابات 2010 للمشاركة، لتفوز ب 18 مقعدا من بين 40 مقعدا، هم أعضاء مجلس النواب، الذي ضم أيضا نائبين لجمعية الأصالة، التي تمثل التيار السلفي، ومثلهما للمنبر الإسلامي، الذي أعلن مؤخراً أنهم ليسوا جزءا من التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين، وقد استجابت الحكومة ووفقا لنتائج الحوارات التي تمت، إلي مطالب المعارضة والتي سعت من أجلها طويلا، ومنها انتقال رئاسة المجلس الوطني، إلي النواب المنتخب، بدلا من الشوري المعين، وضرورة حصول برنامج الحكومة علي موافقة البرلمان، مع إمكانية مساءلة رئيس الوزراء أو الوزراء، مع تعديل الدوائر الانتخابية، ولكن المعارضة خاصة الوفاق، مازالت تمارس لعبة «إما كل شئ أو المقاطعة». ونسيت المعارضة درس الانتخابات التكميلية في عام 2011، عندما حاولت هدم أسس الدولة، بالانسحاب من عضوية مجلس النواب، تمكنت الحكومة من إتمامها، رغم تهديدات الذين خاضوها من المرشحين، ودعوات المقاطعة للناخبين، فالديمقراطية لا تتوقف عند فصيل مهما كانت أهميته، فإنك لا تستطيع أن تؤثر في نتائج اللعبة، دون أن تشارك فيها، أو تعترف بقواعدها.