وزير العمل يفتتح ورشة تثقيفية حول قانون العمل الجديد بمقر وزارة البترول    تكليف عاجل من الرئيس السيسي ل رئيس مجلس الوزراء.. تفاصيل    مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 20 أكتوبر 2025 في بورسعيد    رئيس جامعة قنا يستقبل وفد الهيئة القومية لضمان جودة التعليم والاعتماد    الذهب يتعافى بعد تراجعه من أعلى مستوى قياسي    سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم الاثنين 20 أكتوبر 2025    تهديد لأصحاب المعاشات| مسئول يعلق علي رفع أسعار الوقود ويطالب برفع الحد الأدنى للأجور ل 9 ألاف جنيه    إنشاء 4 مشروعات جديدة بالمنطقة الصناعية في السخنة باستثمارات 65 مليون دولار    أسعار اللحوم البلدي والكندوز اليوم الاثنين 20-10-2025 في الأسواق ومحال الجزارة بقنا    أسعار الحديد والصلب بأسواق البناء المصرية – الإثنين 20 أكتوبر 2025    محاولة اغتيال ترامب| أمريكا تحقق في واقعة استهداف طائرته الرئاسية    عاجل-قافلة المساعدات ال54 من "زاد العزة" تدخل قطاع غزة محمّلة بالإغاثة للفلسطينيين    فوز رودريجو باز في الجولة الثانية من انتخابات الرئاسة ببوليفيا    مواعيد مباريات اليوم الاثنين 20 أكتوبر والقنوات الناقلة    نشرة أخبار طقس اليوم الإثنين 20 أكتوبر| أجواء حارة لكن احذروا "لسعة البرد"    التحفظ على والد طفل الإسماعيلية بعد اعترافه بالعلم بجريمة قتل زميل ابنه وتقطيع الجثة    وزارة الداخلية تقرر إبعاد شخص يمنى خارج مصر    مقتل طالب إعدادى على يد زميله ب"مفك" فى شربين بالدقهلية    إصابة شخصين في تصادم بين 3 سيارات بطريق مصر–الفيوم الصحراوي    ضبط شخص انتحل صفة موظف بنك.. «الداخلية»: نفذ 8 وقائع نصب بزعم تحديث البيانات البنكية عبر الهاتف    نظر محاكمة 7 متهمين بخلية مدينة نصر اليوم    سرقة مجوهرات نابليون من متحف اللوفر تشعل السوشيال ميديا| إيه الحكاية!    ليلة في حب الطرب.. هاني شاكر يطرب جمهور الأوبرا في رابع سهرات «الموسيقى العربية»    هشام جمال: ليلى انهارت من العياط لما اكتشفت إن أغنية «فستانك الأبيض» ليها    بعد 30 عامًا من النجاح.. عمر رياض يعلن التحضير لجزء جديد من "لن أعيش في جلباب أبي"    حسام حسني يروي تفاصيل بدايته الفنية مع محمد محيي وعمرو دياب    وزير الصحة يبحث خطة تطبيق منظومة التأمين الصحي الشامل في المنيا    نحافة مقلقة أم رشاقة زائدة؟.. الجدل يشتعل حول إطلالات هدى المفتي وتارا عماد في مهرجان الجونة    أطعمة صحية مع بدايات الشتاء.. تناولها لتقوية المناعة وتجنّب نزلات البرد    سماع دوى انفجار داخل قطاع غزة    قطع الكهرباء عن عدد من قرى المحمودية بالبحيرة لمدة 7 ساعات    التاريخ ويتوج بكأس العالم للشباب    مراقب مزلقان ينقذ سيدة حاولت العبور وقت مرور القطار بالمنيا    حوار مع يسرا وشريف عرفة الأبرز، برنامج مهرجان الجونة السينمائي اليوم الإثنين    ترامب يعلن فرض رسوم جمركية إضافية على كولومبيا اليوم    الحكم في طعون المرشحين لانتخابات مجلس النواب 2025 بالدقهلية غدا    ضوابط إعادة القيد بنقابة المحامين بعد الشطب وفقًا لقانون المهنة    عثمان معما أفضل لاعب في كأس العالم للشباب.. والزابيري وصيفا    الأهلي يحصل على توقيع صفقة جديدة.. إعلامي يكشف    ويتكوف: التقديرات بشأن كلفة إعادة إعمار غزة تبلغ نحو 50 مليار دولار    هبوط الأخضر الأمريكي.