أ.د جعفر عبدالسلام جعلت الأممالمتحدة يوم 18 ديسمبر من كل عام يوما للاحتفال باللغة العربية، وهو يوم ينبهنا الي فضل هذه اللغة علينا وعلي سائر الذين يؤمنون برسالة الاسلام وقوته الاصلاحية التي جاءت علي لسان سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم. فهذه اللغة هي التي نزل بها القرآن الكريم لهداية البشرية، وكان كتاب الله الكريم هو معجزة الرسول »صلي الله عليه وسلم« الي الناس. ان معجزة نبينا محمد »صلي الله عليه وسلم« الكبري هي »القرآن الكريم« الذي جاء بهذه اللغة القويمة التي تخاطب العقول اساسا، يقول تعالي »انا انزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون« »يوسف 2« وقد تحدي رسولنا الكريم سيدنا محمد »صلي الله عليه وسلم« العرب به باعتبارهم أهل الفصاحة والبلاعة والبيان. وليست المعجزة هنا في الفصاحة اللغوية فحسب، بل في القدرة علي التعبير بالمعاني السامية والقيم العليا وقصص الغابرين والاعجاز العلمي وغيرها مما جاء في كتاب الله الخالد القرآن الكريم، فقد جاء في القرآن الكريم أخبار من قبلنا وسيرتهم، فدلهم علي تعمير الارض وسبر اغوارها وتيسير الاستفادة منها، يقول تعالي: »هو انشأكم من الأرض واستعمركم فيها«. وقد اثبت العلم الحديث أبوابا واسعة اثبتت قدرة الانسان في هذا المجال، واثبتت اعجاز القرآن في التعبير عن قدرة الانسان، واشاراته الي ضرورة التعامل مع البيئة والاستفادة منها بمختلف عناصرها يقول تعالي: »هو الذي جعل لكم الارض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه واليه النشور« »سورة الملك15«. ان هذا الباب سيظل مفتوحا علي مصراعيه بعد أن وصل الانسان الي القمر والي معرفة أسرار الكواكب من المجموعة الشمسية بشكل يتقدم فيه كل يوم، والقرآن الكريم يتنبأ بما سيكون بعد الحياة الدنيا من حياة اما في نار واما في جنة الخلد، ويخبرهم بما سيكون في هذه الدنيا من احداث، مثل ما جاء في القرآن الكريم عن أن الروم قد غلبوا من أهل الشرك في فارس، لكنهم من بعد غلبهم هذا سيغلبون »غلبت الروم« في أدني الارض وهم من بعد غلبهم سيغلبون« »الروم- 2-3« ونبأ بني اسرائيل بقوله »وقضينا الي بني اسرائيل في الكتاب لتفسدن في الارض مرتين ولتعلن علوا كبيرا« »الاسراء 4«. وقد بشرنا القرآن الكريم بالانتصار في الارض، قال الله عز وجل: »هو الذي أرسل رسوله بالهدي ودين الحق ليظهره علي الدين كله ولو كره المشركون« »الصف9« كما أن القرآن الكريم كتاب هداية واصلاح اساسا »إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المومنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا« »الاسراء 9«، كتاب أنزل الي الرسول لنتعبد به ونذكر الله دائما بما جاء فيه من الآيات والذكر الحكيم، ولغة القرآن هي التي تجعلنا ندرك هذه المعاني ونقوم بهذه العبادات. ومن عظم لغتنا العربية أنها تصلنا بالسماء وتبين لنا أصول عقيدتنا، وتهدينا الي توحيد الله سبحانه وتعالي، وأنتجت لنا آلاف الكتب التي تفسر القرآن، وتشرح الحديث وتبين علوم القرآن والسنة، والاجتهاد الفقهي والفكري لبيان احكام الله في افعال العباد. كل هذا كان باللغة العربية، ولا يمكن ان يتم بغيرها نظرا لرحابتها وسعتها وانها اللغة التي ارتضاها الله عز وجل لكتابه ولجنته. وهنا أخاطب علماء الأمة من الذين يكتبون ويجتهدون ويتخصصون في العلوم الاسلامية، ويستخدمون لغة غير اللغة العربية، أنه لاسبيل لاجتهاد ديني الا باللغة العربية، تعلموا العربيةأولا ثم اجتهدوا في الفقه، أو في بيان احكام العقيدة أو في سيرة الرسول »صلي الله عليه وسلم«، أقول لهم: تعلموا العربية اولا، فلا يمكن الاجتهاد في الفقه أو في الاصول إلا بالرجوع الي المراجع الاصلية في هذه العلوم، والتي كتبت اساسا باللغة العربية. وفي يوم اللغة العربية تحتفل رابطة الجامعات الاسلامية ولجنتها المختصة بالنهوض بهذه اللغة، وتبين لاهل العلم وللعالم التحديات التي تواجهها، وطرق التغلب عليها، وهي تحديات كثيرة.. تحديات تتصل بتعليم اللغة للابناء بطريقة ميسرة وبسيطة، وتحديات تتصل بتعليم اللغة للناطقين بغيرها، وتحديات تتصل باللغة وتيسيرها، بدءا بالنصوص والكتب التي تقدم للناس، مرورا بقواعد اللغة واصولها، الي غير ذلك من الامور المتصلة بهذه اللغة الخالدة. ان اللغة العربية لغة العبادة والعلم والفكر الجديرة بأن تستعيد امجادها بين اهلها اولا، ثم بين سائر الأمم بعد ذلك انها رمز حفاظنا علي الهوية والذات العربية، وهي تحتاج الي بعث جديد ييسر تدريسها ويجعلها في المكان اللائق بها.. اللهم قد بلغت اللهم فاشهد.