في الوقت الذي انشغل فيه العالم بتطورات الأحداث في كل من ليبيا واليمن، شهدت الاحتجاجات في البحرين موجة جديدة من الغضب بسبب تصعيد أعمال العنف في مواجهة المتظاهرين و أفراد المعارضة. وأسفرت المواجهات بين الشرطة و المتظاهرين في الاحتجاجات التي تشهدها البحرين منذ منتصف فبراير الماضي عن مقتل 16 شخصاً وجرح 200 من المحتجين ورجال الشرطة. ويطالب المحتجون بوضع دستور جديد للبلاد يتم بموجبه انتخاب الحكومة من قبل الشعب، وتحقيق تمثيل أكبر للشيعة الذين يمثلون ما بين 50 و70 بالمائة من سكان المملكة التي تحكمها أقلية سنية والبالغ عددهم نحو 750 ألف نسمة. كما يطالب المحتجون بتعديلات دستورية والإفراج عن معتقلين سياسيين واستقالة رئيس الوزراء الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة الذي يرأس حكومة البحرين منذ عام 1971 وهو تاريخ استقلال البلاد. واتهمت المعارضة السلطات باستهداف رموزها و مطاردتهم واعتقالهم، و قالت في بيان «إن السلطات لاتزال ترفض الإفصاح عن مواقع احتجاز قادة المعارضة ولم تسمح لمحاميهم بزيارتهم". كما قام أفراد من جهاز الأمن الوطني البحريني باقتحام منازل عدد من المعنيين بحقوق الإنسان وبالدفاع عن الحقوق السياسية مما أثار انتقاد الجمعيات المعنية بحقوق الإنسان مثل هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية التي أبدت قلقا كبيرا حيال مزاعم تعذيب تعرض لها المعتقلون. مؤامرة خارجية ومن ناحيته، أعلن ملك البحرين الشيخ حمد بن عيسي آل خليفة أنه تم إحباط مؤامرة خارجية ضد بلاده ،في إشارة منه لإيران، عن طريق قمع الاحتجاجات المستمرة في البحرين منذ أسابيع. وأضاف "جري الإعداد لهذه المؤامرة منذ عشرين الي ثلاثين عاماً، وبدأ تنفيذها عندما بدت الظروف مواتية". ويأتي هذا التصريح في إطار حرب اعلامية ودبلوماسية معلنة بين البحرين و إيران حيث قررت الحكومة الإيرانية طرد أحد الدبلوماسيين البحرينيين المعتمدين لديها رداً علي قيام البحرين بطرد القائم بالاعمال الإيراني في المنامة علي خلفية اتهام إيران بالتدخل في شئون البحرين الداخلية و دعم الاحتجاجات التي شهدتها مؤخراً. كما انتقدت طهران النظام البحريني لاستقدامه قوات أمن خليجية لقمع الاحتجاجات. وقال مهمانباراست، الناطق باسم وزارة الخارجية الإيرانية، إنه يتعين علي النظام البحريني الانتباه للمطالب المشروعة للشعب مؤكداً أن "قمع الاحتجاجات السلمية والتصرفات غير المنطقية لن تؤدي إلا إلي مفاقمة الأزمة وتعميق الجروح". وفي إطار الحرب الإعلامية بين الجانبين، ذكر موقع العربية نت أن موقعاً الكترونياً إيرانياً يحمل شعار "رحيل" دعا إلي الجهاد في البحرين بسبب ما تتعرض له مما أطلقت عليه غزو دول الخليج، كما دعا الموقع إلي تجنيد الانتحاريين. ونجح الموقع في تسجيل 1858 متطوعاً انتحارياً حتي الآن، منهم نحو 60 % من الإيرانيين و 18 % من البحرينيين. وشدد الموقع علي أن الوعد الإلهي بظهور المخلص قد حان. وكانت البحرين قد أعلنت أنها تملك ما قالت أدلة دامغة علي تدخل إيران في شئونها الداخلية عن طريق أجندة متطرفة تسعي إلي تقويض الاستقرار والأمن الداخليين. وقالت ميسون سبكار، الناطقة الرسمية باسم هيئة شئون الإعلام، "إن البحرين تدين وتستنكر بشدة هذه التدخلات الخارجية في شئونها الداخلية ومن بينها ما جاء علي لسان الأمين العام لحزب الله اللبناني والتصريحات الصادرة من النظام الإيراني والتي لا تسمح