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري الإثنين 20-10-2025    صححوا مفاهيم أبنائكم عن أن حب الوطن فرض    ولي العهد السعودي وماكرون يناقشان جهود إحلال الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط    ملخص وأهداف مباراة المغرب والأرجنتين في نهائي كأس العالم للشباب    هل ينتقل رمضان صبحي إلى الزمالك؟.. رد حاسم من بيراميدز    ميلان يقفز لقمة الدوري الإيطالي من بوابة فيورنتينا    يسرا تشعل أجواء احتفال مهرجان الجونة بمسيرتها الفنية.. وتغنى جت الحرارة    موعد التحقيق مع عمر عصر ونجل رئيس اتحاد تنس الطاولة.. تعرف على التفاصيل    6 أبراج «نجمهم ساطع».. غامضون يملكون سحرا خاصا وطاقتهم مفعمة بالحيوية    ثقافة إطسا تنظم ندوة بعنوان "الدروس المستفادة من حرب أكتوبر".. صور    د. أمل قنديل تكتب: السلوكيات والوعي الثقافي    مضاعفاته قد تؤدي للوفاة.. أعراض وأسباب مرض «كاواساكي» بعد معاناة ابن حمزة نمرة    محافظ الغربية يجوب طنطا سيرًا على الأقدام لمتابعة أعمال النظافة ورفع الإشغالات    سهام فودة تكتب: اللعب بالنار    ميلاد هلال شهر رجب 2025.. موعد غرة رجب 1447 هجريًا فلكيًا يوم الأحد 21 ديسمبر    لدغات عمر الأيوبى.. بيراميدز "يغرد" والقطبين كمان    «المؤسسة العلاجية» تنظم برنامجًا تدريبيًا حول التسويق الإلكتروني لخدمات المستشفيات    هل زكاة الزروع على المستأجر أم المؤجر؟ عضو «الأزهر العالمي للفتوى» توضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يوميات الأخبار
دموع.. باب الخلق!
نشر في أخبار اليوم يوم 03 - 02 - 2014

محمد فهمى أنا.. حي.. وأنت حي.. وسيدنا الحسين حي.. والسيدة زينب حي.. وباب الخلق حي.. ونحن نموت.. فهل تموت الأحياء أيضا؟!
عندما تردد في أجهزة التلفزة اسم »باب الخلق« داهمتني ذكريات.. سنوات أمضيتها.. مع صديق قديم هو الشاعر محمود أبوالوفا.. صاحب قصيدة:
عندما يأتي المساء..
ونجوم الليل تنثر..
كان الشاعر الراحل.. وهو من أعظم شعراء عصره.. بعد أمير الشعراء أحمد شوقي.. يقيم في أوائل الستينيات.. في زقاق ضيق من الأزقة المتفرعة من حواري »شارع باب الخلق«.. وعلي بعد نحو كيلومتر من دار الكتب..
وكان المنزل عبارة عن باب من الخشب.. تواجهه سلالم ضيقة تصدر أصواتا عند الصعود وعند الهبوط.. تصل إلي غرفة واحدة.. لها نافذة تطل علي أحد المساجد الأثرية.. وكنت من باب المزاح أسأل الشاعر العظيم.. عما إذا كان يضطر لاخراج ذراعه من النافذة عندما يهم بارتداء المعطف؟! وكان يرد ضاحكا.. انه يمد يده من النافذة عندما يريد ان يشرب من قلة الجيران!
كان محمود أبوالوفا يصعد السلالم بكفاءة عالية.. وهو يميل نحو اليسار تارة.. ونحو اليمين تارة أخري.. لانه كان قد فقد ساقه في حادث سيارة.. وأصبح بساق واحدة يتوكأ عليها.. ويسير فوق الساق الأخري مستندا للعكاز الخشبي العتيق.
كان الرجل يرتدي الجلباب.. ويتنقل بين أطراف الحارة التي لا يعرف أغلب سكانها القراءة والكتاب.. ولا يعرفون قيمة الشاعر.. الذي كانت تربطه بأمير الشعراء أحمد شوقي علاقة متينة وقوية.. ولا يعرفون عنه سوي أنه احد أبناء الحارة..
وعندما سألت أحد أطفال الحارة في بداية علاقتي به.. عن اسمه وهو محمود أبوالوفا.. عاد الطفل يسألني مستفسرا:
الأعرج؟!
