»هؤلاء الذين يسهرون إلي منتصف الليل يرقصون ويغنون ويشربون، ماذا يكونون في العام القادم، ومن منهم سيذهب، ومن منهم سيبقي؟« الإثنين: ما أسرع ما تمر الايام، عام انطوي وعام بدأ، ومضة من الزمن نقلتنا من حال الي حال، نهار وليل ونهار، اعمار تطوي، واجساد تبلي، وشباب يذوي ويبقي وجه ربك ذو الجلال والاكرام. عجيب هذا الزمن يدب في اجسادنا دبيبا ناعما، نحبه ونكرهه، نتمناه ونهرب منه، نحب ايامه ولياليه مفردة، ونكرهها مجتمعة، نحبه ان يسير، ولكننا نكره ان ينتهي، ولكن ما غاية المسير الا المنتهي؟ هؤلاء الذين يسهرون الي منتصف الليل يرقصون ويغنون ويشربون، وتلتقي شفاههم عندما تدق الساعة اثنتي عشرة دقة، كأنهم يحيون الزمن الذاهب والزمن القادم، وكأنهم معه علي موعد ومنه علي صفاء، ماذا يخبيء لهم؟ هؤلاء الذين يحتفلون اليوم ماذا يكونون في العام القادم، من منهم سيذهب ومن منهم سيبقي؟ في ليلة رأس السنة رأيت الخلائق تجري لاهثة في الشوارع، والسيارات تطير كأنها تسابق الساعات الباقية من العام الذي يحتضر، ماذا وراءهم وماذا وراءها! هل هي سياط الزمن تلهب ظهورهم ام هي خدع الاماني تجعلهم يحسبون عامهم القادم أسعد حظا؟ ورأيت هذا الرجل بطيء الخطا، جامد النظرات، يمشي وكأنه ينتزع قدميه انتزاعا، ويحدق فيمن حوله وفيما حوله بنظرات فيها الشره والالم كأنه يريد ان يعيش العمر في لحظة، ويجمع العام في خطوة، وتأملته لماذا يبطيء والدنيا من حوله تطير؟ لماذا يتعثر في العبء الذي يثقل ظهره من السنين؟ ولاح لي ان الرجل لا يتوقع ان يستقبل من غده خيرا مما اخذه في امسه، عاش من السنوات ما جعله يعرف السنوات، وحمل من أوزارها ما جعله يعرف الاوزار، تري ماذا يكون له العام الجديد؟ لقد ألف أعواما قبله، واستقبلها كما اعتاد الناس ان يستقبلوا السنين فخانته العين الحالمة، والقلب الباسم، واليد الناعمة، فهو يعيش وكأنه يتمثل بقول القائل: مشيناها خطا كتبت علينا.. ومن كتبت عليه خطا مشاها! هل ستظل تحبني؟ طوقته بذراعيها والموسيقي صاخبة، والكؤوس تتبادلها الشفاه، والدخان كثيف حينا وخفيف حينا.. قالت له: هل ستظل تحبني في العام الجديد، كما أحببتني في العام الذاهب؟ ضغط علي أناملها بين يديه وقال وهو يترنح: الي الأبد.. ألا تعرفين.. ألا تفهمين.. دائما تسألين؟ قالت: المرأة تحب ان تسأل وتحب ألا تفهم.. انها تريد ان تطمئن، أنظر الي هذا الدخان، يتجمع ثم يتبدد، خشيت ان يكون حبك هكذا!! أجاب: انه يتبدد لكي يتجمع من جديد.. ان ذراته لا تتغير، تنفصم ثم تعود لتجتمع.. هذه هي الحياة يا صاحبتي، لا تدوم علي حال.. قالت: حبك ايضا هكذا؟ قال: ينفصم ليعود من جديد، ولكنه لا ينتهي، مثل الحياة تماما، هل تحسبين ان هناك ما هو أعز من الحياة، حبك شبيه بها! قالت: ولكن الحياة تخدع وتكذب، وتتغير وتتحول.. ونظرت اليه وهي تحاول ان تخفي غيظها، وتأملته وهو لا يتمالك ان يستقيم، وقد رفع الكأس الخامسة، وسكتت وهي تتحرق وتتململ، بينما أفرغ الكأس في جوفه، وقال وهو يتمتم وعيناه مغمضتان ويداه مرتخيتان: كرهت القيد الذي وضعته في يدي وعنقي.. وسألته وهي ترتعش: هل تتكلم الحق أم هي الخمر التي لعبت برأسك؟ وأفاق بعض الشيء وطلب كأسا سادسة ثم قال في عبارة متقطعة، وألفاظ يكاد ينتزعها انتزاعا: بل قولي ان الخمر أعادت لي عقلي.. وأنت لماذا لا تشربين حتي يرتد لك عقلك وتقولي الحقيقة في شجاعة.. وجاء صوتها كالرعد مع انه كان همسا: شجاعة.. ايها السكير العربيد.. قال: سكير عربيد.. بسبب من؟ بسببك أنت.. أريد أن أهرب من الواقع الكريه.. وتأبين إلا أن ترديني إليه! وسألت في غيظ: الواقع الكريه أليس كذلك؟ هذا الواقع هو أنا؟ قال وهو يرتشف كأسا جديدة: وهل في حياتي واقع كريه غيرك؟.. سنة جديدة مرحبا بها.. لعل فيها الخلاص منك! وكادت تقذفه بالكأس الفارغة لولا ان خشيت الفضيحة بينما دق الرجل بيديه مناديا الجرسون وقال له: كأسا سابعة وثامنة وتاسعة.. أكثر من كئوسك حتي ينتصف الليل.. وتبدأ سنة جديدة.. مرحبا بها.. والتفت الي امرأته وقال: لماذا لا تشربين.. كأس واحدة لا تكفي.. كأسان لا تكفيان.. وثلاث ايضا، اشربي مثلي سبعا وثمانياً وعشرا، اشربي حتي تهربي من الواقع، حتي تفكي أسري!! ودقت الساعة نصف الليل، فانتفض الرجل كأنما أفاق، واحتضن امرأته بين ذراعيه وقبلها كما يفعل الآخرون! الناس بدون ملابس! الثلاثاء: تمنيت لو كنت ثريا حتي أقضي العمر كله في السياحة والسفر، وتصفح وجوه الناس وقراءة اسرارهم وانفعالاتهم، وقد تنقل اليك الكبت شيئا من هذا، وقد تنقل اليك السينما بعض الصور، ولكن هذا وذاك لن يغنياك عن السياحة والتنقل والاختلاط والكلام الي الناس. وقد نظر فيلسوف الي وجه زائر جديد، ظل فترة دون ان يفتح فمه، وقال له: »تكلم حتي أراك« وهو يشير بذلك الي ان رسم الجسم وصورته وكيانه لا تكفي للمعرفة، فلابد من الكلام، لانه مفتاح الشخصية والناس متساوون في اجسامهم وما ركبه الله فيها، فلكل منهم أذنان وعينان وفم ويدان وهكذا.. ولكن اختلافهم الاكبر يجيء في الشخصية، في التفكير والتصرف والنظر الي الامور. وقد رأي »شارل دكنز« ان الملابس هي الاخري تصور لونا من ألوان الاختلاف بين الناس، والواقع انني كثيرا ما فكرت: تري لو خلع الناس ملابسهم وساروا علي نحو ما كانوا يفعلون في عهد الغابة، عراة حفاة، أكنا نجد بينهم من الاختلاف ما نجده اليوم، إذ نري واحدا يرشق وردة في سترته، وآخر يتأنق حتي لكأنه عروس علي وشك الزفاف.. انظر الي أي شارع في القاهرة، وارقب الازياء التي تمر بك: هذا يرتدي بذلة افرنجية من الطراز الاوروبي، وذاك يرتدي جلابية ولاسة، وثالث يرتدي طربوشا ملفوفا عليه شال، ورابع حاف ينطلق كالسهم بجلابية مفتوحة كأنه هارب من غابة.. ولا أطيل، ولكني ارجوك ان تفكر لو خلع هؤلاء الناس هذه الاردية وساروا امامك عراة، أكنت تري ما تري بينهم من فروق..؟ واللباس بعض مقومات الشخصية من غير شك وحينما أمر أتاتورك بإلغاء الطربوش وارتداء القبعة، سخر منه الناس وقالوا: هل تغير القبعة عقلية لابسها، وهل يترك الطربوش أثره الكريه في النفس؟ وقد اعتصم طلاب دار العلوم في الماضي بمعهدهم مصرين علي ان يرتدوا الزي الافرنجي، وكانت السلطات القائمة حينئذ تجبرهم علي الاحتفاظ بالجبة والقفطان والعمامة.. وقال الناس انهم يحاولون ان يفعلوا ذلك حتي يصطادوا قلوب النساء، وهو ما لا يليق برجال الدين. ولا شك ان العمامة ستنقرض كما انقرض الطربوش، وهو مصير محتم لا سبيل الي منعه، لان العمامة رمز الي ماض قديم، والجديد يسطو عليه، ويحسب البعض ان العمامة رمز الي الثقافة او الحضارة الاسلامية وهذا خطأ شنيع، فليس في الاسلام نص علي لباس معين. واستيقظ ضميرها!! الأربعاء: ضلت وغوت، وشربت من كئوس الهوي العنيف والاثم ما شاء لها الشباب ان تشرب، ثم احست بدبيب العمر في وجهها وجسدها، فأفاقت وكأنها كانت في سكرة. وجلست امام المرآة تسأل نفسها، ماذا جنت من الاثم، ولها زوج وأولاد، واستيقظ ضميرها في عنف، فأخذت تجرد الحساب، كل رجل عرفته كذب عليها وغدر بها.. احست كم كانت امرأة فاجرة.. ونظرت الي زوجها فكادت تعترف له بكل شيء، ولكنها ضعفت لثقل اوزارها، فبكت بين يديه ونظر اليها الرجل الامين الذي يحسب امرأته اشرف النساء، واخذ يخفف عنها، ويسألها عما يحزنها، ويجعل اللؤلؤ يسقط من عينيها! وحدقت المرأة فيه وقالت »كم أنت كريم، انني لا استحق منك هذا، هل تراني جميلة؟ قال: بل أجمل النساء. قالت: وهذه الخطوط السوداء تحت عيني، هذا الشعاع الذي أخذ يضعف، هذا الجلد الذي بدأ يترهل! قال: لا أري شيئا.. وتمتمت: ولكن لماذا يراه الاخرون وجثت عند ركبتيه تسأله الصفح، فقال: وهل يطلب الملاك الصفح؟ وانزعجت المرأة.. وقالت له، وكأنها تنهره، انت طيب اكثر مما يجب؟ لنفرض اني اذنبت هل تغفر لي ذنبي؟ قال: كل الذنوب. وأوشكت ان تعترف لكي تريح ضميرها ولكن الكلمات وقفت في حلقها والدموع خنقتها، وزوجها لف يديه حول خصرها ورفعها اليه ووضع علي جبينها قبلة، وتمنت لو احتقرها وركلها بقدميه، وطردها. أفكار للتأمل اذا اختفي العدل من الأرض، لم يعد لوجود الإنسان قيمة »كانت« لقد عملنا علي تخليص المصري من الاستعمار الاجنبي، وبقي علينا ان نخلص المصري من الاستعمار المصري »مكرم عبيد« لا تأتي الحرية من الحكومات ولكن من الشعوب، وتاريخ الحرية هو تاريخ جهاد الشعوب للحد من سلطة الحكومات »ولسن« من يعمل بيديه فهو عامل، ومن يعمل بيديه وعقله فهو صانع، ومن يعمل بيديه وعقله وقلبه فهو فنان »لويس تيريز« يصبح الرجل عجوزا حين تحل الاعذار محل الآمال »جون باريمور« كل حب تلازمه غيرة. كما ان كل ملاك يلازمه شيطان. احسن وسيلة للتمتع بالسعادة، هي ان تشرك فيها غيرك »بيرون«