حياتى گلها فحم فى فحم وسط الشوارع الضيقة لحارة اليهود المتفرعة من شارع المعز بالقاهرة يمارس فتحي محمد مهنته في مدخل بيته الذي حوله جدهم لمكان عملهم، يتخذ وضع الجلوس مربعا قدميه وممسكا بغربال كبير يضع بداخله الفحم من الأجولة التي تحيطه من كل جانب ويهز غرباله لاسقاط التراب والفتات لتبقي القطع الكبيرة، ثم يعبئها في أجولة أخري ليحملها صبيانه ويدوروا بها علي مقاهي المنطقة ليبيعوا الفحم الكيلو ب 3 جنيه، فتحي الذي تعد أسرته من أقدم فحامي المنطقة يعرف أنه يعمل في مهنة قد تتسبب في موته بسبب اضرارها الصحية ، وها هو ذا يعاني من السعال الشديد بسبب ما يتعرض له كل يوم و"نفسه" المتقطع بسبب عمله وسط الغبار الأسود جالب الهلاك لوالده وجده كما يقول ويعرف أن مصيره مثلهم ولكنه رضي بنفس النهايه لأنها مهنة الآباء والأجداد ولايعرف غيرها . فتحي لايحب التصوير والظهور في الاعلام وتكلمنا معه بصعوبة كبيرة ،يقول أن جده جاء من الصعيد واستوطن المنطقة منذ أكثر من 100 عام واشتري المنزل الذي مازال يسكنه حاليا وحول مدخله الي مخزن للفحم يجلبه من مكامير الفحم بالقليوبية ويقوم بفرزه داخل منزلنا وبيعه الي المقاهي كوقود للشيشة ومن بعده والدي وأنا واخوتي نعمل في نفس المهنة لأنني لاأعرف غيرها وأخوتي هجروا " الشغلانة " منذ صغرهم واخترت أنا تكملة المشوار ولم يخف ندمه علي عدم اتخاذ نفس قرار اخوته بترك هذا العمل الذي يصفه " بالقتل البطئ " ويري أن الوقت فات فهو الآن في العقد الخامس ولايمكن أن يبدأ في عمل جديد في هذه السن ولكنه قرر أن يبعد أبناءه عن هذا العمل وساعدهم علي العمل في ورش الذهب والفضة فهي أكثر أمانا وضررها أقل وان كان موجودا بسبب استخدام الأحماض والزئبق وله أضرار كثيرة لأن أكل العيش محتاج تعب كتير . عمل فتحي مرتبط بضوء النهار ومع آخر خيوط الضوء يغادر منطقة عمله ليصعد سلالم منزله ويبدل ملابسه ويغسل جسده من الغبار الأسود الذي يغطي وجهه ويديه وقدميه ويجلس علي أحد المقاهي لتدخين الشيشة فهو يري أن "طباخ السم بيدوقه" ويقول أن صحته لم تعد تهمه لأنها أصبحت " خربانة" والمهم دلوقتي أولادي يبعدوا عن مهنتي وهو مافعلته فأنا قررت أن أكون آخر الفحامين وانهي هذه المهنة في عائلتي حتي لايدفعوا ثمنا غاليا في المستقبل من صحتهم .