وعندما أجبته بنعم أشار إلي المنزل الذي لا تزيد مساحته عن مساحة غرفة واحدة فقط.
لم يكن أبناء الحارة يعرفون عنه سوي انه »الأعرج«.. ولم أقابل في تلك الأيام.. سوي خمسة أشخاص يعرفون قيمة الرجل.. وكنا نشكل جمعية ثقافية أطلقنا عليها اسم:
إنسان الفصل الخامس!
وتدور فكرة الجمعية باختصار شديد.. حول ان الدنيا مكونة من أربعة فصول.. هي الشتاء والخريف والصيف والربيع.. وان لكل فصل من فصول السنة سمات مميزة.. تنعكس علي البشر.. وان أعضاء الجمعية »السبعة« ينتمون لفصل خامس لهم صفات ومواصفات تتسم بالرقي ولديهم من الشهامة وعزة النفس والكرامة ما يدفعون به عند الاعراض عن الحسب والنسب.. واننا باختصار شديد من أهل النجدة والفتوة.. وأصحاب الهمة والمروءة.. علي حد تعبير محمود أبوالوفا.
وكانت هذه الجمعية تضم خمسة من أرباب الوظائف الحكومية الراقية.. بل ان احدهم كان يعمل طبيبا بوزارة الصحة.. وتربطه بالشعر.. وبالأدب بصفة عامة.. علاقة متينة..
وكان الفضل في المستوي الثقافي الرفيع لأعضاء جمعية »انسان الفصل الخامس« يرجع لسبب واضح.. وهو رقي مستوي التعليم في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي.. فكانوا جميعا.. رغم اختلاف تخصصاتهم الوظيفية إلا أنهم كانوا علي دراية كاملة باعمال الشعراء والأدباء وقيمة وقامة كل واحد.. ويحفظون علي سبيل المثال ابياتا من الجزء الثالث من الشوقيات.. وهو الجزء الذي لم ينشر حتي الآن ناهيكم عن الجزء الرابع الذي يضم المتفرقات من شعر شوقي.. ولذلك الموضوع حكاية تستحق الرواية.. وتعبر عن شهامة محمود أبوالوفا الذي جمع هذه القصائد.. ولم يتمكن من طبعها لضيق ذات اليد من ناحية.. ولتغير الأزمان والعياذ بالله من ناحية أخري.
الحكاية باختصار شديد ان أحمد شوقي.. لم يهتم طوال حياته بجمع شعره.. ولا حتي بتكليف سكرتيره بجمعه وحفظه.. وكان يسقط ابياتا من قصائده التي نشرت.. معتقدا انها لا ترقي لمستوي عبقريته.. وكان يقول »ان من حق الشاعر ان ينخل شعره كما يشاء«!
وأذكر الآن ما رواه الدكتور محمد صبري السربوني.. وكان من أكبر عشاق شوقي انه التقي بأمير الشعراء أثناء رحلته في أوروبا في صيف سنة 3291.. وانه قال له انه يريد ان يغتنم هذه الفرصة »لكتابة تاريخ حياتك وشعرك«.. فقال له شوقي:
- عايز كام؟!
فاجاب:
- مش عايز حاجة!
وانتهي كل شيء!
العلاقة بين شوقي ومحمود أبوالوفا.. كانت مختلفة.. لانها كانت تقوم علي أسس مختلفة.. وقال لي محمود أبوالوفا.. انه كان صاحب فكرة منح أحمد شوقي لقب أمير الشعراء.. وكان دائم الحديث عن الحفل الذي أقامه أحمد شوقي في مسرح الأزبكية لمعاونته علي مجابهة الحياة.
ويقول محمود أبوالوفا انه ليس من المعروف من الذي أطلق علي خليل مطران لقب »شاعر القطرين«.. أي مصر والشام..
وكان رحمه الله يضحك من كل قلبه وهو يقول ان المطربة فتحية أحمد سرقت اللقب وكانت تسمي نفسها »مطربة القطرين«!
كان محمود أبوالوفا يحضر جلساتنا لابسا جلبابه.. مستندا لعكازه.. متمايلا أثناء السير لليمين تارة ولليسار تارة أخري.. اما اللقاءات التي كانت تشهدها غرفته المطلة علي »قلل الجيران«.. فكانت نموذجا لعصر.. مضي.. فيه الابداع.. والشهامة.. واخلاق أولاد البلد.. ووطنية الساسة الذين لم نكن نشك في وطنيتهم.. ولم يكن يخطر ببالنا.. ان يكونوا جواسيس لجهات أجنبية تسعي لتمزيق الوطن وتدمير جيشه.. وقوات أمنه.