بها مملكة البحرين". قوات درع الجزيرة أثارت دعوة الحكومة البحرينية لقوات أمن خليجية عرفت باسم قوات درع الجزيرة لقمع المظاهرات غضب المعارضة خصوصاً بعد دخول نحو ألف جندي سعودي و500 جندي إماراتي البحرين في أوائل الأسبوع الماضي. وطالبت حركة الوفاق البحرينية المعارضة الأممالمتحدة بالتدخل لحماية المحتجين كما طالبت المجتمع الدول بالضغط علي دول مجلس التعاون الخليجي لإجبارها علي سحب قواتها من البحرين. وهددت المعارضة بتعليق الحوار مع الحكومة البحرينية برئاسة ولي العهد الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة حتي تنسحب القوات الخليجية و حتي يتم الإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين. أما جمعية الأصالة الإسلامية البحرينية فطالبت بإقامة قاعدة دائمة لقوات درع الجزيرة في البحرين من أجل مواجهة ما أطلقت عليه "المشروع الإمبراطوري الإيراني" في تصدير الثورة إلي المنطقة لزعزعة استقرارها. ونددت الجمعية بالتدخلات الإيرانية في شئون البحرين وبتصريحات حسن نصر الله زعيم حزب الله اللبناني التي أعلن فيها عن استعداده لمساعدة "الفئة الباغية التي سعت في الأرض فساداً وقتلت وروعت الآمنين وهددت السلم الأهلي بالبحرين". وساطة إقليمية و دولية وتسعي البحرين إلي استنفار الوساطات الدبلوماسية الإقليمية لحل الأزمة في البلاد، وجاءت زيارة وزير الخارجية الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة لتركيا في هذا الإطار، ووصف الوضع في بلاده بأنه خطير و بأنه ينذر بحدوث انقسامات دينية، ودعا تركيا للعمل المشترك من أجل اتباع سياسة مشتركة تجاه الانقسامات الدينية في الشرق الأوسط. وأضاف الوزير البحريني "علينا أن نتباحث مع حلفائنا الأتراك بشأن موقف مشترك من هذه الانقسامات والنزاعات بين المجموعات الدينية". وكانت مبادرة كويتية يقودها رجل الأعمال الكويتي علي المتروك قد بدأت منذ أعلن ولي عهد البحرين الأمير سلمان بن حمد آل خليفة يوم 13 مارس الجاري عن الدعوة للحوار علي أساس المبادئ السبعة التي من بينها تشكيل مجلس نواب كامل الصلاحيات، وحكومة تمثل الإرادة الشعبية، ودوائر انتخابية عادلة. وقال الأمير سلمان لدي إعلانه عن المبادئ السبعة " إننا قد قمنا بما يمليه علينا الواجب ومازلنا في تواصل مع من يرغب في الحوار مع جميع القوي الفاعلة في المجتمع البحريني بحيث يفتح الباب لعرض جميع القضايا الدستورية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية وقد بينا موافقتنا علي ما تم طرحه للحوار من مبادئ و من ضمنها: مجلس نواب كامل الصلاحيات، حكومة تمثل إرادة الشعب، دوائر انتخابية عادلة، التجنيس، محاربة الفساد المالي والإداري، أملاك الدولة، معالجة الاحتقان الطائفي وغير ذلك من مبادئ ومحاور للحوار الوطني". ووفقاً لهذه المبادرة، سيتم الحوار مباشرة بين المعارضة وولي عهد البحرين برعاية أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد كضامن للحوار. وقابلت جمعية الوفاق الإسلامية البحرينية المعارضة المبادرة الكويتية لحل الأزمة بارتياح. غير أن الشيخ عادل المعاودة النائب الثاني لرئيس مجلس النواب البحريني، العضو بكتلة الأصالة السلفية، أكد أن هذه الوساطة لم تقدم حتي الآن شيئاً ملموساً، و أضاف "نسمع كثيرا عن الوساطة الكويتية، ولكن لا نري شيئاً. دولة الكويت إذا أرادت وساطة يجب أن تكون وساطة جادة، وليست فقط وساطة الزيارات المتبادلة. الأطراف