بعد قيام ثورة يوليو 52 وإلغاء الملكية وإعلان الجمهورية توالي علي حكم مصر خمسة رؤساء جمهورية انتهي حكم كل منهم بنهاية لا تقل درامية ومأساوية عن نهاية الحكم الملكي. فالرئيس الاول محمد نجيب اعتقل قبل ان يتم عامين في حكمه ليقضي بقية حياته معزولا في مكان لم يعرفه أحد إلا ما قبل وفاته بوقت قصير، وعلي نفس المنوال ولكن في ظروف مختلفة وبفارق زمني يصل الي ستين عاما بات الرئيس الخامس محمد مرسي معزولا يحاكم الآن في عدة قضايا بعد سنة واحدة قضاها في الحكم، أما الرئيس الثاني في ترتيب حكم مصر حيث توفي تاركا وراءه جزءا كبيرا من الارض المصرية تحت الاحتلال الاسرائيلي وهي شبه جزيرة سيناء كاملة التي احتلت عام 1967 في عهد جمال عبدالناصر، ايضا الرئيس الثالث في حكم مصر هو الرئيس أنور السادات وقد قتل في العرض العسكري لاحدي حفلات انتصار السادس من أكتوبر، اما الرئيس الرابع في ترتيب الجلوس علي عرش الرئاسة وهو حسني مبارك المخلوع بأمر ثورة يناير 2011. وعلي الرغم من تشابه الرؤساء الخمسة في مأساوية نهايات حكمهم الا ان ذلك لا يعني أبدا انهم قد تشابهوا في أسلوب حكمهم للبلاد بل علي العكس فقد اختلفت المبادئ والاساليب التي تبناها واتخذها كل منهم في ادارة البلد خلال فترة حكمه وكان الاختلاف واسعا بدرجة تراوحت من اليسار الي الوسط وحتي أقصي اليمين. ومع ذلك فإنني أري ان هناك مبدأ وحيدا اجمعوا عليه واخذوا به وكان الفاعل الاقوي فيما آلت اليه احوال البلاد وانتهت اليه مصائرهم الا وهو مبدأ اختيار قيادات الوزارات وأجهزة الدولة المختلفة من أهل الثقة وتفصيلهم علي أهل الخبرة. وربما البعض لا يجد مشكلة أو عيبا في ان يتخذ الرئيس من اهل الثقة عونا له، وهذا يمكن ان يكون صحيحا لو ان معيار الثقة كان المقدرة علي العطاء العام للبلد والشعب، لكن ما كنا نراه هو ان معيار الثقة كان يقاس بمدي القدرة علي التخديم علي الرئيس ونظامه الحاكم وكذا الاستعداد لقول أي شيء يطلب منه ويقربه من الحصول علي المنصب وفعل أي شيء يمكنه من الوصول اليه والاستقرار فيه بغض النظر عن كون هذا القول أو الفعل يتعارض مع المصلحة العامة أو المبادئ الاخلاقية، وكان الحاكم بهذه الطريقة يضمن الموافقة المسبقة علي قرارات التي سوف تصدر وسط التأييد والتهليل لنجاحها من قبل ان يبدأ تنفيذها.. وهناك أمثله كثيرة اتخذت وسط الزفة والاحتفالات ثم ظهرت بعد ذلك سلبياتها ومنها علي سبيل المثال قرار تأميم المصانع والشركات الخاصة الكبيرة وتحويلها الي قطاع عام في الخمسينيات من عهد عبدالناصر ثم بعد ان تحولت الشركات من الربح الي الخسارة بسبب سوء ادارة اهل الثقة ليكون البيع هو الحل أي التحول مرة ثانية من القطاع العام الي الخاص تحت مسمي «الخصخصة» وما أدراك ما الخصخصة التي تمت في عصر مبارك. مثال آخر لقرارات دولة أهل الثقة وهو قرار الانفتاح الاقتصادي في عصر السادات وإعلان بورسعيد مدينة حرة ثم بعد ذلك رأينا مبارك ايضا يلغي قرار المدينة الحرة لما كانت له من آثار سيئة علي المنتج المصري، ولن نتحدث كثيرا عن عواقب ارسال قوات الجيش المصري الي الجزائر ثم الي اليمن ولا عن بيع الاراضي المصرية بأبخث الاثمان لأهل الثقة وكيفية تسقيعها ثم الحصول علي الارباح الطائلة بعد ارتفاع ثمنها. وقد أدي هذا الاسلوب الي انعدام ثقة الشعب في السلطة وعزوفه عن المشاركة وغياب المشروع القومي في المجالات المختلفة والارقام خير دليل علي ذلك فقد تعدت نسبة الفقراء بين الشعب الاربعين بالمائة، ووصلت نسبة البطالة الي ثلاثة عشر بالمائة والديون الخارجية الي خمسة وأربعون مليار دولار وديون الحكومة الداخلية تعدت الخمسمائة مليار جنيه وظهر ذلك جليا علي القدرة الشرائية للجنيه المصري فأصبح جنيه الذهب يعادل الفين ومائتي جنيه بعد ان كان الجنيه بجنيه أيام الملك. الغريب في الأمر اننا كنا نعتقد ان الخلفية العسكرية هي الباعث علي لجوء رؤساء مصر السابقين للاعتماد علي اهل الثقة والطاعة، ولكن د. محمد مرسي الذي كان من المفترض انه مدني فاجأنا باللجوء الي نفس النهج ولكن علي خلفية دينية اساسها ايضا الطاعة والولاء والبراء للجماعة فإذا كنا نقف الآن علي أبواب انتخاب رئيس جديد للبلاد ولو أسفرت النتيجة عن مجيء رئيس مدني ليس من العسكر ولا من الإخوان فهل سيلجأ هذا الرئيس الي أهل الخبرة بدلا من أهل الثقة مستفيدا ومستعيرا من تجارب سابقيه؟ أم سيسير علي نفس الطريق مؤكدا ان المسألة ليست لها علاقة بالانتماءات انما هي احدي مكونات الجينات المصرية.