الله يرحمك.. يا محمود يا أبوالوفا ويرحم أيامك.. واعتذر لك لانني تأخرت عن الكتابة عنك.. لمدة 05 سنة.. وجاء الكلام بمناسبة الانفجار.. الذي يبدو لي أنك لم تشعر به.
وفاة.. حي!
أنت حي.. وأنا حي.. وباب الخلق حي.. والحسين حي.. والسيدة زينب حي.. كلنا أحياء.. ونصاب بالشيخوخة.. فنشعر أثناء السير بالشخللة.. كالبالوظة الطازجة.. ونشعر عند النظر بالزغللة كالوشم فوق صدر متحرك.. ونشعر أثناء السمع بالطرقعة.. علي ايقاعات النهاوند.
نحن لنا أعمار.. وكل من يخاطبنا يقول لنا.. »يا حاج«.. من باب الاحترام والتوقير.. والاحياء السكنية.. كذلك.. لها أعمار لا تتجاوزها وتصاب بالشيخوخة.. وتعاني من الشخللة والزغللة.. والطرقعة.. ولكن لا يقال لها يا حاج.. بل قد يحدث بعض التحريف في الاسم.. من باب الدلع.. كان يقال ل»باب الخرق« أيام العصر العثماني.. »باب الخلق« الآن.. وان تختفي أحياء بكاملها مثل العتبة الزرقاء ومقابر الأزبكية.. وتحت الربع وبركة الفرانين وبركة الفوالة ودرب السقايين وسوق الغنم.. والعطوف والمدابغ القديمة...إلخ.. وعشرات من النماذج.. التي كانت في أوج شبابها أيام المماليك ثم انتهي بها الحال إلي الزوال.. لسبب بسيط هو ان للاحياء السكنية في بلدنا.. أعمار.. لا تتجاوزها.. ومعيار استمرارها ووجودها مرتبط بمدي قدرتها علي تطوير نفسها ومرافقها ومعالمها.. وملامحها.. والمحافظة علي إطالة عمرها الافتراضي بالعمران الابداعي والتطلع لحاجات المستقبل.
ومصطلح »العمران« يعني التوافق والانسجام والاتساق مع مقتضيات العصر.. وهو ما أهملناه منذ أكثر من 06 سنة.. وأصبحت بلادنا الجميلة مشحونة بالعشوائيات البدائية التي احاطت بالعاصمة.. احاطة الطرحة بوسط راقصة في مناسبة عائلية.. وأصبحنا نسمع عن 02 مليون مواطن يعيشون في عشوائية اسطبل عنتر وشقيقاتها.. بلا دورات مياه.. وبلا صرف صحي.. وبلا حدود!
نحن لا نعرف العمران.. ولا نحافظ علي ملامح المدن.. واختلط الحابل بالنابل.. ومنذ أيام زرت منطقة باب الخلق.. محاولا الوصول لمنزل الشاعر الكبير محمود أبوالوفا.. وهو بالمناسبة ممن يضرب بهم المثل في سوء الحظ.. عليه رحمة الله.. وإذا بي يا سيدي.. في عالم آخر.. وأناس يتحدثون بأصوات عالية.. ومكبرات صوت تصدر من كل الزوايا.. كهزيم الرعد تدعو الناس للصلاة.. بينما ممرات الأزقة حافلة بكل ألوان البشر.. الذين يتدافعون.. وسط ازدحام.. لا يتصوره العقل..
لقد اختفت ملامح الحارة التي كان يسكنها الشاعر محمود أبوالوفا.. واختفت معها صورة لاتزال ماثلة في ذاكرتي عندما كان يقود دراجة بساق واحدة.. ويدخل بها الحارة.
لم تكن الحارة بكل هذا الازدحام الذي نراه الآن.. والدليل علي هذا ان اتساعها النسبي.. كان يسمح للشاعر العبقري ان يتنقل بين ارجاء الحارة.. وشارع باب الخلق علي متن دراجة.. يقال لها »البسكلتة«.
ولم أعثر علي الحارة.. ولم أعثر علي المنزل.. ولم أعثر علي لافتة تشير إلي أن الحارة تحمل اسم محمود أبوالوفا.. واختلطت حدود الأحياء وتشابكت.. وأصبحت احياء ضخمة.. ويزيد من ضخامتها.. تضاعف عدد سكانها. لسبب بسيط هو ان السرعة التي تتغير بها سرعة المكان تفوق السرعة التي تتغير بها حدود الاحياء.
