الاستاذ : جمال الغيطانى خطورة اللغة أشد من أي تخيل أو تصور، يبدأ الامر بحرف ويتحول علي أرض الواقع بتقسيم أوطان وخسارة أراض ودماء، أضرب مثالا بأمرين كان لهما تأثير بعيد المدي وربما يسري حتي الآن، في القرار »242« الخاص بانسحاب اسرائيل جري نقاش عنيف في مجلس الأمن حول الانسحاب من »الاراضي المحتلة« أو »أراض محتلة«. ألف لام التعريف »الاراضي« تعني التحديد الذي لا لبس فيه ولا جدال. لكن تجريد الكلمة من الالف واللام يجعل الكلمة قابلة لكل تفسير، وانتهي القرار باعتماد الصيغة القابلة للجدل والنتيجة أن اسرائيل ماتزال تحتل مرتفعات الجولان والضفة الغربية، اختلف الامر بالنسبة لمصر خلال مباحثات كامب ديفيد، وبعد توقيع الاتفاقية، بفضل رجال الدولة المصرية تم الاصرار علي انسحاب اسرائيل من كل شبر وكان آخر مرحلة منطقة طابا التي لا تزيد مساحتها عن نصف كيلومتر مربع، هذه المعركة القانونية نموذج لحشد طاقات الدولة المصرية والاداء الرفيع، لكم نحن في حاجة إلي استعادته، غير أن اتفاقية كامب ديفيد تضمنت نصوصا لغوية جري بموجبها تحجيم القوات المصرية علي امتداد الحدود، وعندما قامت منظمة حماس بانتهاك حرمة الحدود المصرية واجتيازها لم يكن في مواجهتها الا جنود يحملون العصي ودروع تستخدم في المظاهرات وليس لحماية حدود الدول، النتيجة هذه المعركة الخطيرة التي يخوضها الجيش المصري ضد قوي الارهاب الدولي في سيناء، لولا نصوص كامب ديفيد لما تدفق هؤلاء القتلة علي سيناء. النموذج الآخر ما جري في البرلمان المصري خلال السبعينات فيما يخص تعديل الدستور، لقد نص دستور عام 1971 علي تحديد فترة الرئاسة بمدتين، أي ثماني سنوات، غير أن بعض عضوات البرلمان وثيقات الصلة بالسيدة جيهان السادات أقدمن علي تبني مشروع أساسه لغوي، إذا نص علي تعديل المادة بحيث تحل كلمة »مدد« بدلا من »مدتين«، وهكذا تم التكريس للدكتاتورية، ورغم ان المعني بالتعديل لم يستفد به لظروف لم يكن ممكنا تفاديها بمواد معدلة، إلا أن خليفته بقي في الحكم ثلاثين عاما، وهذا أخطر ما جري لمصر في تاريخها الحديث، حرف واحد أوصلنا إلي ما نحن فيه الآن »مدتان - مدد«، الآن تشيع في واقعنا ألفاظ يتم تداولها بسهولة في ظل انعدام الرؤية والفوضي الاعلامية، ألفاظ لها آثار خطيرة سأتوقف عندها غدا..