سعىد اسماعىل كانت غلطة قاتلة سقط فيها »روي« عندما وافق علي المثول للاختبار والجلوس علي الكرسي الذي أعده له الباحثون الذين فضحوا أمره!! السبت: اذا كان السحر يتطلب توافر خبرة ومهارة لدي من يمارسه، فإن الدجل نوع من العبث الذكي بآمال ورغبات الاخرين.. وعدد الدجالين الذين زعموا أنهم سحرة، ومارسوا ولايزالون يمارسون الابتزاز والخداع لضحاياهم، كبير جدا في انحاء مختلفة من العالم.. ومن اشهر الدجالين في العصر الحديث بريطاني اسمه »ويليام روي« الذي نشرت اعترافاته المثيرة صحيفة »صانداي بكتوريال« اللندنية في عام 8591 وأحدث نشرها دويا هائلا في اوروبا بأسرها. ومع أن »روي« قال في بداية اعترافاته، انه يستحق الشكر لانه قدم الراحة والسعادة الي العجائز والارامل الباحثين عن الحب والدفء في أحضان أحبائهم الذين رحلوا عن الدنيا، الا انه قال، منذ البداية ايضا، انه احترف الدجل كي يجمع أكبر قدر من المال في أقصر وقت ممكن.. واكد انه كان يدفع مبالغ كبيرة من المال لرجال البوليس السري الخاص، ثمنا لمراقبتهم الدقيقة لسلوك ضحاياه في بيوتهم، واعمالهم، وبيوت اصدقائهم واقاربهم، وفي المقاهي، والنوادي، والحدائق، والمحلات العامة التي يترددون عليها.. وكان يدفع رشاوي سخية منتظمة لعدد من عمال التليفونات الذين يقومون بالتنصت علي المكالمات الشخصية لاولئك الضحايا وتسجيلها علي أشرطة، كما كان يدفع اجورا كبيرة لمعاونيه الذين كانوا يستقبلون المترددين عليه، ويقنعونهم بترك حقائبهم واشيائهم الخاصة في غرفة خارجية، ثم يقومون بتفتيشها، وابلاغه بتفاصيل محتوياتها عن طريق جهاز لاسلكي دقيق جدا، يثبته خلف أذنه!! لقد استطاع »ويليام روي« ان يجمع اكثر من مائتي الف جنيه استرليني خلال سنتين، بعد ان ادخل في روع ضحاياه انه وسيط، يستطيع عن طريق السحر الاتصال بنفوس الموتي، والحصول علي حلول للمشاكل التي يعاني منها الاحياء.. الا انه وقع في الفخ، عندما اقنعه عدد من الباحثين المهتمون بعلوم السحر والتنويم المغناطيسي، بأنهم سيكتبون اسمه في سجل الوسطاء العالميين اذا اجتاز اختبار القدرة علي الوساطة. كانت غلطة قاتلة سقط فيها »روي« رغم حرصه الدائم وذكائه الشديد، عندما وافق علي المثول لذلك الاختبار والجلوس علي المقعد الذي اعده له الباحثون في احدي القاعات، وقبل وضع شريط لاصق علي فمه، وربط يديه وقدميه بحبل.. وتصور انه سوف يتمكن من خداعهم واجتياز اختبارهم عندما وافقوا علي إظلام الغرفة والجلوس علي مسافة ثلاثة أمتار منه! بدأ الاختبار، ولم يلبث ان تظاهر »روي« بالاستغراق في النوم، ثم في الغيبوبة، واخذ يتحدث بصوت مخالف لصوته الحقيقي. وهو يجيب علي اسئلة الباحثين، الا انهم اضاءوا المصابيح فجأة فاذا به قد نزع الشريط اللاصق، بأن مال برأسه الي الامام، حتي اقترب وجهه من يديه المربوطتين!! ومثل »روي« مئات، بل ألوف، من الذين يمارسون ومارسوا، الدجل في كل زمان ومكان.. الا ان هؤلاء افادوا الباحثين في مجال السحر، وجعلوهم يتوخون الحذر، والدقة والموضوعية اثناء قيامهم بابحاثهم لاكتشاف النماذج القليلة الصادقة من السحرة.. ومن هذه النماذج من استطاعوا الصمود صمودا مذهلا امام