الحارة التي كان يعيش فيها محمود أبوالوفا.. ماتت.. والحي الشعبي.. مات..
كان محمود أبوالوفا.. يعرف انه سيموت.. وان لكل أجل كتاب.. ولكن السؤال.. هل تموت الأماكن مع أصحابها..
هل مات حي باب الخلق.. ولم يبق لنا سوي اسمه؟
هل تموت الاحياء مع أصحابها؟
الله أعلم!
رحلة الخلود!
يروي العالم المصري الجليل فوزي حسين.. في الجزء الأول من موسوعته »رحلة الخلود« الذي صدر منذ أيام.. ان الإنشاءات المعمارية للمصريين القدماء.. علي طول البلاد وعرضها عبر مراحل تاريخنا الطويل كانت تعزيزا لعقائد دينية رسخت في عقولهم وقلوبهم.. وشكلت في عقلهم الجمعي.. بان هناك حياة ثانية.. بعد الموت.. وهناك بعث جديد.. وكانت الدليل علي قوة الحاكم وقدرته علي السيطرة علي وطنه وشعبه.. ولم يترك رمسيس الثاني الذي حكم مصر 66 عاما.. اقليما من أقاليم مصر ابتداء من »تانيس« شمال شرق الدلتا.. وحتي أبوسمبل في أقصي الجنوب.. الا وأقام فيه معبدا أو صرحا.. بما يشهد حتي اليوم علي قوته وعظمته.. وايمانه المطلق برحلة الخلود.
ويتفق الاساتذة العظام في علم المصريات.. علي ان مصر القديمة.. هي أصل مدنيات العالم.. ومنبت الضمير والبيئة الأولي التي نمت فيها الأخلاق.. وأن الوصول إلي مثل هذه الحقيقة الايمانية.. في هذا الوقت المبكر من تاريخ البشرية يشير إلي ان هناك خالقا لهذا الكون.. وان هذا الخالق وضع نظاما وسننا تنظم حياة الناس وتتناغم بها العلاقات الاضافية بين المخلوقات.. وتتحقق بها العدالة بين البشر.. وان حياة الإنسان علي الأرض ليست عبثا أو استهلاكا للوقت والطاقة.. وإنما هي رحلة عابرة.. وان الحياة »الديمومة«.. تقع في عالم آخر.. وهو عالم ما بعد الموت.. وأن كل إنسان سيحاسب علي مجمل أعماله التي يقترفها.. ان خيرا فخير ونعيم.. وان كانت شرا فعذاب وجحيم.
ويقول العالم الجليل في الجزء الأول من موسوعة »رحلة الخلود« ان هذه الافكار عن الحساب بعد الموت شحذت عبقرية المصري القديم بأمرين هامين:
الأمر الأول: ان يضبط روحه (B.A) بمجموعة من القيم والسلوكيات التي تنظم علاقاته مع المعبودات.. ومع رفاقه علي الأرض في هذه »الرحلة العابرة« وان يهييء نفسه للرحلة الابدية.. رحلة الخلود.
الأمر الثاني: ان يضبط أمور جسده بالمحافظة عليه.. ليس فقط أثناء حياته.. وإنما بعد وفاته أيضا.. وذلك بتوفير الضمانات اللازمة لعدم تحلله أو تعفنه.. ومن هنا نشأت فكرة التحنيط.. كي يظل الجسد سليما.. دون عطب حتي تتعرف عليه الروح ال(B.A) عندما تزوره في قبره بعد الموت.. ومن ثم تعود اليه الحياة من جديد في حالة اشراقة جديدة كالشمس.. وان يبعث من جديد.
ومن هذه العقيدة.. كما يقول العالم فوزي حسين.. أجهد كهنة المصريين وعلماؤهم وأدباؤهم.. أنفسهم كي يصيغوا منظومة متكاملة لتحقيق الأمرين معا.. وهما التأمين الروحي.. والتأمين الجسدي.
ولذلك فلم تكن المومياء.. مجرد شاهدة علي عصرها الذي حنطت فيه.. فحسب.. وإنما كانت مؤرخة ومرآة لهذا العصر.. وان رحلة المومياء.. ليست رحلة النهاية والفناء وإنما هي رحلة لحياة ثانية وبعث جديد.. إلي رحلة الخلود والتعميم الدائم.
