سعىد الخولى أن تتدخل أم كلثوم لتغيير كلمة »آنسة« إلي كلمة »فاتنة« في قصيدة »أراك عصي الدمع« لأبي فراس الحمداني - فقد كان تدخلا من فنانة متذوقة منعا من التباس معني »آنسة« الذي قصده الشاعر مع معناها العصري . وأن تتدخل مرة اخري لتغير مدخل »الأطلال« من »يا فؤدي رحم الله الهوي« إلي »يا فؤادي لا تسل أين الهوي« في حياة شاعر الأغنية إبراهيم ناجي - فقد كان أيضا تدخلا جماليا لصالح الأغنية حتي صار التغيير أشهر من الأصل. لكن الأمر يختلف حين يتم التدخل وتغيير كوبليه من أغنية في حياة صاحبها، وحدث ذلك مع أغنية »عظيمة يا مصر« للراحل وديع الصافي في فقرة كانت تقول »سادات المحبة سفير السلام« وقد غناها الراحل بعد اتفاقية السلام مع إسرائيل وبسببها نال الجنسية المصرية وتكريما رئاسيا، حيث كانت في فترة جزر بالعلاقات العربية المصرية وانقطاع مع غالبية الدول العربية عدا السودان وعمان. ولما توفي السادات وحاول مبارك إعادة المياه إلي مجاريها، أعيد تسجيل الأغنية لتغيير »سادات المحبة سفير السلام « ليتحول الوصف إلي مصر ويحذف اسم السادات من الأغنية إرضاء للحانقين علي السادات في جبهة الرفض آنذاك، ليتحول الفن إلي لعبة للسياسة. عجائب التغيير أما أعجب ما تم تغييره فتم في أغنية »لفي البلاد يا صبية« لعبدالحليم حافظ حيث كان هناك جملة تقول »دا المهر غالي وحيجيبوه« فتم تغييرها بعد وفاة العندليب بعشرات السنين إلي »دا المهر غالي واهم جابوه« واستنسخوا صوت عبدالحليم بالامكانيات التقنية والصوتية الحديثة ليبدو مثل صوت الكورس وهو يردد الجملة الجديدة.. ولم أفهم سر هذا التغيير لكنه كشف لي سر تزييف بعض التسريبات الصوتية الملغومة بعد 30 يونيو 2013. وكانت أغاني عبدالحليم وأم كلثوم في فترة المد الناصري أبرز دلائل لعب السياسة بالفن، فقد دخلت إلي أدراج أرشيف الإذاعة ولم يكن يتم إذاعتها في عهدي السادات ومبارك إلا في النزر اليسير كمناسبات الاحتفال بثورة 32 يوليو أو ذكري وفاة عبدالناصر، حتي أن أغنية مثل »صوت الشعب« لأم كلثوم كانت تختمها بأبيات »أحب السلام أخوض القتال وعندي الحقيقة وعندي الخيال وعندي الجمال« وأضافت أم كلثوم من عندياتها »وعندي جمال« تقصد جمال عبدالناصر، وكانت الأغنية تذاع نادرا بدون الكوبليه الأخير حتي تم منع إذاعتها كاملة في عهد مبارك لأنها تحمل صوت الشعب وقوته الهادرة. عاشق الروح اللعبة بدأت بوضوح عقب ثورة 32 يوليو 2591 حيث تدخل مقص الرقيب حينها بالحذف لنشيد الملك فاروق في كلمات أو التشويش علي لقطات كانت خلفيتها صورة الملك وكان أشهر صور هذا التشويش خلفية عبدالوهاب وهو يغني »عاشق الروح« في فيلم »غزل البنات« فبدا المنظر سيئا وفي الخلفية كتلة سوداء تغطي صورة فاروق، وكأن هذا يلغي فترة الملك فاروق والأسرة العلوية من تاريخ مصر، ولعلهم اعتمدوا في هذا الفهم الخاطئ علي أن كثيرا من الناس يستمدون معرفتهم بالتاريخ من خلال الغناء والتمثيل، ناهيك عن النفاق والموالاة الكاذبة من المؤلفين والمؤدين في الأعمال الدرامية والغنائية حسب متطلبات كل عصر، نجومه يتصدرون المشهد ويمثلون الواجهة البراقة للأنظمة الحاكمة، بينما من حاول احترام نفسه وفنه ومعجبيه أو حتي كان عالما في خدمة الانسانية فكلهم جميعا كانوا »كناطح صخرة يوما ليوهنها. فلم يضرها وأوهي قرنة الوعل«! وتضيق المساحة عن سرد نماذج لعب السياسة بالفن.