التحديات التي واجهتهم، وقاموا بأداء الكثير من الاعمال الخارقة، التي اثروا بها في غيرهم، وفي العالم المادي الموجود حولهم.. وبعضهم استطاع اداء صلاة جماعية ردد خلالها عبارات تسببت في نزول زخات من المطر.. وبعضهم استطاع التعامل مع الجن وبعضهم تمكن من قراءة ما يخفيه المستقبل!! السحر قدرة خارقة! يقول عالم الاجناس البشرية »ايفار ليسنر« في كتابه »الانسان والله والسحر« الذي قضي سبعة عشر عاما في جمع مادته العلمية، ان السحر من القدرات الخارقة التي امتلكها الانسان الذي عاش علي الارض.. وانه منذ اكثر من ثمانين الف سنة، كان يوجد انسان بدائي من فصيلة اطلق عليها العلماء اسم »النياندرتال« وكانت الحياة في ذلك العصر سلسلة من الصراعات الرهيبة مع الطبيعة القاسية، والوحوش العملاقة والافاعي الشرسة والحشرات السامة خاصة في قارة آسيا التي يعتقد ان الحياة الانسانية بدأت عليها. ولان انسان »النياندرتال« كان يمارس الصيد، فقد تنقل بين اواسط اسيا وغربها، ثم نزح الي اوروبا سعيا وراء الرزق، واستقر في شرقها ووسطها الي ان هلك في ثلوج العصر الجليدي الذي تعرضت له الارض منذ نحو خمسين الف سنة.. ولكنه قبل ان ينقرض ترك خلفه نقوشا علي جدران المغارات والكهوف التي سكنها، نقلت الينا القليل عنه.. ومن ذلك القليل انه عرف النار، وارتدي جلود الحيوانات، ومارس عبادة إله واحد.. وانه كان لكل قبيلة ساحر يلجأ اليه شبان القبيلة قبل خروجهم للصيد.. فيرسم صورة الحيوان الذي يريدون صيده علي الارض ويدور حولها وهو يردد بعض الكلمات ويؤدي بعض الحركات الراقصة.. ثم يتوقف ليغرس طرف عصاه المدبب في عنق الحيون المرسوم لينطلق الشبان بعد ذلك خلف فرائسهم ليعودوا في آخر النهار ظافرين. ويقول الباحث البريطاني »كولن ويلسون« في كتابه »القوي الخفية« ان هذا النوع من الطقوس السحرية الخاصة بالصيد، لا يزال موجودا حتي يومنا هذا عند بعض قبائل الشعوب المتأخرة في اماكن من اوروبا وآسيا وافريقيا وامريكا الجنوبية.. وان هذه القبائل قد توارثت اسرار تلك الطقوس جيلا بعد جيل عبر عصور متناهية في القدم. ويمضي »كولن ويلسون« فيقول ان علماء الاجناس البشرية ذكروا أن فصيلة أخري من الانسان اسمها »كرومانيون« عاش افرادها جنبا الي جنب مع قبائل »النياندرتال«، وان افراد هذه الفصيلة تمكنوا لاسباب غير معروفة من الصمود في مواجهة اهوال العصر الجليدي. ويؤكد العلماء ان انسان »كرومانيون« هو جد انسان العصر الحديث، وانه لم يكن يعبد إلها واحدا مثل انسان »النياندرتال« بل كانت له آلهة متعددة.. اله للتل، وإله للبحيرة وإله للجبل، وإله للنار.. وكان لكل إله من تلك الآلهة طقوس يؤديها كهنته الذين كانوا يمارسون السحر ايضا. ومن المعلومات التي عثر عليها العلماء منقوشة علي جدران الكهوف يتضح ان السحر امتزج عند انسان »الكرومانيون« بالطب وامتزج الاثنان بالدين.. وكانت تلك النقوش التي تم العثور عليها في مواقع متفرقة في آسيا واوروبا، تمثل اشخاصا يقومون باعمال سحرية وعلاجية، وهم يخفون وجوههم خلف اقنعة تشبه رؤوس الطير.. وهؤلاء هم »الشامانات« ومفرد الاسم »شامان« ومعناه الساحر الطبيب، او الطبيب الساحر. السحر