آثار كل عصر.. هي الكاشفة له.. ولأحواله السياسية والاجتماعية.. ولذلك فعندما نشاهد أحوال العشوائيات وما جري للاحياء الشعبية.. وفي حي باب الخلق.. واختفاء منزل الشاعر الراحل محمود أبوالوفا.. فنحن نقرأ تاريخ حقبة طويلة عشناها.. نراها ونلمسها.. ولسنا في حاجة لقراءة الكتب التي تتناول انجازات حكامنا.. لأن المخلفات المعمارية.. لا تكذب.. ولا تتجمل!
المتحف الإسلامي
تاريخيا.. كان اسمه عند انشائه سنة 4091 »دار الآثار العربية«.. وبعد تجديده وترميمه سنة 2591.. صدر القرار بتغيير اسمه وأصبح »متحف الفن الإسلامي« في باب الخلق!
وأثير أيامها جدل بين جماعة المثقفين.. شارك فيه عدد كبير من المفكرين.. من بينهم المفكر الراحل محمد شفيق غربال.. حول الاسم الجديد.. وهل من المناسب ان يبقي الاسم الذي تتجلي فيه الشخصية العربية.. شخصية الفرد وشخصية الجماعة.. حيث تتلاقي فنون الشعوب التي كونت الأمة العربية.. بما فيها من محافظة علي تراث ينتقل من سلف لخلف.. أم يطلق عليه دار الفن الإسلامي.. أو متحف الفن الإسلامي.. وأيهما أصح؟!
تباينت أيامها وجهات النظر.. قال البعض ان الفن.. باسمه الجديد يعبر عن فن الشعوب الإسلامية سواء كانت عربية أو غير عربية وبالتالي فالوصف هنا أعم وأشمل.. وهو ما ينطبق أيضا عند تسمية الفلسفة أو العلم.. إذ لم يختلف الأوروبيون الذين تعرضوا لتاريخ العلم.. والفلسفة حول تسميتها بالإسلامية.. وكذلك سماها من اشتغلوا بهما من العرب وغير العرب.. من المسلمين ومن غير المسلمين.
وقال بعض آخر ان الاسم القديم يتناول قضية أساسية من قضايا التاريخ العربي وهي قضية الوحدة الإقليمية.. علي الرغم من ان العقيدة اكسبت الفن.. قدرا كبيرا من الوحدة.
وأثير أيامها حوار ثقافي رائع.. نفتقده هذه الأيام.. تناول بالتفصيل نوع الفن السائد في كل إقليم من أقاليم الدول العربية.. وتطور الفن في المجتمع العربي.. ومصير هذا الفن العربي في ظل التطورات السياسية التي لحقت بكل دولة وأدت في بعض الأحيان لظهور تيارات ترفع الشعارات الإسلامية وتدعي ان الابتكار.. هو محاكاة للخلق.. وترفض الابداع.
المهم.. ان المتحف الإسلامي ظل يؤدي دوره في الحفاظ علي العديد من المقتنيات والقطع الأثرية والمخطوطات.. إلي ان تعرضت للتدمير علي أيدي عصابات الإرهاب التي تحارب الإسلام والمسلمين تحت شعارات الدفاع عن الإسلام.. ومن بينها »ابريق عبدالحكم بن مروان«.. ومنذ أيام نشرت صحيفة »الأهالي« الناطقة بلسان حزب التجمع.. تحقيقا صحفيا متميزا للزميلة أمل خليفة.. تناولت فيه حجم الدمار الذي لحق بالمتحف ومقتنياته تحت عنوان »أعداء الحضارة.. لن يغتالوا التاريخ«..
في هذا التحقيق أشار الدكتور أيمن فؤاد استاذ التاريخ بجامعة الأزهر.. لأول مرة.. لحجم الدمار الذي لحق بدار الكتب.. والبلل الذي لحق بعدد من المخطوطات والبرديات نتيجة انفجار ماسورة مياه.. من جراء الانفجار الإرهابي الغاشم.
نحن أمام عصابة إجرامية.. تستخدم كل أسلحة الخسة والنذالة والوحشية.. لإرهابنا.. ولكننا في النهاية سوف ننتصر.. لأن الله معنا.. وكل ما نتمناه ألا يأتي اليوم الذي تموت فيه المتاحف أيضا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.