لم تعتد الكويت علي الفشل طوال تاريخها ، كانت دائما ما تجد حلا لما يعترض طريقها او يُفرض عليها من تحديات ، بإمكانك ان تقول ذلك علي الدبلوماسية التي طبع بصماته عليها اميرها الحكيم الشيخ صباح الاحمد علي مدي 40 عاما او الاقتصاد الذي حققت فيه معدلات تنمية غير مسبوقة رغم بعض الهنّات هنا وهناك ، الكويت تواجه مؤخرا تحديا هائلا لمكانتها لا يقل عن تحدي 1990 الذي لم يهدد امنها فحسب بل هدد وجودها ذاته بحماقة كبيرة ارتكبها حاكم العراق وقتها صدام حسين ، بالطبع هي لا تتعرض لتهديد فعلي ولكنها تتحمل عبئا هائلا وثقيلا يتمثل في لملمة ما تبقي مما كان يسمي في وقت من الاوقات عمل عربي مشترك !. في الكويت سوف يلتقي قادة 21 دولة عربية يضمهم تجمع واحد لا يزال يحافظ علي مسماه « جامعة الدول العربية « ، ولكن هل لا يزال يعبر عن مضمون؟ هذا باختصار هو التحدي. حكمة العرب المخفية التي غابت طويلا ولم تصادف نجاحا يذكر منذ عقود - ربما هي من اختار الكويت لانعقاد القمة الدورية يومي 25 و26 من مارس الحالي ، فأحيانا يلعب القدر لعبته بذكاء ليقودنا الي الطريق الذي عجزنا عن إدراكه بعقولنا ، هذا ما حدث بالفعل لحسن الحظ وما قد يكتبه التاريخ عن القمة العربية بالكويت. هل سيحضر القادة العرب وبيد كل منهم خنجر ليطعن به جاره في قاعة المؤتمرات الكبري بقصر ببان ام سيدع الخنجر ويحضر وردة بيضاء علّها تكون سنة بيضاء او خضراء علي اجيال عربية شابة كاد املها في عمل جماعي ان يتحطم بلا رجعة. بيضاء ام خضراء لا يهم ، المهم الا تكون حمراء فقد مللنا من لون الدم الاحمر الذي غرقت في الشعوب لسنوات ثلاثة مضت. هل تفعلها الكويت وتحقق المعجزة كما حققتها بحكمة قادتها في ظروف مشابهة مضت؟ الظروف مختلفة والنوايا غير صافية والربيع العربي خلق حالة انقسام لم نشهدها حتي في نكسة يونيو 1976.. كل هذا تغير ، ولكن حكمة قادة الكويت باقية ، ورجالها لا يزال لديهم الايمان بالقدر المشترك لأمة العرب والمصالح الواحدة.. وهي لا تكتفي بالاقوال والشعارات ، فليس لديها فضائيات صارخة تثير ضجيجا رغم انها تستطيع ، وليس لديها طابور من الاعلاميين تدفع لهم ليروجوا لسياستها كما يفعل آخرون ، ولم تستخدم اموال البترودولار في امتلاك زعامة وهمية ، ولم تتاجر ب « الحرب المقدسة « ضد اسرائيل رغم انها الدولة العربية الوحيدة التي لم تضبط في وضع شائن لعروبتها مع اسرائيل - لا في السر ولا في العلن واسرائيل لمن قد ينسي لا تزال العدو التاريخي الوحيد للعرب حتي الان .. الكويت حاضرة بقوة في المشهد العربي.. قوة حقيقية تمارسها بنفس هادئ يشبه هدوء الخليج في مارس من كل عام ، وهي تحتفظ بكامل أوراقها ولم تفقد واحدة منها رغم موجات الشد والجذب العاتية ، لم تعارض إرادة الشعوب ولم ترتجف عندما هبت رياح الربيع العربي لتقصي حكاما ارتبطت معهم بعلاقات انسانية وطيدة ، فلديها حصانة طبيعية ضد الثورات اكتسبتها بتجربتها السياسية الفريدة منذ عقود طويلة كانت فيها واحة ديمقراطية في صحراء عربية رأت في الديمقراطية ترفا لا ضرورة له وصداعا لا تحتمله رؤوس الحكام التي تفرغت لتثبيت عروشها بالقمع احيانا والاحتماء بالاجنبي في معظم الاحيان. وفي ملف التنظيم الاخطبوطي للاخوان تعاملت بحكمة تُحسد عليها وابتكرت صيغة فريدة للتعايش ولا يكاد يخلو برلمان كويتي من عضو او اثنين من اعضاء « حدس « وهي النسخة الكويتية للتنظيم الدولي فرفعت عنهم الغطاء ولم تسمح بأن يزعموا لأنفسهم بطولة جوفاء او تضحيات ملفقة لتنجو من مطب سقط فيه مبارك وبشار وبن علي. سياسة الكويت تسير علي حافة نصل حاد في هذا الملف الشائك ، وتتمسك بسياستها حتي موعد انعقاد القمة العربية ، فلم تحاك خطي جارتها الكبري السعودية وقريناتها في مجلس التعاون الامارات والبحرين لتسحب سفيرها من الدوحة وحصلت علي ضوء اخضر لتختبر صبرها وحكمتها مرة اخري لعل ذلك يوفر مخرجا كريما لشقيق طائش يصر علي ان يغرد خارج السرب. هل تفعلها الكويت في قمتها التي تنطلق خلال ساعات وتنزع فتيل اخطر ازمة تواجه العرب.. لا خيار امام الكويت الا ان تنجح.. خلاف ذلك لا معني له الا ان تكون قمة الكويت هي اخر قمة عربية.