بالتماثيل! ومع ان العصور التي سبقت ظهور الشامانات قد شهدت ألوانا عديدة من السحر، وعديدا من السحرة الذين كان في وسعهم التأثير في الناس والحيوانات والطبيعة بقدر معين.. الا ان كل الدراسات الجادة التي تناولت السحر تعتبر عصر الشامانات البداية الحقيقية لمولد السحر القائم علي اصول وقواعد.. ولعل السبب في ذلك ان الشامانات كانوا اصحاب ارادة فولاذية، وكفاءة خارقة، وكان في وسعهم ان يبطلوا السحر الذي يقوم به غيرهم وتخليص المرضي من عللهم واوجاعهم بغير دواء او جراحة. واذا تركنا عصر الشامانات وقفزنا الي ما قبل مولد السيد المسيح بستة آلاف من السنين، سنجد أن الانسان رغم تحضره النسبي، قد ازداد خضوعا لأرباب السحر، الذين تزايد عددهم وتطورت قدراتهم.. ولعل اهم ما حدث هو ان الساحر اصبح قادرا علي القضاء علي حيوان مفترس بالموت عن طريق صنع تمثال مصغر له يحرقه، او يغرس الاشواك في مؤخرة رأسه او في موضع القلب منه. والسحر بواسطة التماثيل ازدهر عند قدماء المصريين وفي الصين والهند، وعند الفرس والبابليين والرومان والعرب ايضا. ويقول »سير واليس بادج« في كتابه »السحر المصري« ان المصريين وهم اصحاب اقدم حضارة معروفة حتي الآن قد استخدموا التماثيل في أعمالهم السحرية.. واستشهد علي ذلك بعشرات القصص التي نقلها عن البرديات والنقوش التي تركوها علي جدران مقابرهم ومعابدهم. وكان في وسع الساحر المصري ان يخلص الناس من شر افعي ضخمة تثير الرعب في قلوبهم، بأن يصنع تمثالا من الطين يشبه الافعي تماما.. وبعد اداء طقوسه وترديد تعاويذه وهو يدور حول التمثال، يهوي بعصاه علي رأسه.. وفي نفس اللحظة تموت الافعي الحقيقية في جحرها او مخبئها. ومن القصص التي أوردها »سير واليس بادج« في كتابه ان زوجا مصريا استطاع ان يتخلص من عشيق زوجته، بأن صنع تمثالا صغيرا من الشمع علي شكل تمساح، وأمر خادمه ان يأخذه وينتظر به علي شاطيء النيل ليلقي به في الماء عندما يري العشيق يغتسل او يسبح في النهر.. ونفذ الخادم امر سيده فاذا بالتمثال يكبر ويتحول الي تمساح ضخم ويلتهم العشيق. ويقول »بادج« ان أرسطو نقل أسرار السحر بالتماثيل الي اليونان بعد ان تعلمها علي ايدي الكهنة المصريين.. وانه اهدي الي الاسكندر الاكبر صندوقا يحتوي علي تماثيل شمعية لقادة اعدائه، ليتمكن من هزيمتهم واسرهم او قتلهم.. ومن اليونان انتقلت اسرار السحر بالتماثيل الي باقي غرب اوروبا وانجلترا ليتوارثها السحرة الاوروبيون جيلا بعد جيل ويستخدمونها لالحاق الأذي والهزائم باعدائهم.. ولم يكن هناك بطبيعة الحال ما يمنع اولئك السحرة من القيام بأعمال السحر بواسطة التماثيل لحساب من يدفع لهم مما أثار الرعب عند الناس وجعل الحكام يضطهدون السحرة ويتعقبونهم وينكلون بهم بعد أن استفحل خطر ما يقومون به من إصابة ضحاياهم بالعجز الجنسي المؤقت او الدائم او الشلل في ارجلهم او أيديهم او السنتهم!! واذا كان المصريون القدماء قد برعوا في استخدام التماثيل في اعمال السحر كما يقول »بادج« فانهم قد برعوا أيضا في استخدام الكلمات، والحروف والارقام بعد ان اكتشفوا اسرارها السحرية.. وأرجو ان أعود للحديث عن ذلك في يوميات مقبلة..