تحدي ربنا تبارك وتعالي كلا من الإنس والجن مجتمعين متظاهرين أن يأتوا بمثل هذا القرآن. فقال عز من قائل: "قل لئن اجتمعت الإنس والجن علي أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا" "الإسراء: .88 ولايزال هذا التحدي قائماً دون أن يتقدم عاقل فيقول انه استطاع أن يكتب شيئاً من مثل هذا القرآن الكريم. كذلك سخر ربنا تبارك وتعالي ممن ادعي من المشركين أن الرسول صلي الله عليه وسلم هو الذي كتب القرآن الكريم. وهو النبي الأمي الذي لم يكن يعرف القراءة والكتابة. وفي ذلك يقول تعالي: "أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين فإن لم يستجيبوا لكم فاعلموا أنما أُنزل بعلم الله وأن لا إله إلا هو فهل أنتم مسلمون" "هود: 13 14". وتحدي الله تعالي العرب علي ما كانوا عليه من علم بأسرار اللغة العربية وأسباب الفصاحة والبلاغة وحسن البيان فيها أن يأتوا بسورة واحدة من مثل سور القرآن الكريم. فيقول: "وإن كنتم في ريب مما نزلنا علي عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أُعدت للكافرين" "البقرة: 23 24". ولايزال هذا التحدي قائماً للعرب ولغيرهم من الخلق دون أن يستطيع عاقل مجابهته. علي الرغم من مضي أكثر من أربعة عشر قرناً علي مجيء الوحي بالتنزيل الكريم. وقد عجزت القدرات البشرية. ولاتزال عاجزة عن أن تداني كتاب الله في روعة بيانه. وجمال نظمه. وإحاطة علمه» أو في كمال صفاته. ودقة دلالاته. وصدق إنبائه. وسمو معانيه. وعدالة تشريعه» أو في مكارم الأخلاق التي يدعو إليها. وضوابط السلوك التي وضعها لتطابق المصالح الخاصة والعامة لكل من الأفراد والمجتمعات الإنسانية» أو في صحة العقائد التي رسخها. والعبادات التي شرعها» أو في كل من الحقائق التاريخية. والوقائع الإنبائية. والإشارات العلمية التي جاء بها» أو في نهجه وصياغته. وتمام إحاطته بطبائع النفس البشرية. ودقة استعراضه لمسيرة البشرية "من لدن آدم عليه السلام إلي بعثة خاتم الأنبياء والمرسلين عليه وعليهم أجمعين أفضل الصلاة وأزكي التسليم ". وجاء القرآن الكريم في كل ذلك بنماذج منتقاة من سير بعض الأفراد والأمم السابقة كدروس للبشرية في مجال تحقيق سنة الله في خلقه. والقائمة علي إهلاك الضالين من الكفار والمشركين والطغاة الباغين. والمفسدين في الأرض من جهة . وعلي تنجية المؤمنين بالله. الموحدين لذاته. والمنزهين لجلاله "عن الشريك والشبيه والمنازع والصاحبة والولد. وعن جميع صفات خلقه. وعن كل وصف لا يليق بجلاله". والمجاهدين من أجل حسن القيام بواجبات الاستخلاف في الأرض بعمارتها وإقامة شرع الله وعدله فيها من جهة أخري. ومن الثابت أن بلغاء العرب أخذوا بروعة البيان القرآني. ولم يستطيعوا تمالك أنفسهم عند سماعه. ولذلك سعوا إلي الحيلولة بين الناس وبين سماعه لما يحدثه سماع القرآن في القلوب والعقول من تأثير بالغ. ولقد أخبر القرآن الكريم عن ذلك بقول ربنا تبارك وتعالي : "وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون" "فُصلت: 26". وهذا هو الوليد بن المغيرة أحد صناديد قريش وبلغائها. وأعتاهم حرباً علي رسول الله صلي الله عليه وسلم وكيداً له. وأكثرهم محاولة للنيل منه يصف القرآن الكريم بقوله: "والله إن لقوله حلاوة وان عليه لطلاوة وإنه ليعلو ولا يُعلي عليه". ولذلك قال تعالي عن محكم كتابه: "أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً" "النساء: 82". وقال وقوله الحق "أفلا يتدبرون القرآن أم علي قلوب أقفالها" "مُحمد: 24".