المختلفة في البحرين أقرب لبعضها البعض، وفي البحرين توجد وساطات. ولكن للأمانة لم أسمع عن الكويت إلا وساطتها القديمة قبل دخول قوات درع الجزيرة للبحرين، ولم تعرف نتائج هذه الوساطة القديمة". وفي الوقت الذي تسعي فيه البحرين إلي تفعيل وساطات إقليمية لحل الأزمة، عرض الاتحاد الأوروبي أن يلعب دور الوسيط في إطلاق عملية الحوار الوطني مؤكداً علي إيجابية دعوة ولي العهد البحريني للحوار. ووصف هوجو مينجاريلي، العضو المنتدب لمنطقة الشرق الأوسط في الاتحاد الأوروبي للشئون الخارجية، استقدام قوات درع الجزيرة إلي البحرين بأنه قرار مشروع ويأتي في إطار اتفاقية دول مجلس التعاون الخليجي. وأكد عبدالرحمن بن حمد العطية، الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، رفض دول مجلس التعاون لأية تدخلات خارجية في شئون المملكة الداخلية، و علي شرعية مشاركة قوات درع الجزيرة للدفاع عن أمن الدول الأعضاء وردع أي عدوان خارجي عليها. استقالة أعضاء الوفاق وعلي صعيد المعارضة، أعلنت جمعية الوفاق الوطني الإسلامية الشيعية عن استقالة أعضائها في البرلمان البالغ عددهم 18 نائباً بعد أن تم تعليق عضويتهم لعدة أسابيع حتي يتم الاتفاق علي جدول زمني لتنفيذ الشروط الإصلاحية التي تقدمت بها جمعية الوفاق. غير أن خليفة بن أحمد الظهراني، رئيس مجلس النواب البحريني، أكد أن كتلة جمعية الوفاق الوطني الإسلامية ستظل جزءاً لا يتجزأ من مجلس النواب. وقال "إننا حريصون علي استمرارية عملها تحت قبة البرلمان وذلك من خلال رفض البت في استقالة نوابها حتي الآن". وأكد الظهراني أنه تمت دعوة كتلة الوفاق إلي الاستمرار في المشاركة في السلطة التشريعية والمساهمة مع المجلس في دعم حكم القانون وبناء دولة المؤسسات في إطار المشروع الوطني الجامع. وفي الوقت الذي صعدت فيه المعارضة الشيعية موقفها في البرلمان، أعلن الشيخ عبد اللطيف المحمود زعيم تجمع الوحدة الوطنية السني أن الحل الأمني غير كاف وانه يتعين علي المعارضة تجنيب البحرين مخاطر الفتنة الطائفية. وطالبت قوي أخري معارضة (من بينها جمعية الوفاق الوطني الإسلامية، جمعية العمل الوطني الديمقراطي، جمعية المنبر التقدمي الديمقراطي، جمعية التجمع القومي الديمقراطي، جمعية التجمع الوطني الديمقراطي، جمعية العمل الإسلامي، جمعية الإخاء الوطني، الائتلاف الوطني) بضرورة اللجوء للحل السياسي للخروج من الأزمة الراهنة، وقالت في بيان إن "القوي السياسية الموقعة علي هذا البيان تؤمن بأن الحوار بين المعارضة السياسية والحكم هو الوسيلة الأصح لإخراج البلاد من المأزق السياسي". تطور الأوضاع في البحرين يشير إلي ترجيح سيناريو قمع الاحتجاجات بدعم قوات درع الجزيرة و بتأييد دولي يري أن الحل الأمثل هو بدء الحوار الوطني وضرورة استجابة المعارضة لدعوة الأمير سلمان بن حمد آل خليفة للحوار حول المطالب المقدمة من المحتجين. تصعيد المعارضة الشيعية لاحتجاجاتها عن طريق الاستمرار في الدعوة إلي التظاهر وعن طريق تقديم استقالة أعضائها من البرلمان هو تصعيد يسعي إلي شل الموقف السياسي لفرض المطالب علي الحكومة. خطورة الموقف تأتي من البعد الطائفي في ملف الاحتجاجات البحرينية، و هو البعد الذي أخذ منحي تصادمي بعد التصعيد الإعلامي الذي قامت به إيران و قام به حزب الله اللبناني مما قد يؤدي إلي ردود أفعال عنيفة من الصعب التوقع بها أو بمداها علي البعد الإقليمي خاصة مع ترقب دول مجلس الخليج.